كيف سيطرت عصابات القرود على شوارع تايلاند؟

مصدر: These Monkeys Were Once Revered. Now They Are Taking Over.
2020-07-29

كانت القرود في محافظة لوبوري التايلاندية يومًا ما، عامل جذب للسياح والزائرين للأماكن المقدسة، الذين كانوا يمدون أيديهم إليها بالطعام. ولكن مع قلة الزائرين الجدد، باتت القرود جائعة وأصبحت عدوانية.

نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية تقريرًا لمراسلتها، هانا بيتش، مديرة مكتب جنوب شرق آسيا في العاصمة التايلاندية بانكوك، تناولت فيه أحوال القرود في محافظة لوبوري الواقعة على الجانب الشرقي من وادي شاو فرايا بين نهر لوبوري ونهر فا ساك اللذين يشكلان 30% من مساحتها.

وفي بداية التقرير، الذي ساهمت في إعداده موكتيتا سوهارتونو، تُصوِّر المراسلة مشهد انتظار العملاء خارج أحد البنوك في محافظة لوبوري التايلاندية، وقد تركوا مجوهراتهم في منازلهم وأخفوا ثرواتهم الأخرى بعيدًا عن الأنظار. لكن الخطر يتربص بهم على كل حال.

في وضح النهار، شاهدوا لصًّا (قردًا) يسرق شايًا مثلجًا، ومُخرِّبًا (قردًا أيضًا) ينقضُّ بكل تبجح على مقعد دراجة نارية. فيما تركت امرأة مكانها في طابور الانتظار، خوفًا من أن يعضها القرد الذي تسلل إليها. وجاء ضابط شرطةٍ وهو يتنهَّد ملوحًا بمقلاعٍ في يده، فتفرقت القرود وذهبت بعيدًا. لكن بعد أقل من دقيقة واحدة، عادت أدراجها مرة أخرى.

مدينة تحت الحصار

ولفت التقرير إلى أن لوبوري كانت ذات يوم عاصمة لمملكة سيامية وموطنًا للهندسة المعمارية القديمة، لكنها الآن مدينة تحت الحصار. إذ تدفقت قرود المكاك، آكلة السلطعون؛ وهي نوع من قرود جنوب شرق آسيا ذات عيون ثاقبة النظر وطبيعة فضولية، مثل سيلٍ عرِم من المعابد التي كانت تنعم فيها يومًا ما بالتقدير والتبجيل، لتسيطر الآن على قلب المدينة القديمة.

وأدى تزايد أعدادها، التي لا تقل عن 8.400 قرد في المنطقة مع تركز معظمها في عدد قليل من المربعات السكنية، إلى تدمير أجزاء من الاقتصاد المحلي. ونظرًا إلى وجود قُطْعَان محلية من قرود المكاك تتجول في الحي، اضطرت عشرات الأعمال التجارية – بما في ذلك مدرسة للموسيقى، ومتجر للذهب، ومحل للحلاقة، ومتجر لبيع الهواتف المحمولة، ودار سينما – إلى الإغلاق في السنوات الأخيرة.

زادت جائحة فيروس كورونا من هذه الفوضى. إذ كانت القرود التي ترقص فرحًا عند تقديم الطعام لها تستحوذ على اهتمام أعداد كبيرة من السياح والمؤمنين البوذيين، الذين يعتقدون أن إطعام الحيوانات نوع من الأعمال الصالحة التي يأخذون عليها الأجر والثواب. وتشمل القرابين المفضلة لدى القرود زبادي جوز الهند، وصودا الفراولة، وحزم الوجبات الخفيفة ذات الألوان الزاهية. لكن الآن، لا تفهم قرود المكاك أين ذهب مصدر رزقها وباتت تتضور جوعًا.

وأضاف التقرير أنه بمرور السنين، انتقلت القرود إلى المباني المهجورة، وحطَّمت صناديق العرض وخَلَعت القضبان والحواجز المثبتة لإبعادها ومنعها من الدخول. وإذا لم يكن هناك حراس أمن يقظون، تحطِّم القرود أسلاك الهوائي وماسحات الزجاج الأمامي في السيارات المتوقفة.

ولا تستطيع القرود مقاومة الأقراط المتدلية، والنظارات الشمسية، والأكياس البلاستيكية التي تبدو وكأنها قد تحتوي على طعام، ولذا تهجم عليها. وفي مناطق المدينة المكتظة بهذه الحيوانات، يعيش عديد من السكان في خوفٍ من الهجوم الناجم عن التسلل القادم للقرود.

واستدركت المراسلة قائلةً: لكن في ثقافة المناطق ذات الأغلبية البوذية، يثير إعدام القرود حساسيات روحية؛ ولذلك لا يتوفر للمسؤولين المحليين والسكان سوى خيارات قليلة لصد عصابات قرود المكاك. وإلى جانب ذلك، جذبت القرود السياح في الماضي إلى لوبوري، وقد تشتد معاناة الاقتصاد بدونها.

في متجر لبيع المعدات على الجانب الآخر من الشارع من أنقاض معبد هندوسي يعود تاريخه إلى القرن الثالث عشر، توجد تماثيل محشوة كبيرة الحجم على شكل حيوانات كالتمساح والنمر أمام المتجر في الشارع؛ حيث تتحرك القرود بأعداد أكبر من أعداد المشاة. وكان الهدف من هذه التماثيل المحشوة تخويف القرود لئلا تقترب من المتجر، وقد نجح هذا الأمر لبضعة أشهر.

تقول يوبا سريسوانجان، صاحبة المتجر، لكن سرعان ما اكتشفت قرود المكاك أنها غير حقيقية. وتضيف السيدة يوبا: «لم تكن الأحوال بهذا القدر من السوء فيما مضى»، إذ كان هناك قرد صغير من قرود المكاك يتجول داخل متجرها، ويريد أن يصل إلى حلقات الخرطوم المطاطية المتدلية من السقف ليمضغها بفمه. «نحن لسنا ضد القرود، ولكن تصعب الأمور عندما يخاف الناس من التعرض للعض عندما يأتون إلى متجرنا».

وتوضح السيدة يوبا، البالغة من العمر 70 سنة، أنها عندما كانت طفلة صغيرة، كانت أعداد القرود أقل، وكانت أكبر حجمًا وأكثر صحة، وكان فروها لامعًا وسميكًا. وكانت تلتجئ إلى المعابد، بالإضافة إلى أنقاض الحضارة الخميرية القديمة التي كانت تسيطر على هذا الجزء من وسط تايلاند يومًا ما.

ماذا حدث؟

تقول المراسلة: ولكن مع تدفق الزائرين المفتونين بالقرود، وبعضهم من الأجانب، وصل إلى القرود نوع من الطعام السهل وغير الصحي في كثير من الأحيان. وإلى جانب الموز والحمضيات، أصبحت قرود المكاك تتغذى على القمامة. ولذلك، أصبح الفراء أقل سُمْكًا وأصاب الصلع بعض القرود. ونظرًا إلى عدم القلق بشأن الوجبات التالية (بسبب توفُّر الطعام المُقدَّم من الزائرين)، كان لدى القرود، التي يمكن أن تلد مرتين في العام، مزيد من الوقت للمهام الأخرى؛ وزادت أعدادها على نحو كبير.

يقول نارونجبورن دوددم، مدير مكتب إقليمي تابع لإدارة الحفاظ على الحياة البرية: بالمقارنة مع القرود التي تعيش في الغابة، نجد أن لدى القرود التي تعيش في الحضر عضلات أقل قوة، وهم أكثر عرضة للإصابة بارتفاع ضغط الدم وأمراض الدم. ويضيف: «القرود لا تجوع أبدًا، تمامًا كالأطفال الذين يأكلون كثيرًا من وجبات دجاج كنتاكي».

وبعد تزايد أعداد القرود التي تتحرك في الشارع مؤخرًا، جلس ضابط الشرطة نيراد فولونجيون إلى جانب عمود إنارة في منطقة المدينة القديمة في لوبوري، وأبقى مقلاعه في وضع الاستعداد. وقد تمركز في هذا الشارع لمدة خمس سنوات وراقب بقلق أعداد القرود وهي تتزايد.

توقفت شاحنة مسطحة، من المفترض أنها من خارج المدينة، إلى جانب عمود الإنارة، وكانت مُحمَّلة بصناديق الفاكهة التي تُباع في السوق. ورصد قرد محصول الفاكهة، واخترق حركة المرور ببراعة، وقفز على الشاحنة ووقف على ظهرها يأكل فاكهة التنين الغضَّة الطريَّة. وجذب هذا المكاك المستكشف عشرات آخرين. وبعدما تحوَّلت إشارات المرور إلى اللون الأخضر، هجمت القرود على الشاحنة وأُفرِغت الصناديق وبدأ الالتهام.

وفي أثناء تلك الفوضى، كان السيد نيراد رافعًا مقلاعه في وضع الاستعداد، ولكن لم يكن أمام ضابط الشرطة حلول كثيرة يمكن أن يفعلها لصد قرود المكاك الكثيرة. وكان تكتيكه القتالي يتلخص في تمثيلية مصطنعة على أي حال؛ لأن المقلاع لم يكن يحتوي على أي مقذوف. يقول: «إنها حالة ميئوس منها؛ ففي غمضة عين ظهر المزيد من القرود، ونتج منهم كثير من صغار القرود».

القرود ذكية

وأوضحت المراسلة أن مسؤولي الحياة البرية المحليين بدأوا في إخصاء القرود جماعيًّا (لتصبح عقيمة) للسيطرة على أعدادها. وخضع أكثر من 300 حيوان لعملية جراحية الشهر الماضي، وسيتم إخصاء 200 حيوان آخر في أغسطس (آب).

يقول السيد نارونجبورن، مسؤول الحياة البرية، إن الإمساك بالقرود لإجراء العمليات مهمة ليست بالهيِّنة. في اليوم الأول من حملة يونيو (حزيران)، ارتدى المضطلعون بمهمة الإمساك بالقرود زيًّا مموهًا وأغووا القرود لتدخل إلى أقفاص مزودة بالطعام. ولكن في اليوم الثاني، فهمت القرود اللعبة وتجنبت الدخول إلى الأقفاص. وكان على ماسكي القرود التحول إلى ارتداء سراويل قصيرة وقمصان مُشجَّرة، للتظاهر بأنهم مصطافون. يقول السيد نارونجبورن: «القرود ذكية؛ إنها تتذكر ما يجري أمامها».

ونظرًا إلى أن فيروس كورونا كان سببًا في إثناء عديد من السياح والزائرين للأماكن البوذية المقدسة عن زيارة لوبوري، اعتاد السكان المحليون على إطعام القرود بأنفسهم. يقول إتيفات تانزيتيكولفاتي، مالك فندق موانج ثونج، «لا يمكن أن نتركها تجوع».

وفي مطلع كل يوم، تذهب قردة كبيرة في السن إلى فندقه، وتنتظر في أدب أن تُقدَّم لها وجبتها. والوجبة عبارة عن كعكة الموز، وهي الوجبة المفضلة لديها، لكن لا مانع من تقديم الفاكهة العادية أيضًا. يقول السيد إتيفات: «منذ وقت طويل، كانت الغابات تغطي معظم أنحاء لوبوري، لذا تظن القرود أننا أخذنا منهم أرضهم وديارهم».

علينا أن نتكيف معهم

وأشار التقرير إلى أن السيد إتيفات، مالك فندق من الجيل الثالث، ترك الدور العلوي للقرود، التي دمرته بحماسة المشاركين في حفلة للسكارى، وحطمت الألواح الخشبية ودمرت المعادن المموجة.

وكان هناك سياج كهربائي يحمي الطابق الأرضي من الفندق. ولكن حتى قبل تفشي فيروس كورونا، كان كثير من الزوار المسافرين بغرض الأعمال، يخافون من القرود التي يمكن أن تهاجمهم. ونجا فندقه بصعوبة. يقول: «لقد انتهى التوازن بين البشر والقرود في الفندق. إنه يضر مشروعي التجاري».

وبجوار الفندق، يدير باتيفان تانتيوونج متجرًا عامًا في الشارع الرئيسي في لوبوري. استسلم الرجل لقرود المكاك. وجلس رجل ممتلئ الجسم على أكياس طعام الكلاب، يحتسي مشروب الزبادي.

واحتشدت مجموعة من الأطفال عند منضدة المتجر ينتظرون توزيع هدايا البسكويت. وكانت القرود منتشرة بين أكوام البطاريات والمصابيح الكهربائية. وصرخ الأطفال ولعبوا شكلًا من لعبة بيكابو (الاختفاء) الخاصة بقرود المكاك.

واختتمت المراسلة تقريرها بقول السيد باتيفان، بينما كان قرد صغير يجذبه من حافة بنطاله طلبًا للطعام: «كانت القرود هنا قبلنا. وعلينا أن نتكيف معهم، وليس العكس».







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي