لا أحد يشكّ بأنّ الفضائيين يمكن أن يزورونا

2020-05-31

في مواجهة المجهولطاهر علوان*

 

هل نتيح لخيالنا أن يحلّق بعيدا باتجاه أن هنالك فضائيين يترصّدوننا ويتحيّنون الفرصة للنزول بأطباقهم الطائرة فيختطفون من يشاؤون؟ هذه القصة تكرّرت كثيرا بل إن هناك من يؤكّد أنها موجودة بالفعل، وأن هناك أشخاصا قد تم اختطافهم فيحصل إما تغييبهم وإما إعادتهم.

لندن - في مسار قصة اختطاف الفضائيين للأرضيين يقدّم المخرج إيريك ديموسي في فيلم “قريب”، عملا سينمائيا يبدو للوهلة الأولى مرتبكا، ابتداء من العناوين المكتوبة بحروف ضخمة تملأ الشاشة والموسيقى التصويرية الصاخبة وغير المنتقاة بعناية، لكننا سوف نتغاضى عن تلك الهنات مع تتابع أحداث الفيلم.

القصة التي تكرّرت معالجتها في العديد من أفلام الخيال العلمي والمرتبطة باختطاف البشر من قبل الفضائيين والأطباق الطائرة يعرضها المخرج وهو نفسه كاتب السيناريو، ويبدأ من الذروة؛ من وقائع اختطاف تقع في زمن سابق أثناء عمل قاطعي الأشجار في الغابات، حيث سيكون هناك من تم اختطافه أو من شهد العملية بالفعل.

ثم لا نلبث أن ننتقل إلى الزمن الحاضر لنربط قصة الاختطاف الفضائي بشخصية الشاب إسحاق (رايان ماسون) وهو باحث في وكالة ناسا في مجال تقنية الكمبيوتر والبرمجيات، يتمتع أيضا بقدرات خاصة خارقة كتحريك الأشياء عن بعد أو السيطرة عليها.

ويتحوّل إسحاق إلى محور أساسي في الفيلم، إذ يتم اختطافه من قبل الفضائيين، فضلا عن مراهقة مرتبكة يعيشها سابقا؛ وها هو يحاول التخلّص من وضع نفسي اكتئابي عندما يتجه لحمل الكاميرا ليوثّق يومياته. لكنه لم يتوقّع أنه سوف يشاهد طبقا طائرا وكائنا فضائيا، فيقوم بتصوير كل ذلك.

لن يصدّق أحد رواية إسحاق ولا ما صوّره حتى أنه يظهر في برامج تلفزيونية فتتمّ السخرية منه، والتشكيك في ما وثّقه بالقول إن ما يعرضه هو مقطع فيديو مفبرك يمكن تركيبه في كمبيوتر بسيط.

وتعجّ مواقع التواصل الاجتماعي بالتعليقات التي تسخر من رواية إسحاق حتى يلتقي بكاتب وروائي يعلن أنه يؤمن بما قاله ويصدّقه، وأنه سوف يقوم بحملة في هذا الاتجاه، ومنذ لقائه بالكاتب تبدأ رحلة المعاناة بالنسبة لإسحاق، إذ يلاحقه الفضائيون وآخرون يعملون في مشروع سري.

الفيلم يقدّم قصّة حب بين شاب وفتاة تعرّضا لخطف من الفضائيين وسط تنوّع ملفت للأماكن والأحداث

والحاصل أن المخرج يصنع جوا كاملا من المغامرات والانتقالات المكانية وصولا إلى الانتقال إلى كندا في إطار الهروب من تعقّب شبكة متطوّرة من المكلفين بالقبض على من يدلون بمعلومات تتعلّق بالاختطاف.

يصنع المخرج نسيجا صوريا وتحوّلات وأحداثا تم بناؤها بشكل موضوعي ومتماسك، وكان اختياره للممثل رايان ماسون لأداء شخصية إسحاق في مكانه، حيث يتكامل أداؤه بعد تعرّفه على سارة (الممثلة هيغدي كوان) واختيارها أيضا لأداء هذا الدور كان موفقا تماما.

هيغدي كوان (سارة) ورايان ماسون (إسحاق) يؤدّي كلاهما أحد أجمل الأدوار في حياتهما، إذ يعبّران عن هلع حقيقي بسبب ملاحقة الفضائيين وأصحاب المشروع السري لهما، ولهذا سوف يرحلان باتجاه كندا وفي وسط الغابات يلتقون مع كارل (الممثل دان سكريبنر) الذي أصبح اختصاصه توثيق الأصوات القادمة من الفضاء الخارجي، وصولا إلى دخول فضائيين حقيقيين إلى منزله وحوار الجميع معهم.

حملات التكذيب التي تعرّض لها إسحاق تكون قد أفقدته الثقة بالمؤسسات والشخصيات الرسمية، إذ إنهم يرفضون الإصغاء إليه والكشف عن معاناته، ثم يظهرون الوجه الأقبح بالسعي لاغتياله لكونه قد نال مرتبة مهمة نتيجة اطلاعه على أسرار تتعلّق بمشروع استخباري – فضائي على درجة عالية من السرية.

ومن جانب آخر، تؤكّد الشخصيات، وخاصة إسحاق وسارة أنهما قد اختفيا لبضعة أيام، ولكن إحساسهما بالزمن يكون قد توقّف، وتلك إشكالية أخرى، بينما يكونان قد غابا عدة أيام.

لا شك في أن مسألة الإحساس بالزمن كانت ولا تزال هي إحدى القضايا الإشكالية المربكة، ولهذا تبدو مسألة انتقال إسحاق وسارة إلى كندا امتدادا للمشكلة، أضف إليها ظهور زميلين آخرين إلى جانبهما بما يقوّي موقفهما وهم ينتظرون العد التنازلي لقدوم ضباط ومسؤولي ذلك المشروع الفضائي.

وتبرز هنا مسألة الإقناع التي يوفّرها فيلم الخيال العلمي، فالكثير من هذه الأفلام يبدو مفبركا ومن الصعب تقبّل الشخصيات والأحداث وحتى الصورة على أنها ضرب من الخيال العلمي، أما في هذا الفيلم فقد توفّر هذا العنصر وبشكل مميز.

ومن ذلك الأجواء العامة لجهة استخدام التقنيات الرقمية والخرائط الفلكية والإحداثيات وعمليات التعقّب، وكذلك مظهر الحراس الرقميين وصولا إلى الجلوس مع الفضائيين على طاولة واحدة وهم يردّدون أصواتا تتمّ ترجمتها، وحتى شكل الفضائييْن الاثنين بدا مقنعا، بل غدا ظهورهما مميزا وفيه مسحة من الابتكار.

تميز فيلم “قريب” بالتنوّع على جميع المستويات ومنه التنوّع في الأماكن واستخدام عنصر الحركة والمطاردات والمشاهد الخيالية، كمثل الطبق الطائر الضخم الذي ظل يحوم في السماء ويظهر بين حين وآخر، ثم التنوّع في العلاقة بين الشخصيات وتطوّر العلاقة بين سارة وإسحاق وتحوّلها بالتدريج إلى علاقة حب، وقد أحسن المخرج في اختيار الممثلين الشابين.

ثم كان التنوّع في السرد الفيلمي من وجهات نظر متعددة، فالمخرج انتقل بنا إلى ذلك المجتمع السرّي الذي يقود مشروع الفضائيين أو يساعد فيه، وبدا أولئك الحرّاس الأشداء هم الآخرون كما لو كانوا كائنات روبوتية.

 

*كاتب عراقي مقيم في لندن

 








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي