20 مسلحا و8 رصاصات في 5 دقائق لاغتيال أبو جهاد.. كتاب إسرائيلي يكشف كواليس الاغتيالات الإسرائيلية

2020-07-26

يصف كتاب "سيريت ماتكال" جانبا من العمليات التي كانت تنفذها وحدة استطلاع هيئة الأركان العامة الإسرائيلية التابعة لجيش الاحتلال، وألفه اثنان من مقاتلي الوحدة هما الضابط أفنير شور الذي كان مقاتلا في فريق "إيتامار"، وأفيرام هاليفي الذي شغل منصب نائب قائد الوحدة.

ويسرد الكتاب الذي صدر في يونيو/حزيران 2020 عن دار النشر "يديعوت للكتب" وجاء في 320 صفحة، العمليات السرية التي نفذتها الوحدة فيما وراء البحار، والتحديات التي واجهتها خلال تنفيذ العمليات، وفقا لما سمحت بنشره والكشف عنه الرقابة العسكرية الإسرائيلية.

الكتاب أشبه بفيلم وثائقي عن هذه الوحدة التي تعتبر العصب الأساس للحفاظ على الأمن القومي الإسرائيلي، وهو مكتوب بأسلوب مثير، بيد أنه عندما يتحدث عن العمليات الاستخباراتية لوحدة "سيريت ماتكال"، فإن الواقع يفوق كل الخيال.

يستعرض الكتاب العمليات من وجهة نظر "إنسانية وشخصية" للمؤلفين، من خلال تسليط الضوء على العلاقات الشخصية بين أفراد وعناصر الوحدة وتحديدا خلال تنفيذ المهام، وكيفية مواجهة المخاوف والتعامل مع حالات القلق، إلى جانب ما وصف بـ"الأعمال البطولية والعروض النادرة للشجاعة".

ما يدور في ذهن عناصر الوحدة

يبدأ شور وهاليفي بمقدمة لفصول الكتاب حول ما يدور في مخيلة عناصر الوحدة خلال تنفيذ العمليات الاستخباراتية، وبماذا يفكر عناصر الوحدة عند اقتحام غرفة يحتجز بها عشرات الأطفال كرهائن؟ ولا يعرف المقاتل بالوحدة إن كان سيخرج من هناك حيا أم لا؟ وكيف يشعر المقاتل عندما يجلس في طائرة مروحية في طريقه إلى "دولة معادية" لخطف رئيس منظمة "إرهابية" مسلحة؟ وكيف يتعامل مع حقيقة أنه لن يتمكن أبدا من سرد أو الإفصاح عما فعله حتى لأحفاده؟

يروي الكتاب بترتيب زمني قصة جميع العمليات "الصاخبة" للوحدة، أو العمليات القتالية على مدى ٣ عقود ونصف، ودأب المؤلفان على وصف الأعمال والأحداث الدرامية الكبيرة وحتى القصص والتفاصيل الصغيرة كما لم يتم سردها من قبل، ويبدو من خلال الكتاب أن الشخص الذي لم يكن في مثل هذا الوضع لن يكون قادرا أبدا على فهم الخوف الرهيب والقلق المرتبطين به.

ويستعرض الكتاب الأحداث والعمليات السرية من خلال عيون المؤلفين التي شاهدت كل شيء تقريبا، وعاشت سرعة خفقان القلب خلال التنفيذ وحالات الخوف والقلق، واستنشقت رائحة الغبار المحترق جراء العمليات، وسمعت صوت الرصاص، ورأت تصبب العرق والدموع ومشاهد الدماء.

كواليس الاغتيالات

واستحضر الكتاب جزءا من تفاصيل وكواليس اختطاف ٥ ضباط سوريين في لبنان عام 1972، وعملية "عنتيبي" بأوغندا عام 1976، وما سبقها من كواليس تحرير طائرة "سابينا" البلجيكية الرحلة 571 المختطفة في مطار اللد عام 1972، وتصفية ٧ من منفذي عملية فندق "سافوي" في تل أبيب عام 1975 التي أتت ردا على عملية "ربيع الشباب" في لبنان عام 1973، وجرى خلالها اغتيال قياديين بارزين في منظمة التحرير الفلسطينية وهم يوسف النجار وكمال ناصر وكمال عدوان.

كما انتقل المؤلفان إلى تفاصيل تصفية منفذو عملية "مسغاف عام" في الجليل الأعلى شمالي فلسطين عام 1980، وتحرير عشرات الرهائن اليهود، وعملية اغتيال الشهيد خليل الوزير أبو جهاد في منزله بتونس عام 1988، واختطاف الشيخ عبد الكريم عبيد من منزله في جنوب لبنان عام 1989.

ومن خلال القصص والتفاصيل للعمليات الاستخباراتية والعسكرية السرية التي تتمحور حول الاغتيالات أو الاختطافات، يتم التطرق إلى المقاتلين الذين جعلوا من هيئة الأركان العامة "سيريت ماتكال" رمزا للجرأة والكرامة والشجاعة بأوساط اليهود، وإلى كبار الضباط والقادة بالوحدة، الذين أصبح بعضهم شخصيات رئيسية في السياسة الإسرائيلية.

انخرطت الوحدة وفقا لشور وهاليفي، في نوعين من الأنشطة التي تتعارض تماما مع بعضها، أو على الأقل متناقضة في طبيعتها، ولا تزال تشارك فيها؛ الأول الاستخباراتي، الذي لن تنشر عملياته أبدا وستبقى طي الكتمان، وهو نموذج يتصف بالإعداد الدقيق على مدى فترات زمنية طويلة جدا، لأي سيناريو محتمل أو مستحيل، في حسابات معقدة لكل مقاتل بالوحدة.

أما النشاط الثاني، الذي ورد وصفه في الكتاب، فهو في معظمه يتعلق بعمليات الاغتيالات وإطلاق سراح الرهائن، أو أي نشاط قتالي آخر في جميع أنحاء العالم، وفي عملية إنقاذ الرهائن، يقول المؤلفان فإن "عنصر الوقت يعد أمرا بالغ الأهمية، لذا يجب أن يكون التحضير لمثل هذا الإجراء سريعا جدا بعيدا عن الإجراءات الطويلة والبيروقراطية".

وعليه، فإن المقاتل في الوحدة وفقا للمؤلفين "هو في الأساس مقاتلان داخل جسد واحد؛ أحدهما مدرب منذ يوم التجنيد للقيام باستعدادات لا نهاية لها تقريبا لأي عملية، والآخر يجب أن يتعلم إعداد نفسه في غضون دقائق للعمل لتنفيذ مهام وعمليات غير متوقعة". ولكن هناك أيضا عنصر واحد مشترك بين هذين النوعين من الإجراءات "الإبداع والتفكير خارج الصندوق".

اغتيال أبو جهاد

خص الجزء الأول من الكتاب عملية اغتيال الوحدة للشهيد خليل الوزير أبو جهاد في أبريل/نيسان 1988 في منزله بتونس، ويصف سنوات من التحضير الاستخباراتي والتدريبات التي سبقت تنفيذ العملية بمشاركة العشرات من عناصر الوحدة والاستخبارات الذين كانوا على متن سفينة قبالة شواطئ تونس.

يسرد لحظة الوصول إلى تونس عبر البحر والنزول إلى الشاطئ والتجول قبالة منزل أبو جهاد عند الساعة الثانية فجرا، فذاك المقاتل ويدعى "ناحوم" يحمل بيده صندوق الهدايا وبداخله بندقية قصيرة والمسدس الكاتم للصوت الذي نفذ عملية اغتيال حارس منزل أبو جهاد.

كان المقاتل "يوحيى" المتخفي بزي امرأة يوفر له الدعم والدرع الواقي ويتعقب عن بعد "ناحوم"، علما أن مجموعة من عناصر "الموساد" مكثت في تونس لدعم الوحدة بتنفيذ العملية، وأبلغوهم أن أبو جهاد موجود في منزله لكن ربما سيغادره عند الساعة الثالثة فجرا.

 كتاب "سيريت ماتكال" يصف بعيون ضباط جانبا من العمليات التي نفذتها وحدات من الجيش الإسرائيلي

تدرج "ناحوم" قبالة منزل أبو جهاد وبيده منشور سياحي عن أحد الفنادق في تونس، وكانت الخطة أن يستدرج حارس منزل أبو جهاد، حيث مكث الحارس داخل سيارته، إذ رصد مقاتل الوحدة المتخفي وتعقب الأوضاع والتحركات في ساحة المنزل ومداخله، ومكنته الإضاءة بحديقة المنزل من تعقب واكتشاف ما يحدث، ودلته على باب المنزل الرئيسي.

بعد أن تأكد "ناحوم" أن الطريق سالكة إلى منزل أبو جهاد توجه صوب السيارة التي جلس بها الحارس وتعمد التوجه من شباك المقعد بجوار السائق وطرق الزجاج حاملا المنشور السياحي، سائلا "أين هذا الفندق؟"، وعند خروج الحارس من السيارة أطلق ناحوم 3 رصاصات صوب رأسه وأرداه قتيلا.

ينظر "ناحوم" ومن حوله صمت قاتل في الحي الذي سكنه مجموعة من الدبلوماسيين الأجانب، وإلى جانب منزل أبو جهاد كان منزل محمود عباس ومنزل هيال عبد الحميد أبو الهول والعديد من قيادات منظمة التحرير الفلسطينية.

ثم من زاوية عينه، يرى "ناحوم" أن "يوحيى" الذي كان يوفر له الحماية عن بعد يشير بإبهام منتصب إلى موشيه يعالون، قائد الوحدة والعملية، للتقدم بالقوة نحو المنزل، ليدخل "ناحوم" مسلحا ببندقية أخرى كانت بصندوق الهدايا مع عناصر الوحدة إلى المنزل لتنفيذ عملية اغتيال أبو جهاد.

يشرف "ناحوم" على تأمين وحراسة عناصر الوحدة ليخلف حارس المنزل الذي قام بتصفيته، وفجأة يقترب شاب بكوفية إلى منزل أبو جهاد، يتوجه إليه "ناحوم" بالبندقية ويرديه قتيلا رغم أن الشاب قد هم بالهرب من المكان.

5 دقائق و8 رصاصات

النجاح بتصفية الحارس أعطى الضوء الأخضر لمقاتلي وحدة "سيريت ماتكال" البدء بتنفيذ عملية اغتيال أبو جهاد في عملية كان عنصر الوقت هو الحاسم، 5 دقائق استغرق اغتيال أبو جهاد عبر 8 رصاصات اخترقت القسم العلوي من جسده.

وفي إشارة عبر اتصالات اللاسلكي من قائد الوحدة يعالون يدخل الفريق الذي أشرف على عملية اغتيال أبو جهاد بقيادة المقاتل "يوفال" الذي تقدم مع 3 من المقاتلين واقتحموا الباب الرئيسي لمنزل أبو جهاد، وهناك سيطروا على الطابق الأول الذي كان مظلما وخاليا من البشر، والطابق الذي تحت الأرض حيث تم تصفية الحارس الذي كان بالقبو.

 الكتاب استعرض عمليات الاغتيال العابرة للحدود التي قامت بها وحدات من الجيش الإسرائيلي 

بعد ذلك يطلب المقاتل المتخفي بزي امرأة من قائد الوحدة يعالون بأن يقتحم مع مجموعته منزل أبو جهاد بعد أن نفذت المرحلة الأولى من العملية بنجاح، وعليه ينضم إلى فريق الاغتيال داخل المنزل فريق آخر من عناصر الوحدة وعددهم ٦ مقاتلين بقيادة الملقب "ح"، الذي صعد مع المقاتلين إلى الطابق الثاني، حيث من المفروض أن يوجد أبو جهاد، وسمع فريق الاغتيال أصوات تجهيز الرصاص من مسدس.

انتشر فريق الاغتيال في الطابق الثاني، وشاهد قائد الفريق "ح" الذي توجه إلى جهة اليمين على بعد 4 أمتار أبو جهاد يشهر مسدسه وبجانبه زوجته التي شاهدت اختراق ثماني رصاصات القسم العلوي لجسد زوجها، وتسبب الرصاص بسقوطه ليغرق بدمائه قرب غرفة نومهما.

في اللحظة ذاتها يصل إلى الطابق الثاني قائد الوحدة يعالون الذي أشرف على تنفيذ عملية الاغتيال، ويطلب من قائد فريق الاغتيال (ح) تفقد المكان وغرفة نوم أبو جهاد وزوجته.

يصل ناثان المقاتل الثالث في فريق الاغتيال إلى الجانب الآخر من الممر، ممسكا بابنة أبو جهاد البالغة من العمر ٨ سنوات، وعيناها تدمعان ومرعوبة، ليعلن يعالون أن الوقت قد حان لإخلاء المنزل.

وبينما يهرع قائد فريق الاغتيال "ح" ورجاله إلى أسفل الدرج، يقوم يعالون والمقاتل "يوفال" بجمع المستندات بسرعة من غرفة أبو جهاد، ويركضون بعدها صوب السيارات التي كانت بانتظار فريق الاغتيال قبالة المنزل.

وقبل السفر صوب شاطئ البحر، يحصي يعالون عدد فريق الاغتيال بالسيارتين، وعندما يتأكد من عددهم وهو 20 مقاتلا، يعطي الأوامر لترك المكان صوب شاطئ البحر، ليغادروا تونس دون ترك أي آثار تدل على ضلوع إسرائيل بعملية الاغتيال.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي