هل كانت تعلم أمريكا مسبقًا بالشحنة التي تسببت في انفجار بيروت؟

مصدر: U.S. Contractor Knew of Explosive Material in Beirut Since at Least 2016
2020-08-11

في تحقيق استقصائي لصحيفة «نيويورك تايمز» ذكر مراسلا الصحيفة ماريا أبي حبيب وبن هوبارد أن مقاولًا أمريكيًا اكتشف الخطر المحتمل من وجود مواد متفجرة في مرفأ بيروت، وأبلغ عنه قبل أربع سنوات على الأقل، لكن المسؤولين الأمريكيين نفوا أنهم كانوا على علم بذلك حتى الأسبوع الماضي، أي بعد وقوع الانفجار.

هل كانت السفارة الأمريكية أو البنتاجون على علم بوجود الشحنة القابلة للانفجار؟

يقول كاتبا التحقيق: «وفقًا لبرقية دبلوماسية أمريكية، حذر متعاقد أمريكي يعمل مع الجيش الأمريكي قبل أربع سنوات من وجود مخزن كبير يحتوي على مواد كيميائية قابلة للانفجار مُخزنة في ظروف غير آمنة بميناء بيروت».

وجاء في البرقية أن خبير أمن موانئ أمريكي رصد وجود المواد الكيماوية وأبلغ عنها أثناء تفتيش جرى للتحقق من سلامة الميناء. ويقول مسؤولون أمريكيون حاليون وسابقون عملوا في الشرق الأوسط: «إن المتوقع بعد ذلك إبلاغ السفارة الأمريكية أو البنتاجون بالأمر».

وقال مسؤولون لبنانيون إن المواد الكيماوية المكونة من 2750 طنًا من نترات الأمونيوم انفجرت يوم الثلاثاء الماضي، وهزت معظم أنحاء لبنان، وألحقت أضرارًا بالمباني في منطقة واسعة من وسط بيروت؛ مما أسفر عن مقتل أكثر من 150 شخصًا وتشريد مئات الآلاف. وأثار الانفجار غضبًا عارمًا في أوساط النخبة السياسية اللبنانية، وأدى إلى استقالة الحكومة يوم الاثنين.

الولايات الأمريكية تنفي ودبلوماسيون غربيون يبدون غضبهم

حقيقة أن الولايات المتحدة ربما كانت على علم بالمواد الكيماوية ولم تحذر أحدًا، صدمت الدبلوماسيين الغربيين وأغضبتهم، بحسب التقرير، خاصة وأنهم فقدوا اثنين من زملائهم في الانفجار، علاوة على سقوط عدد من الجرحى. لكن مسؤولًا كبيرًا في وزارة الخارجية نفى أن يكون المسؤولون الأمريكيون على علم بذلك، وأضافوا أن البرقية «تظهر أنهم لم يُبلغوا بالأمر».

قال المسؤول، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته: إن المقاول «قام بزيارة غير رسمية للميناء منذ حوالي أربع سنوات، ولم يكن حينها موظفًا في الحكومة الأمريكية أو وزارة الخارجية». وأضاف أن الوزارة ليس لديها أي سجل يفيد بأن المقاول أبلغها بالنتائج التي توصل إليها حتى وقوع الانفجار المميت الأسبوع الماضي.

ودمر الانفجار الذي أحدث هزة زلزالية طفيفة عددًا من أحياء وسط بيروت، ودمر منازل، وأغلق ثلاث مستشفيات، وخلف وراءه شوارع تعج بالزجاج المهشم والأشجار المحطمة.

كما ألقى الانفجار بوطأته على الدبلوماسيين الغربيين، المقيمين في شقق شاهقة تطل على البحر الأبيض المتوسط ​​ في بيروت، وهو ما وضعهم مباشرة في مسار الانفجار.

وقالت وزارة الخارجية الهولندية: «إن زوجة السفير الهولندي في لبنان هيدويج والتمانس موليير توفيت متأثرة بجروح أصيبت بها في الانفجار أثناء وقوفها في غرفة معيشتها. كما قتل في الانفجار ضابط قنصلي ألماني لم يكشف عن اسمه».

وتحطمت نوافذ شقق عديد من الدبلوماسيين الآخرين من الدول الحليفة للولايات المتحدة وتضررت ممتلكاتهم. وتعرضت السفارتين البريطانية والفرنسية لأضرار، وتحطمت نوافذ المنزل الذي يعيش فيه السفير الفرنسي.

وعندما أبلغت صحيفة «نيويورك تايمز» الدبلوماسيين عن محتويات البرقية، أعرب البعض عن دهشتهم وغضبهم إذا كان لدى الولايات المتحدة معلومات عن الأمر، ولم يطلعوهم عليها.

وقال دبلوماسي غربي، شريطة عدم الكشف عن هويته، بالرغم من أن الانفجار دمر شقته: «إذا تأكد ذلك سيكون الأمر على أقل تقدير صادمًا للغاية».

الولايات المتحدة تتعلم من دروس الماضي

تشير الصحيفة إلى أن الولايات المتحدة هي إحدى القوى الغربية القليلة التي تقع سفارتها وقنصليتها ودبلوماسييها خارج بيروت. إذ يقع المجمع الدبلوماسي الأمريكي الخاضع لحراسة مشددة في بلدة عوكر الجبلية على بعد ثمانية أميال من العاصمة.

وفي حين يعيش العديد من الدبلوماسيين الأوروبيين في شقق بوسط بيروت، تضرر الكثير منها بشدة في الانفجار، تطلب الولايات المتحدة من جميع دبلوماسييها العيش في مجمع السفارة والالتزام بإجراءات أمنية صارمة عند مغادرته.

وفي هذا الصدد يذكر الكاتبان أن السفارة الأمريكية كانت موجودة في بيروت إلى أن نُقلت بعد وقوع عدة هجمات في الثمانينات، بما في ذلك انفجار عام 1983 الناجم عن تفجير سيارة مفخخة أدت إلى تفجير واجهة السفارة وقتل 17 أمريكيًا و46 آخرين. وصدرت البرقية الدبلوماسية، المُصنفة على أنها غير سرية، لكنها حساسة، عن سفارة الولايات المتحدة في لبنان يوم الجمعة.

وتدرج البرقية أولًا أسماء مسؤولين لبنانيين كانوا على دراية بوجود نترات الأمونيوم، وهو مركب يستخدم عادة في صناعة الأسمدة والقنابل، وصل إلى بيروت في عام 2013، وفُرّغ في مستودع بالميناء في العام التالي.

وتشير البرقية بعد ذلك إلى أن مستشارًا أمنيًا أمريكيًا تعاقد معه الجيش الأمريكي اكتشف المواد الكيميائية. وبموجب عقده مع الجيش الأمريكي، تولى المستشار مهمة تقديم النصح للبحرية اللبنانية من 2013 إلى 2016. وقالت البرقية: إن المستشار «نقل أنه أجرى عملية تفتيش على مرافق الميناء بشأن الإجراءات الأمنية، وأبلغ خلالها المسؤولين بموضوع التخزين غير الآمن لنترات الأمونيوم التي خُزنت منذ عام 2014».

وتقول الصحيفة: ليس من الواضح متى نقل المستشار المعلومات؛ لكن عددًا من المسؤولين الأمريكيين الحاليين والسابقين يقولون: «إن ذلك عادة ما يتم نقله على الفور إلى المسؤولين الأمريكيين في السفارة، أو وزارة الخارجية، أو البنتاجون».

وقال دبلوماسيون من الدول المتضررة من الانفجار إنه ربما لم يكن لدى للولايات المتحدة ما يمكن فعله لإجبار الحكومة اللبنانية على نقل المواد. كما طلب مسؤولو الموانئ اللبنانية مرارًا وتكرارًا نقل المادة الكيميائية، ولكن دون جدوى.

يُشار إلى أن نترات الأمونيوم مادة شديدة الانفجار تستخدم في صناعة الأسمدة كما أنها تحظى بتقدير كبير من المتشددين لاستخدامها في صناعة القنابل. وتسببت القنابل المصنوعة منها في وقوع بعض أسوأ الخسائر التي تكبدتها القوات الأمريكية في العراق وأفغانستان. إذ يكفي 100 رطل من نترات الأمونيوم لاختراق قافلة عسكرية، والتسبب في وقوع خسائر كبيرة.

كما أعربت البرقية عن شكها في التفسير الأولي للحكومة اللبنانية حول سبب اشتعال نترات الأمونيوم: أن حريقًا اندلع في مستودع مجاور مليئة بالألعاب النارية، ثم انتشر؛ مما تسبب في انفجار نترات الأمونيوم الذي دمر معظم بيروت.

وبدلًا عن ذلك تثير البرقية احتمال وجود ذخيرة مخزنة في الميناء؛ ما أدى إلى توفر القوة اللازمة لتفجير النترات. وتذكر البرقية أن سبب «الحريق الأولي لا يزال غير واضح: هل هي ألعاب نارية، أو ذخيرة، أو أي شيء آخر مخزّن بجوار نترات الأمونيوم».

محاولات أمريكية للزج بحزب الله في التفجير

طرح المسؤولون الأمريكيون فكرة أن مستودع ذخيرة ربما تسبب في الانفجار بعد أيام من إصرار المسؤولين اللبنانيين على نظرية الألعاب النارية وإصدارهم نفيًا متكررًا على (محاولة) إلقاء اللوم على وجود ذخيرة مخزنة بالقرب من الانفجار.

وخلال عطلة نهاية الأسبوع، قال وزير الدفاع مارك إسبر: إن الحكومة الأمريكية لا تزال غير متأكدة؛ مما تسبب في الحادث، وأنه ربما كانت «شحنة أسلحة تابعة لحزب الله هي التي انفجرت».

من جهته نفى زعيم حزب الله حسن نصر الله في خطاب ألقاه الأسبوع الماضي أن يكون لترسانته (عتاده العسكري) أي علاقة بالانفجار. وقال «أنفي نفيًا قاطعًا الادعاء بأن حزب الله لديه مخبأ أسلحة، أو ذخيرة، أو أي شيء آخر في الميناء».

وقال دبلوماسيون: إنه من المعروف أن حزب الله حريص على مخابئ أسلحته ومواده المتفجرة. وإذا كانوا يستخدمون نترات الأمونيوم في الميناء لأغراضهم الخاصة، فمن غير المعتاد تخزينها بهذا القدر من اللامبالاة.

وأضاف دبلوماسيون في بيروت ومسؤولون سابقون في البنتاجون والمخابرات الأمريكية إنه في الوقت الذي أحكم حزب الله قبضته على لبنان وسيطر على المطار والعديد من المعابر الحدودية إلى سوريا، يُعتقد أنه يستخدم الطرق البرية لتهريب الأسلحة، وليس ميناء بيروت.

غير أن مسؤولًا إسرائيليًا قال: «إن منطقة الميناء التي وقع فيها الانفجار مليئة بمنشآت حزب الله، بحسب تقييم استخباراتي إسرائيلي، بالرغم من أن إسرائيل ليس لديها دليل قاطع يربط حزب الله بمخزن نترات الأمونيوم».

وقال الرئيس اللبناني ميشال عون يوم الجمعة إن سبب الانفجار لم يتحدد بعد، لكنه أشار إلى «احتمال حدوث تدخل خارجي من خلال صاروخ، أو قنبلة، أو أي عمل آخر».

وأثار الرئيس الأمريكي ترامب، الأسبوع الماضي، احتمال أن يكون الانفجار ناتجًا عن هجوم، لكن العديد من مسؤولي الدفاع دحضوا هذا التأكيد لاحقًا.

ونظم المواطنون اللبنانيون الغاضبون من الانفجار احتجاجات ضخمة وطالبوا بإجراء تحقيق دولي، وهي الفكرة التي رفضها السيد عون، ووصف التحقيق الدولي بأنه «مضيعة للوقت».

وقال محللون إن المسؤولين اللبنانيين ربما يعرقلون تحقيقًا دوليًا لإخفاء مشكلات أكبر في الميناء الذي يسيطر عليه عدة جهات سياسية، بما في ذلك حزب الله.

وقال بريان كاتز، محلل سابق لوكالة المخابرات المركزية للشؤون العسكرية والإرهاب في الشرق الأوسط: «الحكومة اللبنانية لا تريد إجراء تحقيق دولي لأنها ربما لا تريد الكشف عن مدى عدم كفاءتها وفسادها». وأضاف «لكل طرف نصيب في الميناء يستخدمه لتهريب جميع أنواع الممنوعات، مثل الأسلحة، والسيارات، والأموال النقدية».

وتلاحظ سفارة الولايات المتحدة أن العديد من اللبنانيين لا يؤيدون إجراء حكومتهم للتحقيق بسبب عدم ثقتهم في النظام. وخلصت البرقية إلى أن الحكومة (في هذه الحالة) «ستجري تحقيقًا مع نفسها في الأساس».







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي