يجلس ايلي صعب إلى جانب ابنه ايلي جونيور مستذكرا اليوم المشؤوم عندما رأى نجله مضرجا بدمائه ويقول ”عندما رأيته مغطى بالدماء قلت مش معقول، ما صدقت، قلت مصاب لكن لا بأس الحمد الله إنه استطاع أن ينجو. كانت ربع ساعة يمكن طولها شي يومين.
”ليست قضية أب وابنه وابن وأبوه. القضية إننا نحن نشتغل كلنا كأننا عائلة تحت سقف واحد. نحن نهتم لكل الأشخاص“.
ويلخص صعب تلك اللحظات بالقول ”كان كأنه منام بشع“.
وتسبب انفجار كميات كبيرة من نترات الأمونيوم كانت مخزنة لسنوات في مستودع بالمرفأ دون إجراءات سلامة في تصاعد سحابة على شكر الفطر يوم الرابع من أغسطس آب ومقتل 178 شخصا وإصابة ستة آلاف وتدمير مناطق بأكملها في بيروت.
دمر الانفجار محلات لمصممين آخرين لديهم دور أزياء في وسط بيروت منهم زهير مراد وربيع كيروز وعبد محفوظ وغيرهم وأصيب بعضهم أيضا بجروح
وبتنهيدة طويلة يردد صعب مع ابنه ايلي جونيور تعبيرا مشتركا مشتقا من اسم العائلة فيقول الرجلان ”كان شي كتير صعب“
يروي صعب اللحظات الأولى لعصف الانفجار في الرابع من أغسطس آب ويصفها قائلا ”الطريقة والدفشة (الدفع) التي أتتنا، لم يبق أحد في مكانه. كلنا زحنا. كنا واقفين نشتغل، كل واحد تم دفعه مترين أو ثلاثة جراء الضغط. كانت طعمة (نكهة) من الحرب جديدة علينا“.
لم يكن ايلي صعب وفريقه العامل ينتظر أزمة مدمرة من هذا النوع لا سيما وان اللبنانيين كانوا في أمس الحاجة إلى نهوض اقتصادي معيشي في ظل أسوأ أزمة اقتصادية تمر بها البلاد. وقال ”اللبنانيون لديهم مشاكل كثير أكبر من ذلك. ولكن هذا الشيء الذي صار لا يمكن وصفه. كان كتير بشع“.
”جديا هذا النهار كان وكأنه ست أو سبعة أيام. حتى من بعد هذا النهار لا نعرف كيف يمر الوقت. صرنا أسبوعين تقريبا نشعر كأننا امبارح من جهة ومن جهة أخرى وكأننا إلنا 3 أشهر. لا نعرف أن نقيس الوقت جيدا“.
ورغم مأساوية المشاهد، يجلس ايلي صعب مراقبا دولته التي كانت من قماش فاخر وانهارت أمام ناظريه لكنه يعلن اليوم تصميم ثوب الأمل وإزالة رائحة الدمار والغبار ولا يدع الزجاج المتكسر يحتل الأمكنة المدمرة.
ولا يعتزم صعب مبارحة بيروت والهجرة إذ يقول ”أنا صورة لكثير من الشباب اللبناني، لا أريد المكابرة على نفسي أو التعالي على البوكس (اللكمة) الذي أكلناه. يجب أن أكون مثل بيروت كل مرة تنفض نفسها وتطلع من تحت الدمار وترجع أحلى مما كانت“.
ودار أزياء صعب الواقعة في وسط بيروت لم تكن الخسارة الوحيدة له حيث أتى الانفجار الصاعق على منزله التراثي في منطقة الجميزة الأكثر تضررا.
ويمتلك صعب بيتا تقليديا لبنانيا في منطقة الجميزة تعلوه الأعمدة التراثية وقبة القناطر والسقوف العالية والرخام وبلاط الأرابيسك وتضيئه ثريات نادرة باهظة الثمن اقتناها من اسطنبول.
ووثقت كاميرا تلفزيون رويترز مشاهد الدمار والخراب في منزله حيث دمرت قوة الانفجار كل مقتنياته فتكسرت القناطر والثريات وأزيلت الواجهات واتكأت الشرفات على بعضها البعض وامتزج الرخام بالركام.
وفي ثنايا مشهد الخراب تنزوي شماعات ثياب مخملية كأنها تبحث عن فساتينها من بين الأنقاض.