طفرة جديدة في أعداد إصابات كورونا في أمريكا.. فما السبب؟

مصدر: The US’s new surge in coronavirus cases, explained
2020-07-04

كان بإمكان أمريكا أن تمنع حدوث طفرة أخرى جديدة في حالات الإصابة بفيروس كورونا، والآن أصبح من الواضح أنها فشلت في ذلك.

نشر موقع «فوكس» الإخباري تقريرًا للمراسل الصحافي جيرمان لوبيز حول الطفرة الجديدة في أعداد المصابين بفيروس كورونا المستجد في الولايات المتحدة الأمريكية.

في مستهل تقريره، ذكر لوبيز أن الأسبوع الماضي أرسل برسالة مزعجة لأمريكا بأن تهديد جائحة فيروس كورونا لم ينته بعد. إذ سجَّلت البلاد يوم الأربعاء الماضي رقمًا قياسيًّا جديدًا من الإصابات اليومية، ثم سجَّلت رقمًا قياسيًّا جديدًا مرارًا وتكرارًا خلال اليومين التاليين.

ومن الواضح لكل ذي عينين أن الولايات المتحدة تعاني الآن من ارتفاع سريع في حالات الإصابة بفيروس كورونا. وإن كان هذا إلى ارتفاع لم يتجسد حتى الآن في حصيلة الوفيات. وتعد ولايات أريزونا، وفلوريدا، وتكساس، وعدد من الولايات الأخرى في الجنوب والغرب من بين أكثر المناطق تضررًا.

حالات الإصابة اليومية الجديدة بفيروس كورونا، بناءً على متوسط ​​متغير لمدة سبعة أيام  المصدر: نيويورك تايمز – جيرمان لوبيز/فوكس

تحول كبير

وبينما أشار الرئيس دونالد ترامب وحلفاؤه إلى أن الزيادة في الأعداد ترجع إلى الارتفاع الكبير في إجراء الاختبارات، يؤكد مراسل موقع «فوكس» أن البيانات لا تدعم ما يقولونه؛ ذلك أن هناك تحوُّلًا كبيرًا مقارنةً بما كانت عليه الأوضاع في مايو (أيار) ويونيو (حزيران).

إذًا ما الخطأ الذي حدث؟

الإجابة التي يقدمها لوبيز ببساطة هي أن الولايات بدأت في التخفيف من القيود وإعادة فتح اقتصادها؛ مما أتاح الفرصة لأصحاب العمل والموظفين والزبائن للعودة إلى العالم والمزيد من الاختلاط، فساعد ذلك على ظهور حالات إصابة جديدة.

وللأسف كانت الآثار الناجمة عن ذلك متوقعة. يستشهد التقارير بأبحاث حول جائحة الإنفلونزا عام 1918 ودراسات أحدث، استخلص منها الخبراء أن عمليات الإغلاق العام ساعدت على إبطاء انتشار فيروس كورونا، وبالتالي فإن إنهاء القيود سيؤدي إلى ارتفاعٍ في حالات الإصابة طالما لم تُتَّخذ تدابير وقائية أخرى.

لكن تحذيرات الخبراء ذهبت أدراج الرياح. وينقل المراسل عن عالم الأوبئة في جامعة مينيسوتا، جايمي سلوتر-آسي، قوله: «وصلنا إلى وضعٍ كان يجب ألا نصل إليه. ومنذ ما يقرب من ثلاثة أشهر، توفرت لنا الفرص لأخذ خطوات استباقية من شأنها التخفيف من جائحة كوفيد-19… ولكن الاقتصاد كانت له الأولوية». والنتيجة أن أمريكا عالقة الآن في خضم موجة جديدة من حالات الإصابة بمرض كوفيد-19.

ولايات مختلفة تأخذ نصيبها من المعاناة هذه المرة

ولفت التقرير إلى أنه في الموجة الأولى من حالات الإصابة بمرض كوفيد-19، كانت مدينة نيويورك هي الأكثر تضررًا. وكان هناك أيضًا تفشٍ كبير في أجزاء أخرى من الشمال الشرقي، وولايتي ميتشيجان ولويزيانا، بينما ضربت الموجة الأخيرة الجنوب والغرب.

 كانت حالات الإصابة الجديدة اليومية بفيروس كورونا في الغالب أعلى من أربعة لكل 100 ألف شخص اعتبارًا من 27 يونيو   المصدر: «نيويورك تايمز» مكتب تعداد الولايات المتحدة (الوكالة الحكومية المسؤولة عن تعداد السكان بالولايات المتحدة) – جيرمان لوبيز/«فوكس»

يستدرك مراسل فوكس: في معظم هذه الولايات، ليس من الدقيق القول إنها تمر بموجة ثانية من تفشي الفيروس؛ لأن كثيرًا من هذه الولايات لم تسيطر عليه الموجة الأولى من الفيروس. بدلًا عن ذلك، الأصوب هو القول إن هذه الولايات شهدت ارتفاعًا مطَّردًا في حالات الإصابة بفيروس كورونا، وبلغت ذروتها في النمو المتسارع خلال الأيام والأسابيع القليلة الماضية.

يستشهد التقرير بقول عالم الأوبئة في معهد أبحاث «آر تي آي إنترناشونال»، بيا ماكدونالد، إن عديدًا من الولايات «لم تسطح المنحنى مطلقًا. ويعني هذا أن الولايات لم تمتثل جيدًا لإرشادات الصحة العامة… ولم يكن هناك انخفاض مستمر، كما يوضح هذا الرسم البياني:

 

ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا في أريزونا  المصدر: نيويورك تايمز

محاولات ناجحة

وأوضح المراسل أنه بينما كان يمكن أن تتركز حالات تفشي فيروس كورونا محليًّا، يبدو أن حالات التفشي الحالية تغطي ولايات بأكملها. ويتمثل الفارق في أن الولايات التي تشهد أكبر زيادة في الإصابة كانت من بين أبطأ الولايات في إغلاق اقتصاداتها استجابةً لتفشي المرض وكانت أيضًا من بين أسرع الولايات التي أعادت الفتح مرةً أخرى.

وتتزامن هذه الطفرة في حالات الإصابة بمرض كوفيد-19 مع احتجاجات حركة (حياة السود مهمة Black Lives Matter)، لكن الأبحاث والبيانات تشير حتى الآن إلى أن الاحتجاجات لم تسبب ارتفاعًا كبيرًا في انتشار فيروس كورونا. وفي بعض المناطق، يبدو أن الارتفاع في عدد الحالات يكون في صفوف الشباب.

التخفيف من تدابير التباعد الاجتماعي هو السبب

يضيف المراسل قائلًا: بوجه عام، كان الخبراء واضحين تمامًا حول السبب في أن الولايات تشهد زياداتٍ في حالات الإصابة بمرض كوفيد-19؛ وهو تخفيف القيود المفروضة على التباعد الاجتماعي.

حول ذلك، يقول سلوتر آسي: «بدأت الاقتصادات تُفتَح. وبدأ الناس في الخروج ومغادرة المنازل. وبدأوا يختلطون مع الآخرين بحرية أكبر، وهذا يُوجِد فرص انتقال العدوى».

ويوضح البحث أكثر فأكثر أن تدابير التباعد الاجتماعي ساعدت على الحد من انتشار فيروس كورونا. وخلُصَت دراسة نشرتها مجلة «هيلث أفيرز (Health Affairs)» للرعاية الصحية إلى ما يلي:

«أدَّى تبني تدابير التباعد الاجتماعي التي فرضتها الحكومة إلى تقليل معدل الانتشار اليومي… والعكس إذًا صحيح على الأرجح؛ ففي حالة عدم الالتزام بتدابير التباعد الاجتماعي، من المرجح أن تشهد المناطق ارتفاعًا في حالات الإصابة بمرض كوفيد-19».

ونوَّه التقرير إلى أن هذا ما تشير إليه الأدلة الوبائية حول تفشي الأمراض في الماضي. إذ توصَّلت دراسات عديدة حول جائحة الإنفلونزا عام 1918 إلى أن المناطق التي اتخذت خطوات أسرع وأكثر صرامة لفرض التباعد الاجتماعي نجحت في إنقاذ الأرواح.

نمط متكرر

وشدد الكاتب على أن هذا لم يحدث في سانت لويس وحدها. وبتحليل البيانات من 43 مدينة، وجدت دراسة مجلة جاما أن هذا النمط يتكرر في جميع أنحاء البلاد؛ إذ وضع المسؤولون تدابير للتباعد الاجتماعي، وشهدوا انخفاضًا في حالات الإصابة بالإنفلونزا، ثم خففوا التدابير، فشهدوا حالات الإصابة بالإنفلونزا ترتفع مرة أخرى.

وعلى هذا النهج، تبدو الإجراءات الاحترازية الشخصية أكثر فاعلية مما كان متوقعًا في البداية. ولعبت الأقنعة دورًا مهمًا في احتواء انتشار مرض كوفيد-19 في عدد من البلدان الآسيوية مثل كوريا الجنوبية، واليابان؛ حيث ينتشر استخدامها على نطاق واسع.

 كيف يمكن تحقيق التوازن؟

يقول الخبراء إن أهم شيء هو أن تمضي العملية ببطء. ويجب على الولايات أن تخرج من الإغلاق رويدًا رويدًا عبر مراحل مختلفة، وأن تسعى في الوقت نفسه إلى بناء نظام لمراقبة الصحة العامة. وبمرور الوقت يمكن لهذا النهج أن يحقق التوازن بين احتياجات الصحة العامة واستعادة بعض الإحساس بالعودة إلى الحياة الطبيعية.

ينقل مراسل فوكس عن عالِم الأحياء الرياضية في جامعة تكساس أوستن، لورين أنسيل مايرز، أنه «نظرًا لأن هذا أمر جديد وليس لدينا بيانات أو خبرات تهدينا السبيل، فمن المنطقي أن نأخذ الأمور ببطء».

ويضيف: «خفِّفْ القيود شيئًا فشيئًا، وانظر ما إذا كان ذلك يحقق نتائج طيبة. وإذا خفَّفت بعض التدابير، فإننا سنتابع البيانات لبضعة أسابيع؛ وإذا لم ترتفع حالات الإصابة، فربما يمكننا التخفيف أكثر قليلًا».

يتابع التقرير: إن أحد العناصر الأساسية في ذلك – وهو العنصر الذي فشلت فيه الولايات عامةً – هو وجود خطة للتراجع عن إعادة الفتح إذا ساءت الأمور مرةً أخرى.

حول ذلك، يقول أبرار كاران، وهو طبيب في مستشفى بريجهام آند ويمنز بكلية هارفارد الطبية، إن «أحد أهم مكونات تجربة إعادة الفتح برمتها هو معرفة متى يجب إبطاء إعادة الفتح بناءً على معايير الصحة العامة. ولهذا السبب من المهم جدًّا أن يكون لديك نظام لمراقبة الصحة العامة».

وإذا خرجت الأمور عن السيطرة مرةً أخرى، فقد يضطر المجتمع في واقع الأمر إلى إغلاق كل شيء مرةً أخرى للسيطرة على الأمور. يقول مايرز: «ما نريد تحقيقه هو تجنب الوصول إلى وضع يكون فيه الإجراء الوحيد الذي سيُعيد الأمور إلى نصابها هو إصدار أوامر بالبقاء في المنزل…».

ما الذي يجب أن تفعله الولايات الآن؟

يقول المراسل: بالوصول إلى هذه المرحلة، لم يعد من الواضح ما إذا كان المسؤولون المحليون والمسؤولون في الولايات سيتخذون الإجراءات الاحترازية التي يوصي بها الخبراء. وبينما يمكن للحكومة الفيدرالية التشجيع على اتخاذ إجراءات أشد صرامة، فإن إدارة ترامب كانت غائبة إلى حد كبير خلال الأسابيع الأخيرة.

كما أشارت إرشادات البيت الأبيض أيضًا إلى أن إدارة ترامب ترغب في ترك الجزء الأكبر من المشكلة للولايات والحكومات المحلية والجهات الفاعلة الخاصة. وفي بعض الحالات، شجَّعت الإدارة على تنفيذ عكس ما دعا إليه الخبراء.

ودفع ترامب الولايات مرارًا وتكرارًا لإعادة فتح اقتصاداتها – فيما كان من الواضح جدًّا أنها خطوة سابقة لأوانها. كما اتخذ مواقف غريبة، مثل ملاحظاته التي تقول إن على الولايات المتحدة أن تبطئ من وتيرة إجراء الاختبارات وأن الأقنعة ربما تضر أكثر مما تنفع.

وفي هذا السياق يقول المراسل: ليس من قبيل المصادفة أن معظم الولايات التي تعاني الآن أشد المعاناة يقودها حكام جمهوريون.

ماذا لو ساءت الأمور؟

وأردف التقرير: ثم إن هناك الاقتصاد. فعلى الرغم من أن الأبحاث تشير إلى أن السيطرة على تفشي المرض أفضل في نهاية المطاف بالنسبة للاقتصاد على المدى الطويل، إلا أن الإغلاق يعني الآن ألمًا اقتصاديًّا قصير أو متوسط ​​المدى.

ومع ذلك، قد تسوء الأمور في النهاية لدرجة أن المسؤولين سيشعرون بأنهم مجبرون على التصرف بغض النظر عن أي شيء. على سبيل المثال، بدأ الحاكم جريج أبوت في إبطاء إجراءات إعادة فتح ولايته، وجعل بعض الشركات تواصل العمل بطاقة مخفضة، أو أغلق شركات أخرى تمامًا مثلما أغلق الحانات.

وبصرف النظر عن الإجراءات الحكومية، ربما يتصرف الناس من تلقاء أنفسهم، إذ يتمهلون أحيانا في تبني نظرة وردية لوضع كوفيد-19، ويختارون البقاء في المنزل على أي حال.

يقول مايرز: «علينا أن نبدأ في الضغط على المكابح قبل وقت طويل من وصول المستشفيات إلى أقصى طاقتها الاستيعابية. وقد ضغطت نيويورك على المكابح في منتصف مارس (أذار)، ومع بداية أبريل (نيسان) أو منتصفه وصلت الوفيات أخيرًا إلى ذروتها، ومن ثم بدأت في التراجع. بإمكانك الضغط على المكابح اليوم، لكنك لن ترى آثار ذلك إلا بعد عدة أسابيع».

واختتم المراسل تقريره قائلًا: هذا هو السبب في أنه كان من المهم التحرك قبل أن يصل الوضع إلى هذه النقطة، ولماذا كان تخفيف المسؤولين من إجراءات التباعد الاجتماعي خطيرًا جدًّا قبل أن تبدأ حالات الإصابة بكوفيد-19 في الانخفاض. والآن تشهد ولايات عديدة تبعات ذلك وستظل تعاني من هذه التبعات.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي