المجلس الأعلى للثقافة في القاهرة يحتفي بمئوية علي الراعي

2020-08-26

الناقد والمُنظّر المسرحي علي الراعي

القاهرة ــ «لا شيء يبرر انعزال الكُتّاب عن كوميديا الشعب ــ ومن ثمّ عن الشعب نفسه ــ سوى عدم معرفتهم بالتراث الكبير، الذي تجمّع للشعب في هذا المجال الفتان، ومن ثم أخذت على عاتقي هذه المهمة الثقيلة ـ مهمة أن أصل ما بين الكُتّاب المثقفين وتراث الناس في المسرح، على أمل أن يتبينوا ـ كما أتبين أنا ـ أنه لا مستقبل حقيقي لكوميدياتهم ما لم تتصل أسبابها بفن الكوميديا الشعبية». (علي الراعي.. مسرح الشعب)

أقام المجلس الأعلى للثقافة، من خلال موقع وزارة الثقافة المصرية على الفيسبوك ويوتيوب، احتفالية بمرور مئة عام على ميلاد الناقد والمُنظّر المسرحي علي الراعي (أغسطس/آب 1920 ــ يناير/كانون الثاني 1999). تم في البداية تقديم فيلم قصير يسرد مشوار الراعي، بداية من الدراسة، ثم العمل في الإذاعة المصرية، والسفر إلى لندن لنيل شهادة الدكتوراه، وكانت عن مسرح برنارد شو ـ صدرت مؤخراً عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ ثم الدور الريادي للرجل في محاولاته الدائمة في البحث عن جذور المسرح المصري، ومن ثم العربي.

يبدو هذا من الإصدارات العديدة المؤثرة في الحركة المسرحية تنظيراً وتطبيقاً، نذكر منها مثالاً.. «الكوميديا المرتجلة في المسرح المصري» 1968، «فنون الكوميديا من خيال الظل إلى نجيب الريحاني» 1970، و»مسرح الدم والدموع، دراسة في الميلودراما المصرية والعالمية» 1973. هذه الدراسات التي تم جمعها في مجلد واحد حمل اسم «مسرح الشعب» عام 1993. كذلك كتاب «شخصية المحتال في المقامة والحكاية والرواية والمسرحية»، وكتاب «المسرح في الوطن العربي»، الذي يعد من أهم الكتب التي أصّلت للمسرح العربي وتاريخه.

وفي مجال الرواية نذكر.. كتاب بعنوان «دراسات في الرواية المصرية» متناولاً تاريخ نشأة الرواية العربية، وتأثير الأنواع الكتابية القديمة على النصوص الروائية الأولى، والعديد من المؤلفات والترجمات، إضافة إلى النص المسرحي «الأراجوز».

عن هذا الدور وبعض من تفاصيله، جاءت كلمات المشاركين في الاحتفالية، من مسرحيين ونقاد وكُتّاب. وفي ما يلي بعض من هذه المداخلات..

 

يرى الناقد محمد الشحات أن علي الراعي، من خلال كتاباته استطاع أن يجمع ما بين الناقد والمؤرخ الأدبي. كذلك يرى الشحات أن الراعي لم يكن ينظر إلى المسرح كفن من فنون الأداء فقط، بل فن من فنون الفُرجة، لكونه قادراً على استقطاب الجماهير متنوعة الهويات والأيديولوجيات

اقتراب لا اغتراب

في كلمته لفت المخرج سمير العصفوري إلى وجهة نظر ورؤية علي الراعي، التي انطلق منها باحثاً ومُنظراً مسرحياً وأدبياً. فعند عودته بعد الدكتوراه من إنكلترا لم يكن الرجل متعالياً أو مفتوناً بالغرب، وإنتاجه الأدبي، ومحقراً كالكثيرين، من الشرق وثقافته، بل بحث عن جذور الأدب المصري والعربي، بأدوات النقد الغربي ـ خاصة نشأة المسرح والرواية العربية ـ ويضيف العصفوري أن الرجل بذلك لم يمارس الاغتراب، بل الاقتراب من الثقافة العربية والمصرية، والشعبية منها بوجه خاص، ما أدى لاهتمامه بمسرح الشعب، فمسرح الشعب للشعب، دون النخبة أو الصفوة أو الطبقة المتسيدة، التي تصوغ شكل الثقافة على شاكلتها.

المسرح الأدائي

وفي مداخلته يقول المخرج عصام السيد، إن علي الراعي كان يرى أن المسرح في الأساس فن للأداء، فالممثل يشارك مشاركة فعالة في الأداء المسرحي ككل، فلا ينفرد المؤلف بملكية النص، وهو بذلك سبق ظهور مصطلح المسرح الأدائي، فللممثل وللمخرج، الحق في الإضافة إلى النص، فالمسرح يجب أن يعود إلى جذوره. ويستشهد الراعي ـ حسب قول عصام السيد ـ بتجارب الطيب الصدّيقي في المغرب، ومسرح الحلقة وكيفية استلهام التراث. فالأشكال المسرحية مثل.. الأراجوز وخيال الظل والحاوي والراوي، كلها حاول الراعي أن يعيد إليها الحياة والاحترام، هذه المظاهر من المسرح الشعبي يمكن أن تؤدي إلى نشأة مسرح بريختي بروح شرقية، مع ملاحظة أن هذه الكتابات والآراء كانت في ستينيات القرن الفائت.

سمات المشروع النقدي

واقتصرت مداخلة الناقد حسين حمودة، على نقد علي الراعي للقصة القصيرة، من خلال كتابه «القصة القصيرة في الأدب المعاصر»، وهي مقالات مُجمّعة، نشرها الراعي في جريدة «الأهرام» ومجلة «المصور» المصرية ــ 38 مقالة ــ في الفترة ما بين 1983 وحتى 1998. وأشار حمودة إلى الروح النقدية لدى الراعي، مستنتجاً سمات المشروع النقدي للرجل ككل، فلا يخلو صوته من البحث عن عالم أكثر جمالاً، بعيداً عن حياد بارد يكتب من خلاله الأكاديميون. يتجلى ذلك في العلاقة بينه وبين الكاتب، والنص، والقارئ نفسه ـ الجمهور الذي لم يستبعده الراعي في كل كتاباته ـ ينفي الراعي موت القصة القصيرة، كذلك علاقة القصة بالتراث العربي والتقنيات الغربية، إضافة إلى إشارته إلى كتابة الأقليات، خاصة كُتّاب النوبة، من حيث حياتهم ومشكلاتهم، والسياق السياسي والاجتماعي لمثل هذه الكتابات. وفي الأخير يبدو مدى حرص الراعي على التواصل مع القارئ وتقريب العمل الأدبي منه، فالقارئ يصبح مروياً له، فيتحقق حضوره داخل النص النقدي.

النقد والتاريخ

من جانبه يرى الناقد محمد الشحات أن علي الراعي، من خلال كتاباته استطاع أن يجمع ما بين الناقد والمؤرخ الأدبي. كذلك يرى الشحات أن الراعي لم يكن ينظر إلى المسرح كفن من فنون الأداء فقط، بل فن من فنون الفُرجة، لكونه قادراً على استقطاب الجماهير متنوعة الهويات والأيديولوجيات، فهو بهذا ـ فن المسرح ـ هو الفن الديمقراطي الأول. ثم يستشهد الشحات في مداخلته بعبارة للناقد فاروق عبد القادر ـ كاتب مقدمة الأعمال الكاملة لعلي الراعي ـ قائلاً.. «كان لابد لأحد أن يبدأ».







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي