العادات والتقاليد اليمنية القديمة .. بين الحقيقة والخرافة وبين المعقول والأسطرة

2020-06-24

مروة العريقي *


لكل بلد وشعب ومنطقة بل ولكل عائلة في اليمن عادات وتقاليد وأعراف ومعتقدات كثيرة، فيها من الواقعية الممزوجة بالخيال المخلوط بشيء من الغرابة والكثير الكثير من ضروب الجنون.
بغض النظر عن آراء الكثير تجاه هذا الجانب لكن في مقالي هذا وفي أسطري التي ستدون أوجه كل احترامي وتقديري لأجدادنا واسلافنا مهما كانت أفكارهم وطقوسهم.
قرأت في الآونة الأخيرة الكثير والكثير من العادات والتقاليد اليمنية القديمة ولا أبالغ حين أقول أني عشت أياما في ذهول عظيم وحيرة كبيرة في كل سطر قرأته، بل أنني تخيلت وتعايشت مع كل تقليد وعادة بكل منطقة قرأت عنها…
ان جاز لي التعبير في وصفها سأقول بأنها محيط واسع عظيم كبير كلما غصنا فيه كلما شدنا الفضول إلى الأعمق وكلما تبعنا فضولنا زدنا شجنا للغوص في العمق أكثر.
والمدهش في الأمر ان اليمنيين القدماء لم تقتصر عاداتهم وتقاليدهم واعرافهم ومعتقداتهم على جانب واحد كبقية بلدان العالم القديم، بل تنوعت جوانب ذلك الأمر وتنقلت عاداتهم بسلاسة وتناغم بين المناطق اليمنية فأثناء قرائتي وجدت (المعتقدات الروحانية ) والخيالية والطقوس الدينية والتي فيها من البدع والشرك مالا تتوقعه، ولم يكن محصورا في قرية او منطقة فقط بل لكل منطقة ميول وعرف فيها يتبعه أهل تلك المنطقة.
ثم في وسط اندماجي بذلك الجانب أجد نفسي فجئة وأنا أقرأ أسطر قد خرجت عن ذلك الجانب تماما لتدخل إلى تقاليد وطقوس وأعراف شتى خاصة (بالزواج ) وتضيع أثناء غوصك في هذا الجانب وتغرق وقد لاتجد النجاة!
فتجد نفسك وسط ذهول واندهاش وحيرتك تلفك من كل جانب كيف لئولائك القداما ان يفكروا بكل ذلك من بداية عقد الزواج وما يجب فيه ومالا يجب وأكثر ما أثار انتباهي هي طقوس تقام أثناء عقد الزواج خوفا من الحاضرين لإفشال هذا الزواج… لن اغوص في التفاصيل لأني لن أكتفي بتقرير واحد.


ومن عقد الزواج تنتقل إلى طقوس تجهيز العروس وتحجيبها ثم تقفز إلى زفتها للعريس وطقوس خروجها ولبسها ومشيتها ووصولها وكل ذلك له معتقدات بما لاتحصيه أصابعك.
(أكثر المناطق التي اندهشت بها هي التقاليد السقطرية والمهرية )وللعلم مازالت إلى اليوم.
ومن الزواج وبدون سابق إنذار أدرك أنني قد أصبحت اقرأ عن (الحمل والولاد ) وما يتعلق بهما من قداسة ومعتقدات جنونية خيالية وربما ليست معقولة لكنها إلى اليوم مازالت تمارس بحذافيرها.
ثم قفزة بعد ذلك لتغوص في جانب المظهر (والازياء ) وكيف ان لكل لبس طريقة ووقت ومناسبة، سواء كان من الملابس او الإكسسوارات و الأوشحة (المقارم ) ومعنى كل ربطة لها وحتى المشاقر وأنواعها ورمز كل نواع في اللبس.
ثم بعد ذلك أدرك أنني أصبحت بين أسطر (الضيافة ) والكرم والقبيلة وتبدأ من استقبال الضيوف بالذبائح والاهازيج إلى كيفية ترتيب ومكان مدكئه (مكان تخزينته ) وتسخير كل سبل راحته.
ثم يشدني شجني للعمق أكثر لأرتطم في عمق (الخرافة والأساطير ) وفيها من الرعب الكم الوفير وفيها عشرات بل مئات القصص الأسطورية والتي إلى يومنا هذا وفي جيلنا هذا مازلنا نتناقلها منها قصة الدجيرة وصياد والعنقاء وغيرها الكثير، لكن الجميل في الأمر أنني عرفت ماهية حقيقة وبداية تلك القصص وبحسب ما قرأت تعتبر حضرموت وسقطرى من أكثر المناطق التي تعج بتلك الأساطير حيث ان فيها مناطق حدوث تلك القصص إلى اليوم مثل بلدة شكلنزة وبئر رهوك في حضرموت.
وبعد ذلك كله وقد انهكني التعب من التنقل بين هذا وذاك وما ان أخذت نفسا عميقا بعد الرعب من تلك الأساطير أجد نفسي احملق في فضاء طقوس الموت رغم أني في العمق!!!
فالطقوس التي تقام للموتى من لحظة موته إلى دفنه كفيلة بتمثيل فيلم رعب عالمي متكامل!!!
لا أبالغ لكن بالفعل العادات والتقاليد والمعتقدات في هذا الأمر لاتعد ولاتحصى، وأكثر ما أثار جنوني وهلعي هي معتقد (التسفل ) بضم الفاء، بالفعل ضرب من الجنون.
ماقرأته وعرفته مستحيل ان يصاغ في تقرير صغير في زاوية تبويب إلكتروني! بل يستحق ان يدون لها الكتب والمجلدات وحتى المخطوطات.


ورغم أنني متعلمة ومثقفة وأدرك جيدا ان كل ذلك ماهو إلا معتقدات وخزعبلات لاتمتي للواقع بأي صلة لكنني احترمها واعتز بها وأعمل على معرفتها بل أنني أمارس البعض منها وأعترف ان الكثير منها أنا مؤمنة به.
وبغض النظر عن البعض الذين يحكمون على تلك العادات والتقاليد والمعتقدات بأنها من دواعي الكفر والشرك،
لكن نصيحتي … لا تأخذ هذه الأمور بمنظار التدين او العقائديه، لكن خذها من بمنظار الفكر الذي يجبرك على احترامه فبالفعل يجب علينا إحترام القدماء وكيفية تفكيرهم بل يجب علينا الغوص أيضا إلى أسباب تفكيرهم واعتقادتهم ودوافهم فيها علينا القرب من العجائز والطاعنين في السن لنوسع مداركنا ونثقف وعينا ولتصبح ادمغتنا وعقولنا مزيج معاصر بين الماضي والحاظر بين الأصالة في الإعتزاز بأسلافنا وبين فخرنا بعلمنا وإدراكنا .
بلادنا مليئة بالموروث الشعبي والمكتض في كل الجوانب والمجالات، ولو أنها عنيت بالإهتمام والرعاية والتدوين للأعراف والترميم للمناطق والأماكن لأصبحت اليمن كتلة متكاملة من التاريخ العبقري والتقاليد العظيمة ولأصبحت أسطورة لآخر الزمان.

 

*كاتبة يمنية







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي