انحدروا من الشمال وحكموا بريطانيا 600 عام.. من هم الأنجلوساكسون؟

مصدر: 10 things you (probably) didn’t know about the Anglo-Saxons
2020-07-09

استمرت الفترة الأنجلوساكسونية من أوائل القرن الخامس الميلادي إلى 1066؛ أي بعد الرومان وقبل النورمان. لكن ما مدى معرفتك بالأنجلوساكسونيين؟ من هم؟ من أين أتوا؟ وأين استقروا؟ في السطور التالية يصحبنا المؤلف المولع بالتاريخ، مارتن وول، في رحلةٍ على بساط مجلة «هيستوري إكسترا»، لنتعرف على 10 حقائق يرجِّح أننا لم نكن نعرفها من قبل عن تلك الحقبة الزمنية، والأشخاص الذين عاشوا فيها.

تبدأ رحلتنا بنهاية الفترة الرومانية في بريطانيا، التي أسدل عليها الستار حسبما هو شائع تاريخيًا في عام 410؛ عندما أخبر الإمبراطور الروماني هونوريوس البريطانيين – كما يُفتَرض – بأن يتولوا أمر دفاعاتهم، لأن روما نفسها كانت محاصرة بهجمات بربرية.

بالتأكيد، كان الحكم الروماني في بريطانيا متعثرًا في ذلك الوقت، تاركا فراغًا في السلطة ملأه الوافدون القادمون من شمال ألمانيا وجنوب الدول الإسكندنافية. واليوم، بتنا نعرف هؤلاء المهاجرين باسم الأنجلوساكسونيين، الذي حكموا إنجلترا طيلة معظم الـ600 عام التالية.

ومع ذلك، كان عليهم خلال تلك الفترة أن يخوضوا صراعًا مع الفايكنج؛ للاحتفاظ بسيطرتهم على أراضيهم، وأُجبِروا على التنازل عن السلطة بمرور الوقت إلى عددٍ من الملوك الدنماركيين؛ ومنهم، على الأخص، كانوت (الملقب بـ «كانوت العظيم»)، الذي حكم إمبراطورية تضم إنجلترا والدنمارك والنرويج. وانتهى العصر الأنجلوساكسوني بانتصار ويليام دوق نورماندي في معركة هاستنجز في عام 1066، التي دشنت عهدًا جديدًا من حكم النورمان.

في السطور التالية، يخبرنا مارتن وول، مؤلف كتاب « عصر الأنجلو – ساكسون: ولادة إنجلترا»، بعشر حقائق غير مشهورة عن الأنجلوساكسونيين:

1- من أين جاء الساكسونيون؟

من نطلق عليهم الأنجلوساكسونيين كانوا في الأصل مهاجرين من شمال ألمانيا وجنوب الدول الإسكندنافية. يقول عنهم الراهب بيدي من نورثمبريا (إحدى ممالك الأنجلوساكسونيين السبعة)، الذي كتب عنهم بعد عدة قرون: إنهم كانوا من بين أقوى الشعوب، وأكثرها ولعًا بالحرب، في ألمانيا.

يذكر الراهب «بيدي» ثلاثة من هذه الشعوب بالاسم، هم: شعب الأنجل Angles، وشعب الساكسون Saxons، وشعب الجوت Jutes. ويلفت مارتن وول احتمالية وجود العديد من الشعوب الأخرى التي رحلت صوب بريطانيا في أوائل القرن الخامس.

من المعروف أن الباتافيانيين (نسبة إلى مدينة باتافيا سابقًا، جاكارتا حاليًا) والفرنجة (الإفرنج أو الفرنسيس) والفريزيين (شعب جرماني يقطن ساحل بحر الشمال في هولندا وألمنايا) ركبوا ظهر البحر للعبور إلى مقاطعة بريتانيا المنكوبة.

ويرى الكاتب أن انهيار الإمبراطورية الرومانية كان من أكبر الكوارث في التاريخ. ويضيف: لم يكن الرومان قد أخضعوا بريطانيا بالكامل. ففي أقصى الشمال – ما أطلقوا عليه كاليدونيا (إسكتلندا الحديثة) – كانت هناك قبائل تتحدى الرومان، وخاصة البيكتيُّون Picts.

ما كان من الرومان إلا أن بنوا حاجزًا عظيمًا، سور هادريان، لعزل تلك القبائل عن الجزء المتحضِّر والمزدهر من بريطانيا. لكن بمجرد أن بدأت شمس الرومان تذوي، تدهورت تلك الدفاعات، واستطاع البيكتيُّون اختراقها في عام 367.

يستعين الكاتب بشهادة المؤرخ البريطاني جيلداس الذي كشف عن توظيف عصابات الحرب الساكسونية للدفاع عن بريطانيا عندما غادر الجيش الروماني. ووفقًا لهذه النظرية، وُجِّهَت الدعوة للمهاجرين الأنجلوساكسونيين، وهو مثل ما حدث تقريبًا مع المهاجرين من المستعمرات السابقة للإمبراطورية البريطانية في الفترة التي تلت عام 1945.

2- قتل الأنجلوساكسونيون مضيفيهم أثناء أحد المؤتمرات

ينتقل الكاتب إلى تعرُّض بريطانيا لهجوم متواصل من البيكتيين في الشمال والأيرلنديين في الغرب. وكان أن نصَّب البريطانيون حاكمًا، يُدعى فورتيجرن، ليكون أشبه بالديكتاتور الوطني. ويلفت التقرير إلى احتمالية أن يكون فورتيجرن هو صهر ماجنوس ماكسيموس، الإمبراطور الروماني الذي اغتصب العرش البريطاني في عام 383، قبل رحيل الرومان.

بيدَ أن تجنيد فورتيجرن للساكسونيين انتهى بكارثة حلت بساحة بريطانيا. ففي مؤتمرٍ بين النبلاء البريتونيين والأنجلوساكسونين (عقد على الأرجح في عام 472، وإن كانت بعض المصادر تقول إنه عقد في عام 463)، استلّ الساكسونيون سكاكين كانوا أخفوها عن الأنظار، وطعنوا بها مضيفيهم من بريطانيا في ظهورهم.

لم تقترب مخالب الغدر عَمْدًا من فورتيجرن، أثناء ما عرف باسم «خيانة السكاكين الطويلة»، لكن الساكسونيين أجبروه على التنازل عن أجزاء كبيرة من جنوب شرق بريطانيا، وبذلك أصبح فورتيجرن مجرد دمية عاجزة يحركها الساكسونين أنى شاءوا.

3- احتشد البريطانيون تحت قيادة غامضة

يحلِّق بنا التقرير في محطته الثالثة إلى الجيوب الواقعة في الجنوب الشرقي، ومنها تدفقت قبائل الأنجل والساكسون والجوت وغيرهم من أبناء القبائل الوافدة، في منتصف القرن الخامس، وأضرموا النيران في كل جنوب بريطانيا.

يقول جيلداس، وهو الشاهد الأقرب على ما وقع آنذاك: في تلك الحالة الطارئة برز زعيم بريطاني جديد، اسمه أمبروسيوس أوريليانوس، في أواخر العقد الخامس وأوائل العقد السادس من القرن الرابع الميلادي.

والافتراض الشائع يميل إلى القول بأن أمبروسيوس كان من طبقة ساكني الفيلات الرومانية الواقعة في محيط مقاطعة جلوسترشير، وإن كانت هذه المعلومة ليست مؤكدة على وجه اليقين، حسبما يشير الكاتب. كما سميت بلدة أميسبوري في مقاطعة ولتشاير على اسمه، وربما كانت أيضًا هي مقر حملته.

وقعت معركة كبيرة، في منتصف الألفية الميلادية الأولى تقريبًا، عند مكان يسمى مونز بادونيكوس (معركة جبل بادون)، جنوب غرب إنجلترا الحديثة، ألحق فيها البريطانيون هزيمة مُدَوِّيَة بالساكسونيين. لكن التشويق ينتهي عند هذا الحد؛ إذ لا يعرف المؤرخون أكثر من ذلك.

في وقت لاحق، قال مصدر من بلدة ويلز: إن «آرثر» كان هو المنتصر، ولكن تلك الشهادة لم تُدَوَّن إلا بعد مرور مئات السنين من وقوع المعركة، حين لم يعد بالإمكان التفريق بين الحقيقية والأساطير الشعبية التي نُسِبَت لاحقًا إلى هذا الشخص.

لا يرد ذكر لـ آرثر في كتابات المؤرخ جيلداس، وهذا يبدو غريبًا، لكن ثمة نظريات عديدة يستعرضها الكاتب في محاولةٍ لتفسير هذا اللغز: إحداها؛ أن جيلداس أشار إليه بالفعل، لكن من خلال نوع من الرموز التي تكشف عن أنه كان زعيمًا من جوينت يدعى كونيجلاس. وثمة مفارقة تكمن في أن جيلداس أطلق على كونيجلاس اسم «الدب»، واسم أرثر أيضًا يعني «الدب». ومع ذلك، استطاع شخص ما في ذلك الوقت إعاقة تقدم الأنجلوساكسونيين، ربما يكون هو: آرثر، بحسب تقرير المجلة التابعة لهيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي.

4- أين استقر الأنجلوساكسون؟

للإجابة عن هذا السؤال، يوضح الكاتب أن إنجلترا باعتبارها دولة لم تنشأ إلا بعد مئات السنين من وصول الأنجلوساكسونيين. بدلًا من ذلك، اقتطعت سبع ممالك أنجلوساكسونية رئيسية من المناطق المحتلة: نورثمبريا، إيست أنجليا، إسكس، ساسكس، كينت، ويسيكس، ميرسيا.

كانت جميع هذه الدول شديدة الاستقلالية عن بعضها البعض، وعلى الرغم من أنها تشترك في لغات متشابهة، وتعتنق ديانات وثنية، وتربطها أواصر اجتماعية واقتصادية وثقافية، فإنها كانت مخلصة تمام الإخلاص لملوكها، وكان التنافس بينها على أشده، خاصة في هوايتهم المفضلة: الحرب.

في البداية كانوا مهووسين بقتال البريتونيين (أو الويلزيين كما كانوا يسمونهم) ولكن بمجرد أن توطدت مراكز قواهم، بدأوا على الفور في خوض نزاع مسلح ضد بعضهم البعض. حتى أن أحد آلهتهم الرئيسية، المسمى وودن، كان مرتبطًا ارتباطًا خاصًا بالحرب، ولا غروَ أن يسهم هذا التعصب العسكري بدورٍ محوريّ في التحولات الرئيسية في مسارات الملوك والنبلاء.

في الواقع، كانت الحكايات المروية عن أمجاد المحاربين، أو افتخارهم بمدى البطولات التي سيظهرونها في المعركة، هو الشكل الرئيسي للترفيه، الذي كان المجتمع بأكمله مهووسًا به، فيما يشبه إلى حد كبير كرة القدم اليوم، على حد قول الكاتب.

5- مَن الذي كان يتولى المسؤولية؟

كانت ممالك الأنجلوساكسونيين السبع، المعروفة باسم Heptarchy، تطمح كلها للسيطرة على الآخرين. وأحد أسباب ذلك – وفق التقرير – هو أن الملك التي تكتب له الهيمنة كان بمقدوره أن يفرض الجزية (نوع من الضرائب، تدفع من سبائك الذهب والفضة) أو يطلب من الآخرين أن يقدموا إليه الأحجار الكريمة أو الأبقار أو الخيول أو نخبة الأسلحة؛ ذلك أن الاقتصاد القائم على النقود لم يكن موجودًا آنذاك.

في نهاية المطاف، أصبح زعيم ميرسيا، في ميدلاندز الإنجليزية، هو الأكثر رهبة من بين كل هؤلاء الملوك المحاربين. كان يدعى بيندا، وحكم من 626 وحتى 655، قتل خلالها بنفسه العديد من منافسيه في المعركة. وبوصفه واحدًا من آخر الملوك الوثنيين الأنجلوسكسونيين؛ قدم جثة أحد ضحاياه، الملك أوزوالد من نورثمبريا، قربانًا إلى إلهه وودن.

كما نهب بيندا العديد من الممالك الأنجلوساكسونية الأخرى، وجمع إلى جانب الكنوز الهائلة والرائعة، التي كنزها باعتبارها تمجيدًا لبطولاته، معدات الحرب التي خلفها المحاربون الذين أُزهِقَت أرواحهم في ساحات القتال. من نوعية نخبة الأسلحة العسكرية التي شكلت كنز ستافوردشاير، الذي اكتشف في عام 2009. وعلى الرغم من عدم وجود ارتباط مؤكد، يلفت الكاتب إلى أن ذلك الكنز يعكس الأجواء الحربيّة التي كانت سائدة في منتصف القرن السابع، والأهمية الفريدة في المجتمع الأنجلوساكسوني لنخبة الرجال المحاربين.

6- أي دين اعتقنه الأنجلوساكسون؟

كان البريطانيون يؤمنون بالمسيحية، لكنهم عُزِلوا في ذلك الزمان عن روما، بينما ظل الأنجلوساكسونيون يعتنقون الوثنية. وفي عام 597، أرسل البابا جريجوريوس الكبير (أسقف روما) القديس أغسطينوس إلى كِنت لتحويل الأنجلوسكسونيين إلى المسيحية.

يقول الكاتب: كان عبئًا ثقيلا وإن كانت المهمة محددة بنطاقٍ صغير. وفي نهاية المطاف، تحوّلت الممالك السبع تدريجيًا، وأصبحت مسيحية على أفضل ما يكون، لدرجة أنهم حوَّلوا أيضًا أوطانهم القبلية القديمة في ألمانيا إلى المسيحية.

يلفت الكاتب إلى أن أحد أسباب تحوُّلهم إلى المسيحية كان قول الكنيسة لهم إن الإله المسيحي سيحقق لهم النصر في المعارك. وعندما لم يتحقق هذا النصر الموعود، ارتدّ بعض الملوك الأنجلوساكسونيين عن المسيحية، واستدعت الضرورة اتباع نهجٍ مختلف.

الرجل الذي اختير للمهمة هذه المرة كان يونانيًا مُسِنًا يدعى ثيودور طرسوس، لكنه لم يكن الخيار الأول للبابا. إذ عُرِضَت الوظيفة قبله على شابٍ أصغر سنًا، اسمه هادريان «الأفريقي»، وهو لاجئ بربري من شمال أفريقيا، لولا أن هادريان اعترض بأنه كان صغيرًا جدًا للاضطلاع بمثل هذه المهمة.

أما حقيقة الاعتراض، فكانت تكمن في أن الناس في جنوب أوروبا المتحضرة يرهبون فكرة الذهاب إلى إنجلترا، التي كانت تعتبر بربرية وكانت سمعتها الرهيبة تسبقها. فما كان من البابا إلا أن قرر إرسال كلا الرجلين ليتشاركا الطريق في تلك الرحلة الطويلة. وبعد أكثر من عام (والعديد من المغامرات) وصلا إلى وجهتهما، واستعدا للعمل على إصلاح الكنيسة الإنجليزية.

عاش ثيودور حتى بلغ الثامنة والثمانين من عمره، وكان شيخًا كبيرًا في تلك الآونة، أما هادريان، الشاب الذي فرّ من منزله في شمال أفريقيا، فعمَّر أطول من رفيق رحلته، واستمر في تكريس نفسه لتلك المهمة حتى وافته المنية في عام 710.

7- كان ألفريد العظيم يعاني من مرضٍ غامض

في المحطة السابعة من رحلتنا التاريخية، يصحبنا الكاتب في زيارة إلى تمثال الملك ألفريد حاكم مملكة ويسيكس، المعروض في ونشستر، والذي عندما ينظر إليه فإنه يرى تجسديًا لـ«بطل قومي»: مدافع شجاع عن مملكة مسيحية ضد اللصوص الفايكنج الوثنيين. وهو يؤكد أن ألفريد يستحق عن جدارة وبلا أدنى شك أن يُتَوَّج بلقب «محبوب إنجلترا»، ولكن الحديث الآن سيدور عن جانب آخر من حياته كان أقل شهرة من بطولاته، لكنه كان ذا مغزى.

لم يتوقع ألفريد أبدًا أن يكون ملكًا – إذ كان لديه ثلاثة إخوة أكبر سنًا – ولكن عندما بلغ من العمر أربع سنوات وخلال زيارة إلى روما، بدا أن البابا منحه مباركةً خاصة عندما قدمه والده إليه.

خلال سنوات نشأته، كان ألفريد يعاني دائمًا من المرض، بما في ذلك البواسير المزعجة والمؤلمة، والتي كانت مشكلة حقيقية في عصرٍ كان الأمير فيه دائم الركوب على ظهر السرج.

يروي «أسر» الويلزي الذي أصبح كاتب سيرة ألفريد الذاتية، أن الأخير عانى من مرضٍ آخر مؤلم استنزفه، لكنه لم يوضح ماهية هذا المرض على وجه التحديد. يذهب البعض إلى أنه كان داء كرون (التهاب مزمن يصيب بطانة الجهاز الهضمي)، ويعتقد آخرون أنه قد يكون مرضًا ينتقل عن طريق الاتصال الجنسي، أو ربما اكتئاب شديد.

يعلق الكاتب: الحقيقة هي أننا لا نعرف بالضبط ماذا كان مرض ألفريد الغامض؟ لكن على أي حال، من المذهل إدراك أن إنجازات ألفريد الاستثنائية تحققت بينما كان يواجه صراعًا يوميًّا مع مرضٍ مُزمِن ومُنهِك.

8- دفن أحد ملوك الأنجلوسكسونيين أخيرًا في عام 1984

في يوليو (تموز) 975، تُوِّجَ إدوارد، الابن البكر للملك إدجار، ملكًا. وكان إدجار أقوى ملوك إنجلترا حتى ذلك الحين (وكانت البلاد آنذاك لا تزال موحدة)، ونعِمَت فترة حكمه بحالةٍ نسبية من السلميّة.

في المقابل، كان إدوارد يبلغ من العمر 15 عامًا فقط، وكان سريع الغضب حاد المزاج لا تعود شياطينه إلى قمقمها بسهولة إذا انفلتت من عقالها، حسبما يصفه الكاتب.

كان لديه منافسون أقوياء، بما في ذلك والدة أخيه غير الشقيق أيثيلريد، إلفريدي (أو «ألفثريث»)، التي كانت لديها رغبة في أن يكون ابنها ملكًا، بأي ثمن. في أحد أيام عام 978، قرر إدوارد زيارة إلفريدي وأيثيلريد في منزلهما الكائن في كورفي الواقعة في مقاطعة دورست. كانت تلك هي الفرصة السانحة التي لا يمكن تفويتها.

يُقال إن إلفريدي كانت تنتظره على عتبة القاعة مع السُوَّاس لرعاية الخيول، وعرضت عليه كأسًا من نبيذ الميد، بحسب التقليد الذي كان سائدًا آنذاك. وبينما انحنى إدوارد لقبول مشروبه، أمسك السُوَّاس لجامَ فرسه، وطعنوه مرارًا وتكرارًا في بطنه.

استطاع إدوارد أن يلوذ بالفرار، لولا أنه نزف حتى فاضت روحه، ودفنه المتآمرون على عجل. كانت جريمة قتلٍ خبيثة، وعلى الرغم من أن أيثيلريد ربما لم يكن متورطًا في المؤامرة، إلا أنها التصقت به في أذهان عامة الناس، الذين نسبوا حكمه الكارثي اللاحق إلى تلك الفِعْلَة التي ترسخت في أذهانهم قرينة بصفة الوحشية.

لاحقًا، استُخرجت جثة إدوارد وأعيد دفنها في دير شافتسبري في عام 979. وبعد «حَلّ الأديرة» (قرارات إدارية وقانونية اتخذها هنري الثامن بين عامي 1536 و1541)، فُقِدَ أثر القبر لفترةٍ، حتي عُثِرَ عليه مرة أخرى في عام 1931. وبقيت عظام إدوارد في قبو مَصرفيّ حتى عام 1984، عندما واراها الثرى في نهاية المطاف.

9- إنجلترا ابتليت بالتطهير العرقي

بغض النظر عن مدى تورط أيثيلريد في قتل أخيه غير الشقيق إدوارد، يذكر الكاتب أن أيثيلريد ارتكب جريمة قتلٍ جماعي مُخزِية، برغم وصفه بدوام التردد، وكثرة الجبن، وسوء اختياراته على الدوام للرجال الذين يمنحونه المشورة.

ولا أوضح في الدلالة على ذلك من أن أحد هؤلاء الرجال، يدعى إدريك «ستريونا»، تلاحقه في صفحات التاريخ تهمة الخيانة لدوره الشائن في سقوط إنجلترا خلال الغزو الدنماركيّ. ويا له من مشهدٍ متكرر على مسرح التاريخ، يعجب منه مرشدنا في هذه الرحلة؛ أن يبحث الرجال الأقوياء الذين يواجهون مشاكل عمن يتحمل المسؤولية بدلا منهم.

كان أيثيلريد يُعلِّق مشاكل المملكة الإنجليزية كلها على شماعة الدنماركيين، الذين استقروا في البلاد لعدة أجيال والذين أصبحوا مواطنين مسيحيين محترمين. وفي 13 نوفمبر (تشرين الثاني) 1002، صدرت أوامر سرية من الملك بذبح جميع الدنماركيين، وانتشر الموت آنذاك في أنحاء جنوب إنجلترا.

ولأن الدنماركيين كانوا يستوطنون شمال إنجلترا بكثافة؛ من المحتمل أن تكون تلك النواحي استطاعت أن تنفد بجلدها من المؤامرة الوحشية. لكن واحدة من الدنماركيين الذين قتلوا في هذه المذبحة البشعة، كانت أخت ملك الدنمارك العظيم، سوين فوركبيرد.

ولا غروَ أن يستقر عزم الجيوش الدنماركية على غزو إنجلترا والقضاء على أيثيلريد. وكان أن انشق إدريك «ستريونا» ولحق بالدنماركيين ليخوض إلى جانبهم حرب الخلافة التي أعقبت وفاة أيثيلريد. وكانت هذه بداية النهاية لإنجلترا الأنجلوساكسونية.

10- آخر الملوك الأنجلوساكسونيين ليسوا ملوكًا شرعيين

كلنا نعرف شيئًا عن معركة هاستنجز التي كان لها دور حاسم عام 1066 في غزو النورمان لإنجلترا، بيدَ أن الرجل الذي كان ربما ينبغي أن يكون ملكًا طواه النسيان على الأرجح في أقبية التاريخ، كما يقول الكاتب.

توفي ملك إنجلترا القديس إدوارد «المعترف The Confessor» في عام 1066، دون أن يترك ذرية تخلُفه؛ ما وضع المجلس الإنجليزي الحاكم، المُكَوَّن من النبلاء والزعماء الروحيين، والمعروف باسم Witan ، أمام مشكلة كبيرة. إذ كانوا يعرفون أن ابن عم إدوارد، ويليام دوق نورماندي، يطالب بالعرش، وأنه بالتأكيد سيحظى بتأييدٍ من قوةٍ مسلحة.

كان ويليام جنديًا ماهرًا لا يرحم، لكن الشاب الذي كانت له الأحقية أكثر منه أن يطالب بالعرش الإنجليزي، هو إدجار إيثلينج (أي: النبيل أو الملكي)، ولم يكن قد تجاوز الـ14 من عمره، أو يتمتع بخبرةٍ في القتال أو قيادة الجيش. كان إدجار حفيد إدموند أيرونسايد، البطل الإنجليزي الشهير، لكن مثل هذا لا يكفي حين يُكَشِّر الخطر عن أنيابه.

لذلك لم يتبوأ إدجار العرش، بل اختير بدلا منه هارولد جودوينسون، الجندي الإنجليزي الأكثر شهرة في ذلك الوقت، على الرغم من أنه لم يكن «ملكيًا» بالمعنى الدقيق للكلمة. بيدَ أنه اكتسب خبرة عسكرية أساسية أثناء القتال في ويلز.

في البداية، بدا أن المجلس اتخذ الخيار السليم؛ ذلك أن هارولد حشد جيشًا وأسطولًا قويين ورابط في الجنوب طوال الصيف، ولكن بعد ذلك جاء تهديد جديد في الشمال.

هبط جيش ضخم من الفايكنغ ودمر جيشًا إنجليزيًا كان يرابط على مشارف يورك. وقاد هارولد جيشه بمهارة على طول الطريق من الجنوب إلى ستامفورد بريدج في يوركشاير في غضون خمسة أيام فقط.

قضى جيش هارولد على الفايكنج، ولكن بعد أيام قليلة حط وليام دوق نورمان رحاله في الجنوب. لم يضيع هارولد وقتًا في إعادة جيشه لمقابلته في ساحة المعركة، التي اتخذت من سلسلة المرتفعات على مشارف هاستينجز مسرحًا لها.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي