السينما الفلسطينية.. من الأفراد إلى المؤسسات

2020-07-10

سليم البيك/

المسائل المطروحة للنقاش حول السينما الفلسطينية لا تنتهي، وأقول إن لدينا سينما فلسطينية وليس أفلاماً وحسب، وهذا بذاته موضوع نقاش، لكن الكم والنوع يسمحان بذلك القول، أما الأهم في هذا السماح فهو تماثل الموضوعات، هو الهوية الموضوعاتية، ونوعاً ما البصرية، وكذلك الأسلوبية، إن أشرنا إلى إيليا سليمان وتأثيره أسلوبياً على آخرين.

الحديث عن سينما فلسطينية أكثر حذراً وأقل اطمئناناً، كمسألتَي الصناعة والتقنيات والاختصاصات، وصالات السينما وجمهورها، لكن لا يكتمل الحديث عن هذه السينما بدون التطرق إلى الجانب الفردي والمؤسساتي فيها.

تعتمد السينما الفلسطينية على أفراد، وهذا ما يحول دون أن تصل إلى مرحلة الصناعة، في غياب تام للسلطة الفلسطينية ووزارة الثقافة، بل وفي حالات تُذكر، يكون تأثيرها سلبياً ومعيقاً تجاه هذه السينما. تبقى المبادرات الفردية محدودة، تعتمد على صناع الأفلام، الذين يتشاركون كذلك إنتاج أفلامهم، منشغلين مع المنتجين بإيجاد تمويلات هنا وهناك، مع صعوباتها، واستحالتها عند «الفيلم الأول» لصانعه، خاصة إن كان من فلسطينيي الداخل، فيكون المرور بالتمويل الإسرائيلي «شراً لا بد منه».

في السنوات الأخيرة بدأت أحوال السينما الفلسطينية، من ناحية الصناعة والانتشار (كي لا أقول التوزيع) والإتاحة لجمهور فلسطيني، تتحسن مع دخولٍ مؤسساتي على الخط، بموازاة العمل الفردي، والحديث هنا عن ثلاث كتلٍ تكمل بعضها في طبيعة عمل ومجال كل منها: مؤسسة «فيلم لاب: فلسطين» المعنية بالجانب الصناعي والتقني في الأفلام وهو الأساس، وهي المنظمة لمهرجان «أيام فلسطين السينمائية» الذي صار، سريعاً، عموداً أساسياً في عمارة هذه السينما. و"مؤسسة الفيلم الفلسطيني" المعنية بإيصال هذه السينما إلى العالم، وشبك العلاقات بين الفاعلين في السينما الفلسطينية مع بعضهم بعضا، وبينهم وبين أسواق سينمائية عالمية. وكلية «دار الكلمة» في بيت لحم التي تسد نقصاً في الجانب التعليمي والأكاديمي لطلاب سينما، سيكونون جزءاً أساسياً من المشهد السينمائي الفلسطيني لاحقاً.

هذه المؤسسات الثلاث، وقد ظهرت في السنوات الأخيرة، كانت الناقل الأساسي لفكرة السينما الفلسطينية من العمل الفردي الطموح إلى الجماعي المنظم، وبالتالي إلى صناعة فيلمية لا تبدأ بدراسة السينما في أوروبا أو أمريكا، وتمر بمنتجين وتقنيين أجانب، وتنتهي بفيلم يأتي إلى مشاهده الفلسطيني جاهزاً كأي فيلم عربي أو أجنبي، هذا كان مسار أفلام بدايات «السينما الفلسطينية» (لنسميها كذلك تجاوزاً) بادئة مع ميشيل خليفي في مرحلة سينما المؤلف التالية لسينما «منظمة التحرير»، وهي نقلة نوعية في الشكل والمضمون حررت مفهوم «السينما الفلسطينية» من دمغتها السياسية/الثورية/التوثيقية / الدعائية.

صار ممكناً إذن أن تبدأ صناعة الفيلم الفلسطيني من فلسطين، بدون اضطرار للسفر خارجاً لا للتعلم ولا الصناعة، ليأتي هذا الفيلم إلى المشاهد الفلسطيني من محليته، ويخرج منها إلى العالم، وليس العكس.

تبقى مسائل عالقة في مفهوم «السينما الفلسطينية» اليوم أساسها مسألة التمويل، وهذه لا حل قريباً لها، لكنها أساسية لسبب أولي هو إمكانية تسجيل الفيلم في المهرجانات العالمية كفيلم بإنتاج فلسطيني (إضافة إلى جهات إنتاج أخرى)، وهنالك حالات عدة لم يكن يسيراً فيها على صانع الفيلم أن يسجله كفلسطيني، وهنالك حالات أعرفها كان الفيلم فيها بإنتاجات عدة، وسعى صانعها إلى مشاركة ولو ضئيلة لجهة فلسطينية (رسمية) كي يتمكن من إدخال اسم فلسطين، كجهة إنتاج مشاركة، فيكون الفيلم مسجلاً فلسطينياً بجهات إنتاج دولية عدة اعتدنا أن نرى أسماءها مجاورة لـ"بلد" الفيلم الفلسطيني.

لا رؤية واضحة لتمويلات فلسطينية مرتقَبة، هذا حالنا قبل الأزمات الاقتصادية والسياسية، التي تفاقمـــــت أخيراً لدى المؤسسات الفلسطينية الرسمية، المتسبب بها فيروس كورونا من جهة وخطط نتنياهو في الضم من جهة ثانية، فمع هذه وتلك صار الحديث عن بناء صندوق سينما فلسطيني (هنالك واحد لدى وزارة الثقافة لكن لا نسمع عنه شيئاً) احتمالاً يوتوبياً بعيييداااً.

هنالك مسألة أكثر أساسيةً من التمويل. لكنني هنا أذكر بوجود رؤوس أموال فلسطينية (أفراداً ومؤسسات) تستثمر في كل شيء سوى الثقافة والفنون، ومن يستثمر في الثقافة والفنون، ويبني صرحاً عظيماً شبه فارغ (لدينا اثنان منهما في فلسطين) لم يؤسس (بعد) صندوق سينما يهوّن على صناع الأفلام تلك الحلقة المعيقة والمؤجلة لإتمام صناعة الفيلم، وأعرف مخرجين تنتظر أفلامهم التمويل الأولي فقط، ليشرعوا في التصوير.

ليست السينما الفلسطينية، عموماً، في حال سيئة. فنحن أمام شعب تعداده 13 مليون موزعين داخل الوطن وخارجه (أكثر قليلاً من سكان محافظة القاهرة 10 ملايين) لهم هذا الحضور الدائم واللافت والحاصد في المهرجانات العالمية، وبمقارنة هذه الأرقام مع غيرها، تخص ذلك الحضور والحصاد، سيكون حال السينما الفلسطينية أفضل -كثيراً- من سينما يمكن أن نُقارَن بها، في الشرق الأوسط وشمال افريقيا مثلاً.

هذا التفاؤل ما يجعلنا نتخطى تلك الحلقات المعيقة لإتمام صناعة هذا الفيلم أو ذاك، إلى المسألة التي ذكرتُ بأنها أكثر أساسية من التمويل، وهي تشاؤمية، هي الكتابة/السيناريو/الحكاية، وهنا الحلقة الأضعف والخلل الأشد بنيوياً.

 

٭ كاتب فلسطيني ـ سوريا







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي