كيف يُشكِّل «تيك توك» الخطاب السياسي بين الشباب؟

مصدر: TikTok Is Shaping Politics. But How?
2020-07-10

من «ميوزيكلي» إلى «تيك توك»؛ كيف تطوَّر تعبير المستخدمين عن مواقفهم السياسية عبر التطبيقات الاجتماعية؟ ثلاثة باحثين يشرحون ما يحدث في هذا العالم.

نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية تقريرًا لمراسلها جون هيرمان، المعني بشؤون التكنولوجيا ووسائل الإعلام، حول شبكة «تيك توك» الاجتماعية الصينية، وكيفية تأثيرها على السياسة.

في بداية تقريره، يقول المراسل: كون تيك توك منصة يغني فيها ملايين الشباب الأمريكيين ويرقصون ويستكشفون هوياتهم أمام الجمهور، أصبح هذا التطبيق مسرحًا بارزًا لصياغة الأيديولوجيا والنشاط السياسي والتصيد.

وعلى الرغم من إحجام الشركة الأم (بايت دانس) عن الانخراط في السياسة – لا تسمح الخدمة بالإعلانات السياسية – جذبت المنصة اهتمام الحملات السياسية. كما يوفر التطبيق مساحة تتيح للناس الاحتشاد والتحرك بسرعة.

هل ينقذ مراهقو «تيك توك» العالم؟

على سبيل المثال، كان تيك توك وسيلة مفيدة في تنظيم حملة تسجيل جماعية مزيفة قبل تجمع انتخابي لترامب في مدينة تولسا بولاية أوكلاهوما، حيث كان العديد من المقاعد شاغرًا.

ومنحت المنصة زخمًا هائلًا للمقاطع التي تظهر وحشية الشرطة، وكذلك المشاهد والتعليقات الخاصة باحتجاجات حياة السود مهمة (Black Lives Matter) حول العالم، من خلال صناعة مقاطع فيديو ومشاركتها على المنصة مرارًا وتكرارًا.

وهؤلاء الشباب يتمتعون بالسمة السمعية والبصرية المميزة والواسعة الانتشار لـ تيك توك: غالبًا ما تكون مربكة على نحو مرح، وخاضعة للتحرير بعناية، ومفعمة بالموسيقى. حتى أن كثيرين، بما في ذلك صحيفة نيويورك تايمز، ذهبوا إلى أن مراهقي تيك توك سينقذون العالم.

صورة مختلفة.. أكثر تعقيدًا

استدرك المراسل قائلًا: لكن الحقيقة أكثر تعقيدًا؛ إذ حلَّل فريق من الباحثين التعبير السياسي على تيك توك قبل أن يصبح التطبيق في شكله الذي نعرفه الآن. وفي حين أن الأشخاص الذين لا يستخدمون تيك توك قد يعتقدون أنه برز على المسرح السياسي فجأة إلى حد ما، وأنه يحتوي على شيء ما يمكن أن نُسمِّيه هوية سياسية جماعية، قدَّم البحث صورة مختلفة.

يصور البحث مجتمعًا متنوعًا ومنتشرًا وغير متحد تقريبًا، مكونًا من ملايين الشباب الذين يكتشفون قدرات تلك المنصة وحدودها، وهي مساحة فريدة وغريبة على الرغم من وجود أوجه تشابه عديدة بينها وبين أسلافها.

لتوضيح الصورة أكثر، أجرى المراسل حوارًا عبر رسائل البريد الإلكتروني مع إيوانا ليترات، أستاذة مساعدة في التواصل والإعلام في كلية المعلمين بجامعة كولومبيا، ونيتا كليجلر-فيلنشيك، أستاذة مساعدة في التواصل في الجامعة العبرية بالقدس، حول خصائص التعبير السياسي على تيك توك، ولماذا يبدو وكأنه ظاهرة جديدة.

فكرة أن تيك توك محرك للسياسات الشابة التقدمية تلقى بعض الرواج في أوساط الأشخاص الذين لا يستخدمون هذه المنصة. يتساءل المحرر: ما الذي قد يفاجأ غير المستخدمين للمنصة بوجوده على تيك توك؛ فيما يخص التعبير السياسي للشباب؟ هل هناك شيء يشبه الإجماع؟

التأرجح بين الـ«يوتوبيا» والـ«ديستوبيا»

لاحظت إيوانا ليترات هذا الاتجاه مؤخرًا، وليس على وسائل التواصل الاجتماعي القديمة مثل تويتر فحسب، ولكن أيضًا في الصحافة. ويدفع هذا في اتجاه مناقشات أكبر حول المواقف المدنية للشباب – وخاصة المواقف المدنية للشباب عبر الإنترنت – والتي تميل إلى التأرجح بين اليوتوبيا (المدينة الفاضلة) والديستوبيا (المجتمع الفاسد).

من ناحية، يلقى الشباب ترحيبًا باعتبارهم مستقبل الديمقراطية، الذين يجري التعبير السياسي على ألسنتهم بسهولة. مثل غريتا إيرنمان تونبرج – الناشطة السويدية في مجال المناخ – ومنظمة باركلاند يوث.

ولكن من ناحية أخرى، يشعر الناس بالقلق بشأن عدم ظهورهم في استطلاعات الرأي، أو وقوعهم ضحايا للتضليل، أو توقفهم عن الاهتمام بالصحف. وكل هذا صحيح؛ فالموقف هنا لا يرتبط بمفاصلة «إما / أو». وتقول نيتا كليجلر-فيلنشيك: يُعبَّر عن وجهات النظر المتطرفة، التي تتراوح من الديستوبيا إلى اليوتوبيا، ليس فيما يتعلق بالشباب فحسب، ولكن أيضًا فيما يتعلق بأي ظاهرة إعلامية مهمة وجديدة.

التقنيات الجديدة.. طوق النجاة أم سبب الهلاك؟

منذ وقت مبكر، حين شعر سقراط بالقلق من أن الكلمة المكتوبة ستقضي على الحكمة، كان يُعتقد أن كل تقنية جديدة إما أن تكون طوق نجاتنا (سيجمع الإنترنت الناس من جميع أنحاء العالم في مجتمع عالمي واحد!) أو سبب هلاكنا (الروبوتات ستجعلنا جميعًا عاطلين عن العمل!).

وهذه الاستمرارية مطمئنة تمامًا لـ نيتا كليجلر-فيلنشيك، لأنها توضح أن مخاوفنا وآمالنا ليست متعلقة كثيرًا بسمات التكنولوجيا الجديدة المحددة، بل هي مخاوف وآمال اجتماعية واسعة تلقي بظلالها على أي تقنية جديدة ولم يُفهم كنهها بعد. وبالنسبة لمعظم المعلِّقين البالغين، يعد تيك توك مجهولًا كبيرًا.

من حيث التعبير السياسي للشباب، تشير إيوانا ليترات إلى أنه بينما يوجد مجتمع ناشط ليبرالي ديناميكي ومؤثر على تيك توك، فهناك بالفعل الكثير من التعبير السياسي المحافظ، والأصوات المؤيدة لترامب، التي تجد بالتأكيد جمهورًا على المنصة.

النشاط الشبابي على تيك توك.. إجماع أم تشظّ؟

خلص البحث المبكر عن ميوزكلي، في أعقاب انتخابات 2016، إلى أن هذا كان صحيحًا، ولا يزال كذلك حتى اليوم على تيك توك، بينما تقترب انتخابات 2020. فعلى تطبيق تيك توك، توجد بيانات سياسية قوية، وجهود لتنظيم الناشطين. ويمكنك أن تجد الشباب وهم يحركون شفاههم بالتزامن مع خطاب لترامب أو أوباما (بجدية أو بسخرية).

ويوجد أيضًا كثير من المحتوى العنصري والجنسي، ونظريات المؤامرة والمعلومات الخاطئة، والأطفال وهم يستعرضون مجموعات من الأسلحة ويتظاهرون بأعلام الولايات الكونفدرالية. ومن الصعب الإشارة إلى ما نراه على المنصة بأنه إجماع. بدلًا من ذلك، تخلص الباحثة إلى أن تيك توك يُمكِّن الشباب من التعبير السياسي الجماعي، أي أنه يسمح لهم بالتواصل عن قصد بجمهور ذي تفكير يشبه تفكيرهم باستخدام موارد رمزية مشتركة.

وتقول نيتا كليجلر-فيلنشيك إن: الموارد الرمزية المشتركة قد تكون مادية (قبعات MAGA «اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى؛ شعار حملة الانتخابات الرئاسية في عام 2016 لدونالد ترامب») أو مرئية (القبضة المغلقة لحركة حياة السود مهمة) أو وسوم (#alllivesmatter). كما أن العناصر الخاصة بـ تيك توك مثل الرقصات الواسعة الانتشار والموسيقى التصويرية الشعبية وما إلى ذلك هي أيضًا موارد رمزية مشتركة تساعد على تسهيل عمليات التواصل وتؤكد على أهمية الجوانب الجماعية للتعبير السياسي للشباب.

هل هناك طرق جديدة يتجلى فيها الصراع السياسي على تيك توك؟

تجيب إيوانا ليترات: يوجد حوار سياسي متشابك قليل نسبيًا (أي عبر خطوط حزبية، مع خطوط أخرى غير متجانسة سياسيًّا). وعندما يحدث ذلك، فإنه لا يكون مثمرًا للغاية. ولا يزال النقاش يتسم بالاستقطاب الشديد، ويدور حول «نحن» مقابل «هم». لكن هناك شيء مميز جدًّا حول تيك توك فيما يتعلق بالتعبير السياسي، والحوار/الصراع السياسي، ألا وهو أن كل ذلك يخضع للتصفية من خلال هويات الشباب وتجاربهم الشخصية.

فالحوار السياسي على المنصة شخصي للغاية، وغالبًا ما يذكر الشباب هويات اجتماعية متنوعة، ترتبط مباشرةً بآرائهم السياسية. على سبيل المثال: سود، مكسيكيون، مجتمع الميم (مثلي، مزدوج، متحول، متحير)، أمريكي أحمر، ريفي. ناهيك عن أن الحوار السياسي على منصات وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى ليس شخصيًا، ولكن بعد إجراء تحليل مُقارَن، تقول الباحثة: إننا صدمنا حقًا كيف أن أهم وأبرز هويات الشباب موجودة على تيك توك.

إطلاق شرارة الحوار بين مختلف الأطراف

تعود دفة الحوار إلى نيتا كليجلر-فيلنشيك التي تقول: إذا عدنا إلى فكرة التعبير السياسي الجماعي، على أنها القدرة على التحدث إلى جمهور متشابه في التفكير من خلال الموارد الرمزية المشتركة، فإننا نرى أن هذا يوفر على الأقل إمكانية إجراء محادثة بين مختلف الآراء السياسية.

ولذلك، قد يفضل بعض المستخدمين وضع علامة على مقطع الفيديو الخاص بهم باستخدام وسم #bluelivesmatter والتحدث إلى جمهور معين. ولكن يمكنهم أيضًا اختيار وضع علامة على مقطع الفيديو الخاص بهم باستخدام وسم #blacklivesmatter، وبذلك يمكنهم الوصول إلى جمهور مختلف ذي وجهة نظر مختلفة.

وغالبًا ما يحدث ذلك على نحو ساخر، كمحاكاة ساخرة لآراء الآخرين (على سبيل المثال، مقطع فيديو وُضِعت عليه علامة #whitelivesmatter لشرح فكرة امتياز البيض)، ولكنه قد يكون أيضًا طريقة لإطلاق شرارة الحوار بين الطرفين.

شعور بالوعي والتضامن بين الأجيال

وأخيرًا، يسأل المراسل: إذا كنتِ تمكنت من تسجيل الدخول، فهل لاحظتِ شيئًا مفاجئًا بشأن تعبير الشباب على تيك توك حول حركة حياة السود مهمة والعنصرية والشرطة في الأسابيع القليلة الماضية؟

فتجيب إيوانا ليترات بأن الجوانب الجماعية للتعبير السياسي للشباب – والتي تتجسد، على سبيل المثال، في الأغاني التي يكثر استخدامها مثل أغنية «Childish Gambino’s «This Is America ​​- بارزة جدًّا في سياق التعبير المرتبط بحركة حياة السود مهمة على تيك توك.

وعلى غرار الوسوم، تعمل هذه الأغاني خيوط اتصال بين مقاطع الفيديو. وفي الوقت نفسه، هناك تنوع كبير من حيث الأسلوب وروح التعبير، من الغضب مرورًا بالسخافة إلى الفكاهة، ومن الأغاني الطائفية الدينية مرورًا بالأغاني الأصلية إلى لقطات الاحتجاجات وصولًا إلى المقابلات أو التاريخ الشفوي.

وهناك أيضًا شعور بالوعي والتضامن بين الأجيال، ويرتبط ذلك بمفهوم التعبير السياسي الجماعي. ففي مشاهد الاحتجاجات، ترى كثيرًا من التعليقات مثل «الجيل زد (الجيل الذي يلي جيل الألفية) سيغير العالم»، «جيلنا قوي للغاية»، «أحب جيلنا من أعماق قلبي»؛ وهو أمر مثير للاهتمام حقًا لأن الأجيال، وخاصة المصطلحات مثل الجيل زد أو جيل ألفا (الجيل الذي يلي جيل زد)، هي الطريقة التي يشير بها عادة غير المستخدمين (الأكاديميون والمعلقون والعلامات التجارية، وما إلى ذلك) لـ تيك يوك إلى الشباب. وقد يكون الشباب يستعيدون هذه المصطلحات للتأكيد على قوتهم، أو ربما تتسرب هذه الخطابات المجتمعية الأكبر إلى خطاب الشباب أيضًا.

صدى احتجاجات السود في أمريكا يصل إلى إسرائيل

أما نيتا كليغلر-فيلنشيك فتنظر إلى ما يحدث في الولايات المتحدة الآن من الخارج (تتواجد في إسرائيل)، وتقول: لقد أدهشني كيف يستخدم أشخاص من خارج الولايات المتحدة هذه الوسوم أيضًا لدعم حركة حياة السود مهمة وربطها أيضًا بالنماذج المحلية للعنصرية والاحتجاجات المناهضة للحكومة.

وتختم الحوار بالقول: ففي إسرائيل، أدَّت الاحتجاجات المتضامنة مع حركة حياة السود مهمة إلى اشتعال احتجاجات الإسرائيليين من أصل إثيوبي (يهود الفلاشا) الذين يعانون من التمييز العنصري ووحشية الشرطة. وهذا يدلل على كيف أن تيك توك يمكِّن الشباب من ربط رسالة سياسية شخصية بلحظة سياسية أوسع.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي