متعة بصرية و فن بلا أدوات.. كيف نُقل التاريخ عبر جدران الكهوف؟

2020-05-31

منذ آلاف السنين وقبل أن تظهر القراءة والكتابة أو حتى تتكون اللغات حاول الإنسان البدائي تدوين تاريخه بطريقة بسيطة نرى من خلالها نحن اليوم في القرن الحادي والعشرين كيف كان يعيش، وما هي طبيعة حياته.

نقوش وصور بسيطة لحيوانات برية وأدوات صيد وحتى نسخ لأيدي بشر مرسومة على جدران كهوف توضح لنا الكثير عن حياة الإنسان البدائي.

لقد كان إنسان العصر الحجري مثله مثل إنسان العصر الحديث في حاجة للجمال أو المتعة البصرية، وأراد أن يزين مسكنه فنقش ورسم على جدران الكهوف صورا تروي طبيعة الشعائر الدينية وطقوس الصيد وأشكال الفرائس مثل الظباء والغزلان وحتى الحيوانات المفترسة، وقد كانت تلك هي أكثر التمثيلات شيوعا.

ويرى المؤرخ الفني ماثيو أ. ماكنتوش أن فن العصر الحجري يمثل الإنجازات الأولى في الإبداع البشري قبل اختراع الكتابة، وأن أكثر ما يميز تلك الرسوم -التي يطلق عليها فن ما قبل التاريخ- أنها كانت ترسم بشكل تجريدي لا يميل للواقعية.

لقد كان إنسان العصر الحجري منذ أربعين ألف سنة أو يزيد يميل لاستخدام خطوط بسيطة لرسم عناصر القصة التي يريد أن يسجلها على جدران الكهوف، فالسمة الأساسية لفن ما قبل التاريخ هي عفوية تصوير العناصر المرصودة.

ووفقا لماكنتوش، فإن البشر في تلك الفترة وللمرة الأولى بدؤوا في إنتاج أعمال فنية دائمة للتعبير عن ذواتهم وحياتهم بلا أي غرض آخر يخدم رغبتهم في البقاء.

لقد كانت بورتريهات البشر لأنفسهم في تلك الفترة نادرة، وعادة ما كانت ذات طبيعة رمزية، لذلك كانت نسخ كفوف الأيدي نفسها شائعة جدا، وكانت الألوان المستخدمة في تلك الفترة عبارة عن أصباغ حمراء وصفراء من المنغنيز أو الكربون الأسود، وقد تم تطبيقها باستخدام أصابع اليد.

سمات فنية مشتركة

ظهرت نفس "لغة الصورة" -على حد تعبير ماكنتوش- مرة أخرى منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى أواخر العشرين، فقد كان جزء ضخم من التشكيل في الفن الحديث عبارة عن صور تعبيرية عفوية وألوان حارة تميل إلى البساطة المفرطة تحاول التعبير عن المشاعر والعواطف بأسلوب ذاتي دون التقيد بأي واقعية، ويظهر ذلك جليا في إنتاج حركات فنية مثل التعبيرية والتعبيرية التجريدية والتكعيبية.

"في لحظات حرجة من تاريخ الفن الحديث عاد الرسامون إلى استخدام تقنيات فنية تعود لمرحلة ما قبل التاريخ لدفع الفن نحو الأمام، إلى مناطق جديدة ومثيرة" هذا ما قاله عالم الآثار جورج ناش الذي يرى أن الخلفيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والطقوسية التي دفعت الفنانين إلى النحت والرسم في العصر الحديثة تتشابه مع تلك التي دفعت البشر للنقش والرسم على الصخور فيما قبل التاريخ.

فكلا الفريقان أراد أن يعبر عما يعتمل في صدره، وأن يقول عن طريق الرسم "أنا كنت هنا، لقد شهدت على هذا وذاك".

ومنذ مطلع القرن العشرين بدأت حركات الفن الحديث تميل نحو التعبير الحر في اللوحات، وقد ظهرت حركات فنية متتالية تعد انعكاسا واضحا لحالة من التيه عاش فيها الإنسان الحديث، فعالم الحداثة حتى وإن شهد تراجع الميتافيزيقيا لحساب نظريات علمية حديثة فقد انقضى ممهدا الطريق لظهور ما بعد الحداثة.

ولعل أبرز ما يجمع بين فني ما قبل التاريخ وما بعد الحداثة هو حالة التيه التي عاش فيها إنسان كلا العصرين من حيث البحث عن معنى للعالم والمحاولات المستميتة في الوصول لإله في خضم معارك يومية حامية الوطيس من أجل البقاء.

فإذا كان إنسان ما قبل التاريخ يصارع من أجل البقاء على قيد الحياة في ظروف طبيعية وبيئية شديدة القسوة فإن الإنسان الحديث يصارع بدوره في خضم حروب عالمية محاولا الوقوف على معنى يبرر الوجود ذاته.

بابلو بيكاسو اعتمد في العديد من رسوماته التعبيرية عن مصارعة الثيران على أسلوب فن الكهوف 

رسومات مقتبسة

وعلى سبيل المثال، اعتمد بابلو بيكاسو -وهو من أشهر رواد الفن الحديث- في العديد من رسوماته التعبيرية عن مصارعة الثيران على أسلوب فن الكهوف، وكان يرى أن هذا الأسلوب المجازي أكثر قدرة وبلاغة في التعبير عن التعقيدات الرمزية لأي عمل فني.

كما اعتمد الفنان المكسيكي روفينة تامايو في لوحة "الجرو الغاضب" 1983 مزيجا من التقنيات التصويرية بأسلوب تعبيري تجريدي (روحي) لسرد قصة مهاجمة كلب تماما مثل لوحات الكهف في شوفيه في فرنسا.

ووفقا لغوغل للفن والثقافة، مال التكعيبيون لرسم الأشخاص والأشياء في هيئة أشكال هندسية، معتقدين أن هذا يعبر بشكل روحي عميق عن طبيعة النفس البشرية، وكانوا متأثرين في ذلك بالفنون الأفريقية ما قبل التاريخ والتي كان معظمها عبارة عن أشكال بسيطة على سطح ثنائي الأبعاد.

وكانت فنون ما قبل التاريخ مصدر إلهام كبير للعديد من حركات الفن الحديث، ويمكن القول إن تلك الحركات وجدت في البساطة المفرطة التي استخدمها الإنسان البدائي في التعبير وسيلة للتعبير عن اضطرابات القرن العشرين بالغة التعقيد.

وفي بعض الأحيان يكون تأثير رسوم الكهوف على الفن المعاصر واضحا جدا بحيث يكون من الصعب التمييز بينهما، حسب غوغل للفن والثقافة.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي