هكذا يفكر العقل الأمريكي بشأن الانسحاب العسكري من الشرق الأوسط

2020-08-11

يقدم "النموذج الجديد للشرق الأوسط"، الذي وضعه معهد "كوينسي"، والذي يدعو إلى وضع حد نهائي للسياسة الكارثية التي اتبعتها الولايات المتحدة في المنطقة منذ ما يقرب من عقدين من الزمن، أول تحليل متماسك لما هو خطأ في تلك السياسة، وأول إطار مفاهيمي لنهج مختلف جذريا.

علاوة على ذلك، توضح الورقة أن الوجود العسكري الأمريكي لا يزال جزءا أساسيا من المشكلة.

وكانت هذه الورقة، بالطبع، مخططا أوليا واسعا لمثل هذه السياسة البديلة في الشرق الأوسط، سيتبعه مخطط أكثر تفصيلا لسياسة جديدة.

لكن المعالجة المختصرة لفكرة الانسحاب العسكري لا توضح ما إذا كان القائمون عليها يعتزمون الدعوة إلى وضع حد نهائي للتمركز الدائم للقوات الأمريكية في المنطقة.

وتشير الورقة إلى "تخفيض" القوات وليس "الانسحاب" الكامل، وتقترح الفقرة قبل الأخيرة بدء مناقشات مع دول المنطقة التي تستضيف وجودا عسكريا أمريكيا "لتحديد جدول زمني للانسحاب بحكمة، وخطوط العلاقات المستمرة التي من شأنها السماح بعمل عسكري أمريكي في المستقبل، إذا لزم الأمر".

ولكن كما يوضح التقرير نفسه، لا يوجد سيناريو واقعي يمكن من خلاله لدولة إقليمية أو من خارج المنطقة أن تستخدم القوة العسكرية بنجاح للسيطرة على المنطقة خلال العقد المقبل، لأنه لا توجد دولة قريبة من امتلاك القدرة على القيام بذلك.

وليس لدى أي قوة إقليمية أو خارجية حافز لتعطيل تدفق النفط، أو لن يكون لديها، باستثناء الظروف الحالية التي منعت فيها الولايات المتحدة نفسها إيران من بيع نفطها في جميع أنحاء العالم.

ويبقى السيناريو الوحيد لمثل هذا الاضطراب هو تحرك إيراني يائس للضغط على الولايات المتحدة لرفع العقوبات، وسيكون هذا التحرك الإيراني مجرد انعكاس للموقف العدواني للولايات المتحدة نفسها وليس دليلا على أن دولة تسعى للتدخل في التدفق الحر للنفط.

وإذا لم يكن هناك سيناريو منطقي تتعرض فيه المنطقة لخطر الهيمنة أو الاضطراب من قبل قوة أخرى، فلا داعي للتوصل إلى مثل هذه الاتفاقات الجديدة مع الدول المضيفة.

ويقترح التقرير تأجيل الانسحاب الكامل من 5 إلى 10 أعوام لإتاحة "الوقت الكافي للحكومات الإقليمية لاتخاذ الإجراءات التي تراها ضرورية"، لكن هذه الدول قادرة على إجراء تعديلات سريعة في سياستها استجابة للتحول في السياسة الأمريكية.

علاوة على ذلك، يوجد سبب أكثر إلحاحا لتجنب مثل هذا التأخير؛ فالقوات والقواعد الأمريكية في المنطقة لا تزال في حالة طوارئ ويمكن أن تتعرض بسهولة للقصف بالصواريخ أو الطائرات بدون طيار الإيرانية في حالة نشوب حرب إسرائيلية إيرانية.

وبالفعل يعترف التقرير بذلك، مشيرا إلى أن "الوجود العسكري الدائم يصبح هدفا لهجمات غير متكافئة ويزيد من فرصة الاشتباكات غير المقصودة مع القوات العسكرية الأجنبية".

ويمنح الوجود العسكري الأمريكي كلا من إيران و(إسرائيل) خيارات حاسمة لاستراتيجيات كل منهما في الأزمة الجارية، وتأمل إيران في ردع تورط الولايات المتحدة في حرب تبدأها (إسرائيل)، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" يأمل في أن يؤدي هجوم إيراني على هدف أمريكي ردا على هجوم إسرائيلي إلى إجبار الرئيس الأمريكي على الانخراط في الحرب.

لكن لا تقتصر أهمية الانسحاب العسكري الأمريكي السريع على تأثيره على السياسات الإقليمية، وبنفس القدر أو حتى أهم، تأثيره على سياسة الولايات المتحدة في المنطقة.

وخلال الفترة الانتقالية الممتدة من 5 إلى 10 أعوام، ستستمر الأصول العسكرية الأمريكية في المنطقة، وخاصة الطائرات والقوات البحرية، في تقديم خيارات عسكرية قد يميل بعض كبار مسؤولي الأمن القومي الطموحين أو التحالف البيروقراطي إلى اقتراحها لأسباب سياسية ضيقة.

وقد خلق توفر مثل هذه الخيارات لأعوام عديدة حافزا للمسؤولين الأمريكيين لاستخدام القوة لتعزيز أجنداتهم الشخصية في المنطقة.

وعندما كان يحاول الضغط على النظام السوري للتفاوض على تسوية سياسية مع المعارضة المسلحة من 2013 إلى أوائل 2015، سعى وزير الخارجية آنذاك "جون كيري" مرارا وتكرارا إلى شن ضربات بصواريخ كروز على القوات الجوية السورية، وهو ما رفضه الرئيس "باراك أوباما" مرارا وتكرارا.

وفي سبتمبر/أيلول 2016، كاد الحافز لاستخدام القوة أن يؤدي إلى عواقب أكثر خطورة حين أمر مركز العمليات الجوية المشتركة للقيادة المركزية للقوات الجوية الأمريكية في قاعدة "العديد" الجوية في قطر بضربة جوية أسفرت عن مقتل العشرات من جنود النظام السوري في دير الزور.

وقيل إن قرار الغارة الجوية كان خطأ، لكن لم يكن سرا أن وزير الدفاع "آشتون كارتر" عارض بشدة وقف إطلاق النار، ووجد تحقيق في القصف مخالفات تشير إلى أنه لم يكن عرضيا.

علاوة على ذلك، فإن أي تردد للولايات المتحدة بشأن الانسحاب من قواعدها في دول الخليج من شأنه أن يطيل من مشكلة خطيرة في السياسة تجاه المنطقة؛ فبسبب المصالح الأمريكية المتمثلة في الحفاظ على وصولها إلى القواعد، أصبح للدول المضيفة نفوذ سياسي تركها حرة في اتباع سياسات تتعارض بشكل واضح مع المصالح الأمريكية الأساسية فيما يتعلق بقمع المطالب الشعبية ودعم الإرهاب.

وفي عام 2011، أدانت إدارة "أوباما" في البداية القمع الوحشي لاحتجاجات الشيعة البحرينيين المطالبين بتمثيل عادل في الهيئة التشريعية الوليدة للحكومة الملكية.

ولكن، كما كتب "روبرت جيتس"، الذي كان وزير دفاع "أوباما" في ذلك الوقت، في مذكراته، تراجعت إدارة "أوباما" سريعا بعد أن أوضح السعوديون أن الولايات المتحدة ستفقد وصولها إلى القاعدة البحرية في المنامة.

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي