الاحتجاجات ضد عنصرية الشرطة في أمريكا.. لماذا هي مهمة للعالم؟

مصدر: Why the U.S. protests matter to the worl
2020-06-06

نشرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية مقالًا للكاتب الصحفي إيشان ثرور تحدث فيه عن الاحتجاجات الصاخبة التي تشهدها الولايات المتحدة منذ أيام ضد العنف العنصري، والتي تخللها أعمال شغب وعنف وصدامات بين المتظاهرين وقوات الشرطة، وذلك في أعقاب حادثة وفاة جورج فلويد الشاب الأمريكي ذي الأصول الأفريقية على يد رجل شرطة أبيض في مدينة مينيابوليس.

وفي مستهل مقاله، شدد الكاتب على أن الولايات المتحدة باتت يُنظر إليها على نحو متزايد على أنها أمة تعاني من انهيار داخلي كارثي. وفي حين هزت الاحتجاجات ضد عنف الشرطة والعنصرية المنظمة أرجاء عشرات المدن الأمريكية، خرج وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب ليتحدث عن الأزمة من موقعه على الجانب الآخر من بحر الظلمات بلغةٍ يشيع استخدامها تستخدم عند مناقشة الصراعات المستعصية في أماكن أخرى من العالم.

وصرَّح لـ بي بي سي يوم الأحد قائلًا: «نريد أن نرى تهدئة للتصعيد في كل تلك التوترات وأن يجتمع الأمريكيون على كلمة سواء».

العنف العنصري واهتمام عالمي

وذكر الكاتب أن راب لم يكن متفردًا فيما ذهب إليه؛ إذ أرسل المتحدث باسم المفوضية الأوروبية بيانًا غير عادي عبر البريد الإلكتروني حول الشؤون الأمريكية إلى الصحفيين، مشيرًا إلى أن المسؤولين في بروكسل يأملون في التوصُّل إلى «تسوية لجميع القضايا» المتعلقة بالاحتجاجات «بسرعة واحترام كامل لسيادة القانون وحقوق الإنسان».

وجاء ذلك في أعقاب بيان صدر يوم الجمعة عن موسى فكي محمد، رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، الذي دان قتل جورج فلويد، وأعرب عن أسفه «لاستمرار الممارسات العنصرية التمييزية ضد المواطنين السود في الولايات المتحدة الأمريكية».

وقال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس يوم الثلاثاء إن الاحتجاجات الشعبية في أمريكا «مُتفهَّمة وأكثر من مشروعة». وأضاف: «لا يسعني إلا أن أعرب عن أملي في ألا تستمر الاحتجاجات السلمية في أن تؤدي إلى العنف، بل وآمل في أكثر من ذلك وهو أن يكون لهذه الاحتجاجات تأثير على الولايات المتحدة».

وأوضح الكاتب أن الاضطرابات الدائرة في المدن الأمريكية اسْتَرعت الاهتمام العالمي لأسباب بعضها مألوف وبعضها الآخر جديد. وأسَرَت الأحداث الدرامية التي تقع على أرض القوة العظمى الوحيدة في العالم لُبَّ الجماهير من بلادٍ أخرى على نحو أكبر بكثير من غيرها من الأحداث؛ إذ إن الأحداث المثيرة للدول الأخرى لا تخترق حجب دوريات الأخبار المعزولة غالبًا في أمريكا إلا بين الفينة والأخرى.

وفي بعض الحالات، أدى الغضب العارم على مقتل فلويد -الذي زاد من حدَّته مقاطع الفيديو المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي في جميع أنحاء العالم حول الحادث والاحتجاجات المتنوعة التي تلت ذلك- إلى تشجيع الحركات الموجودة لمواجهة العنف العنصري والتمييز ضد الأقليات.

في أستراليا، حيث وُضِعت الخطط للاحتجاجات التضامنية الجديدة هذا الأسبوع، أعادت الاضطرابات في الولايات المتحدة إحياء المحادثات حول الإجراءات التي تتخذها الشرطة من العنف العنصري ضد مجتمعات السكان الأصليين المهمشين منذ فترة طويلة في البلاد، وعلى وجه الخصوص، الحادث الذي وقع في عام 2015 والذي شهد وفاة ديفيد دونجاي جونيور، 26 عامًا من السكان الأصليين، أثناء احتجازه على يد الشرطة الأسترالية.

التذكير بمآسي الماضي

وأشار الكاتب إلى قول بول فرانسيس سيلفا، ابن أخو دونغاي، «يتملَّكنا الغضب مما يحدث في مينيابولس، لكننا ورفاقنا هنا في أستراليا بحاجة إلى اتخاذ موقف معًا… لأن العنصرية والظلم ضد شعبنا لا تخطئهما العين»، حسبما ذكرت محطة إيه بي سي الأسترالية.

وفي فرنسا أيضًا، أعاد موت فلويد ذكريات حادثة 2016 التي مات فيها أداما تراوري، البالغ من العمر 24 عامًا من ضواحي باريس، بسبب الاختناق بعد أن احتجزته قوات الشرطة. وقد أثارت قضية تراوري، كما أخبرني زميلي جيمس ماكولي في ذلك الوقت، ظهور حركة Black Lives Matter (حياة السود مهمة) الخاصة بفرنسا.

وكتبت مجموعة دعم تراوري على فيسبوك الأسبوع الماضي: «كيف يمكن للمرء ألا يسرح بخياله مفكرًا في معاناة أداما الرهيبة عندما كان ثلاثة من ضباط الشرطة يكتمون أنفاسه وهو يردد: «لا يمكنني التنفس». لقد كان اسمه جورج فلويد، الذي مات مثل أداما بسبب أنهما من السود».

وأوضح الكاتب أن هذا الشعور بالظلم والتضامن أعلى صوت الاحتجاجات في تورونتو وبرلين ولندن والمدن الغربية الأخرى. يقول عن ذلك فولفجان إيشنجر، السفير الألماني السابق في واشنطن ورئيس مؤتمر ميونيخ الأمني لنيويوركر: «يدرك الناس في جميع أنحاء العالم أن الفوز في معاركهم الخاصة من أجل حقوق الإنسان ومن أجل المساواة والإنصاف سيصبح أكثر صعوبة إذا خسرنا أمريكا باعتبارها البلد الذي انطلق منه شعار «لدي حلم» (إشارة إلى خطاب مارتن لوثر كينغ التاريخي ضد العنصرية في الستينات) وأصبح واقعًا وبرنامجًا سياسيًّا عالميًّا.

ونأمل أن تساعد المظاهرات والاحتجاجات في جميع أنحاء العالم في تذكير واشنطن بأن قوة الولايات المتحدة الناعمة هي ميزة فريدة، والتي تميز أمريكا عن غيرها من القوى العظمى الأخرى، من الصين وروسيا حتى أوروبا. وسيصبح الأمر مأساويًّا إذا حوَّلت إدارة ترامب الفرصة الكبيرة السانحة للولايات المتحدة إلى تنازل أخلاقي».

الأمر يتعلق أيضًا بترامب

ولفت الكاتب إلى أن أحد أبعاد رد الفعل العالمي يستغل المواقف اليسارية الطويلة الأمد تجاه الإمبريالية الأمريكية في الخارج والنفاق في الداخل. وازدادت حدة رد الفعل هذا بسبب الكراهية الشديدة للرئيس ترامب.

وفي إشارة إلى مظاهرات التضامن في برلين، يقول مارسيل ديرسوس، الزميل غير المقيم في معهد السياسة الأمنية بجامعة كيل لقسم تودايز وورلد ريفيو بصحيفة واشنطن بوست: «لكن الأمر يتعلق أيضًا بترامب، الذي لا يحظى بأي شعبية في ألمانيا لدرجة أنه جعل كثيرًا من الناس يكرهون أمريكا برمتها.

وأعتقد أن كثيرًا من الناس افترضوا أن أمريكا قد وصلت بالفعل إلى الحضيض خلال العامين الماضيين، ولكن بعد ذلك أثبت ترامب أنهم مخطئون من خلال طريقة تعامله مع الجائحة وهذه الاحتجاجات».

وبالإضافة إلى ذلك، هناك حقيقة أخرى مفادها أن النسخة التي يتبناها ترامب من القومية المتطرفة، تشق لنفسها طريقًا بسهولة أكبر مع الانقسامات المتزايدة في البلدان الأخرى، إذ رفع الرئيس الأمريكي صراحةً لواءَ التضامن مع الحركات اليمينية المتطرفة في أوروبا. ويمكن أن يكون العداء لأمريكا في ظل قيادة ترامب وسيلة للمظالم المحلية أيضًا.

وقال دانييل نيكسون، العالم السياسي بجامعة جورجتاون، خلال ندوة عبر الإنترنت يوم الإثنين، «من المهم أن تكون الترامبوية (السياسات التي يدعو إليها دونالد ترامب) جزءًا من حركة أوسع عابرة للحدود. والاستقطاب السياسي الأمريكي الآن يتماشى مع السياسة في أماكن أخرى».

واستدرك الكاتب قائلًا: لكن الاحتجاجات في الخارج قد تعكس أيضًا الإعجاب الدائم بالولايات المتحدة. عن ذلك، يقول الصحفي البريطاني بن جودا لـ تودايز وورلد ريفيو: «يبدو أن أولئك المشاركين في المسيرات الاحتجاجية يظهرون مدى المغزى الأخلاقي لفكرة (أمريكا الجيدة) في أوروبا». وأضاف أن احتجاجات عطلة نهاية الأسبوع في أماكن مثل ميدان الطرف الأغر (ترافالجار) في لندن أو عند بوابة براندنبورغ في برلين يمكن أن تعكس اندماجًا من نوع جديد عبر الأطلسي.

واختتم الكاتب مقاله بقول بن جودا: «ومن المفارقات، أنه مثلما ينهار الغرب الأيديولوجي القديم لمجموعة الدول الصناعية السبع (جي-7) والمثقفين عبر الأطلسي ومراكز الأبحاث التي تركز على الناتو، فإن نوعًا جديدًا من الخبرة عبر الأطلسية، نشأ من عالم إنستغرام وعالم تيك توك الافتراضي، أصبح واقعًا».







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي