نسبة الحضر في أفريقيا ترتفع.. كيف سينعكس ذلك على السياسة؟

مصدر: Africa is urbanizing. Here’s what that means for politics
2020-07-05

ديمة شومان

في هذا التقرير الذي أعدته كيم يي ديون، الصحافية والأستاذة المساعدة في العلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا والباحثة في شؤون الدول الأفريقية، عن أهم الأفكار في كتابين جديدين حول التحول الحضري وتأثيره في السياسة الأفريقية، إذ يتناول الكتابان غانا أنموذجا، حيث الديمقراطية الرائدة في غرب أفريقيا التي يشكل الحضر النسبة الأكبر من سكانها.

يشير التقرير إلى ارتفاع متوسط التحضر في الدول الأفريقية جنوب الصحراء الكبرى من 15% قبل 60 عامًا إلى 40% اليوم. في حين ما تزال بعض الدول ريفية بنسبة كبيرة، مثل بوروندي التي بلغت نسبة سكانها الحضر 13% من إجمالي عدد السكان، لكن دولًا أخرى تحضرت بنسبة أعلى من المتوسط الأفريقي، مثل الغابون التي ارتفعت نسبة السكان الحضر فيها من 17% عام 1960 إلى 89% في الوقت الحالي.

أكد تقرير برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (U.N.-Habitat) الجديد حول فيروس كورونا ومرض كوفيد-19، كيف تسهل نتائج سوء التخطيط الحضري -الذي يشمل انتشار العشوائيات، ضعف البنية التحتية والخدمات- انتشار الفيروس وتفاقم آثاره السلبية في المدن الأفريقية.

خيبت الأحوال السيئة التي يعاني منها السكان الأفارقة الحضر آمال المحللين حول إمكانية تغير سياسة أفريقيا ومشهد التنمية فيها. إذ توقع المحللون أن كلما نمت الطبقة الوسطى في أفريقيا وارتفعت فيها نسبة المتعلمين والمنتقلين للمدن، سيغير الناخبون من هذه الطبقة، السياسة الانتخابية القائمة على تفضيل الأعراق المشتركة إلى منافسة انتخابية قائمة على السياسة.

يستعرض هذا التقرير ما يمكننا أن نستفيده من دراسة السياسة في غانا الحضرية وأفريقيا، المنطقة الأسرع تحضرًا في العالم من خلال الكتابين؛ كتاب نوح ل. ناثان، السياسات الانتخابية وتحول أفريقيا الحضري: الطبقة الاجتماعية والعرق في غانا، وكتاب جيفري و.باريل، الديمقراطية في غانا: سياسات الحياة اليومية في أفريقيا الحضرية.

التحضر في أفريقيا ليس علاجًا شافيًا للسياسة العرقية

أسست غانا أحزابًا سياسية وتاريخًا سلميًا وشعبًا متعلمًا، إذ يجب على الطبقة الوسطى الكبيرة والأعراق المتنوعة في غانا الحضرية أن تدعم التحول عن السياسات التي تتنبأ باختيارات الناخبين بناء على هويتهم العرقية.

يبدأ كتاب ناثان بتقييم واقعي للأوضاع في غانا، التي بالرغم من أنها ستؤدي إلى التحول من نظام الزبونية -إذ الاستفادة من الدولة مرتبطة بالدعم السياسي- إلى انتخابات قائمة على سياسة البرامج الانتخابية، إلا أن الدلائل تظهر أن المنافسة العرقية والزبونية ما تزال مزدهرة في غانا.

وبالمثل، افتتح باريل كتابه برواية حية للأوضاع الصعبة في بعض أحياء عاصمة غانا أكرا وما حولها. وبالرغم من الحضور العالي للانتخابات التنافسية وجماعات ومنظمات المجتمع المدني الفاعلة والمنخرطة في صناعة القرار الجمعي، إلا أن هذه الزبونية السياسية والأوضاع الصعبة ما تزال موجودة.

يعزو ناثان استمرار الزبونية والسياسة اللابرامجية في غانا إلى «فخ السياسية الحضرية». وفي مخطط بياني مقنع وأنيق من الفصل الأول للكتاب، يوضح ناثان الخطوط العريضة لفخ السياسة الحضرية، التي هي نتاج لقوى متعددة: عجز الدولة عن النجاح في تحدي توفير الخدمات التي خلقها التحضر، ضعف قدرة الدولة التي تقيد قدرة السياسيين على الالتزام الصادق بتقديم سياسة برامجية، السياسات الموجهة للمواطنين لاختيار عدم المشاركة في التصويت في الانتخابات، ونتيجة لهذا يتحفز السياسيون لإطلاق حملات انتخابية لابرامجية، بل غالبا عرقية لاستقطاب الناخبين.

فخ السياسة الحضرية ليس حالة دائمة

يذكر التقرير أن ناثان لا يعتقد أن فخ السياسة الحضرية الذي عرّفه سابقًا هو حالة دائمة، إذ ينهي كتابه بنقاش حول حالات مشابهة في الأمريكتين، من ضمنها الولايات المتحدة الأمريكية من بداية إلى منتصف القرن العشرين، عندما كانت سياسة الآلة والزبونية مستمرة حتى بعد نمو الطبقة الوسطى وزيادة معدلات التحضر.

يقود ناثان هذه الحالات إلى تحديد مسارات محتملة خارج نطاق فخ السياسة الحضرية. على سبيل المثال، كانت بعض مدن الولايات المتحدة قادرة على الخروج من الفخ واتباع إصلاحات جادة في الخدمة المدنية، وتخفيف سيطرة الآلة السياسية على وظائف الخدمة المدنية. وعلى نحو مشابه، يحرر توسيع دولة الرعاية الاجتماعية الوطنية، الفقراء الحضر من اضطرارهم للاعتماد على صلات بحزب سياسي، أو علاقات الزبونية حال استطاعتهم الاستفادة من البيروقراطية الفدرالية غير الحزبية.

كيف يمكن أن نفهم ديمقراطية غانا من خلال سياسات الحياة اليومية؟

تفتح دراسة باريل لسياسات الحياة اليومية نافذة على فهم استمرار الزبونية والسياسة العرقية المتجذرة في بعض المناطق الحضرية دونا عن غيرها. ما يعنيه باريل بـ«سياسات الحياة اليومية» هو السياقات التي تحيط باتخاذ القرارات اليومية في الأحياء، وكيف يتصرف ويفكر ويشعر الناس، حيال السلطة في حياتهم اليومية؟

يقدم كتاب «الديمقراطية في غانا» رواية غنية لمناطق مختلفة من العاصمة أكرا، ومتنوعة في أنماط استقرارها (سكان أصليون، أجانب، قاطنو العشوائيات) وانتمائها، إذ تستجيب هذه الأحياء المختلفة للتحديات التي تتطلب حوكمة مجتمعية واتخاذ قرارات جمعية بشكل مختلف.

في حين ركز منطق كتاب ناثان على الطبقة الوسطى النامية في غانا الحضرية، اهتم باريل في دراسته بالأحياء الحضرية الفقيرة. تؤكد مقارنة باريل للسياسات اليومية في ثلاثة أحياء أهمية القيادة، وإشراك المواطنين، والسيطرة على الفضاء الحضري، ودورها جميعًا في تشكل الحوكمة ومخرجات التطوير.

مستقبل أفريقيا في تحضر متزايد

يشكل هذان الكتابان معًا إسهامًا مهمًا لإعادة التركيز على السياسة في المدن الأفريقية. ستستمر نسبة التحضر في أفريقيا بالارتفاع في العقود القادمة، ويسلط الكتابان الضوء على إسقاطات التحول الحضري التي من الممكن أن تحول أو تعزز هياكل السلطة القائمة والعمليات السياسية.

وبحسب التقرير، فإن هذه الكتب الجديدة لنوح ناثان وجيفري باريل ضرورية لفهم السياسة والسلطة المعاصرة في أفريقيا، سواء كانت المحاولة لمواجهة عواقب وباء فيروس كورونا الحالي، أو أزمة المناخ التي تلوح بالأفق في المدن الأفريقية.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي