"مفسّرون".. فضائيون يقلبون حياة قرية آمنة إلى جحيم

2020-05-26

جرائم قتل يلفّها الغموضطاهر علوان*

 

الفضائيون يزوروننا أو يعيشون بيننا، هم كامنون في مكان ما يتنصّتون ويراقبون، يتدخّلون ويختفون. تلك هي فرضية من بين العديد من الفرضيات التي ترتبط بالعوالم الأخرى، وخاصة ما يتعلق بالفضائيين المتطوّرين الذين يتسللون إلى كوكبنا الأرضي من كواكب أخرى.

لندن- فكرة تسلل عدد من الفضائيين إلى كوكب الأرض، والعيش بيننا، ثيمة لطالما وجدت لها مكانا أثيرا في سينما الخيال العلمي، وفي فيلم “مفسّرون” للمخرج مايكل رايان، الذي كان مبرمجا للعرض خلال النصف الأول الحالي من هذا العام لولا جائحة كورونا. يسير على المسار نفسه من حيث الفكرة والموضوع. لكنه يقدّم قصة سينمائية مغايرة تمتزج بالرعب والجريمة.

الفضائيون هنا ليسوا مثل “إي تي” المخرج سبيلبيرغ، بل هم أشرار وقتلة ومرتبطون ببرنامج متقدّم يتآمر فيه البشر على البشر في منظومة خاضعة بالكامل للفضائيين. هم في إسرافهم في القتل يختارون ضحاياهم بعناية ويمضون في غاياتهم التي قسم منها اختبارات وتجارب على قدرات البشر.

نحن الآن في قرية اسمها سولين، محدودة السكان، يأتيها ساكن جديد هو مارك فروست (الممثل آس موريرو) ينشد الهدوء بعد تقاعده المبكر من حقل العمليات الخاصة والسرية والقتل المبرمج لحساب جهة ما مخابراتية أو أمنية.

قبل ذلك، سوف نشاهد آخر العمليات التي شارك فيها مارك في وسط أراض قاحلة حيث يكتشف هو وزميل له مقتل جنود في ثكنة عسكرية بطريقة مريبة، ويحاول التوصل إلى نتائج التحقيقات وحيث عمليات القتل تمّت بطريقة غريبة منه صعق العيون وقطع الأصابع وما شابه. لكنه يشعر أن هناك تواطؤا ومؤامرة ما خلف الموضوع، فيستقيل.

تشهد القرية جرائم قتل متتابعة تثير الهلع ويعجز مسؤول الشرطة في القرية بالقدرات والموارد المحدودة التي يمتلكها من الوصول إلى خلفيات تلك الجرائم، فيلجأ إلى مارك طالبا المساعدة.

يتدخّل مارك بالخبرات المهمة التي يمتلكها في التحرّي والعمليات الخاصة ليكشف أن من يقوم باغتيال نساء القرية، هم أشخاص ذوو قدرات خاصة خارقة، ثم تتوالى الحقائق المرعبة في تواطؤ عمدة المدينة وسماسرة في شبكة معقدة يتوغل فيها مارك ولا يستطيع الخروج منها.

المخرج مايكل رايان اعتمد في"مفسّرون" انتقالات مكانية وبين الشخصيات فيها الكثير من التسرّع والسطحية مما أخل بإيقاع الفيلم

ولعلّ معالجة قصة من هذا النوع وتقديمها بأسلوب مشوّق ومؤثّر تحتاج إلى أسلوب يخرج عمّا ألفناه من قصص زيارات الفضائيين أو تسللهم إلى الأرض، ولهذا فقد كان من نقاط ضعف هذا الفيلم هي البداية أو التأسيس المرتبك للأحداث، إذ تلي عملية اغتيال جنود الثكنة العسكرية سلسلة مشاهد غير مشبعة مونتاجيا مع أن المخرج هو في الأصل مونتير محترف.

انتقالات مكانية وبين الشخصيات فيها الكثير من التسرّع والسطحية حتى نصل إلى انطلاق جرائم القتل، وعندها يستقر الإيقاع الفيلمي وننتقل إلى تحريات مارك التي أضافت ثقلا مهما للفيلم.

مارك الذي يعيش وحيدا تم تقديمه خارج الإطار الاجتماعي، فلا تعرف له أسرة ولا انتماء ما، بل إن لديه بحسب مأمور الشرطة ملفا سريا مجهولا، وعندما يطلب منه الكشف عنه يتحدّث عمّا جرى من التنصل عن كشف نتائج التحقيقات في مقتل جنود الثكنة العسكرية.

والأدهى، أن الأمر تعدّى التساؤل عن حقيقة شخصية مارك إلى اتهامه من قبل مأمور الشرطة بأنه هو شخصيا يمكن أن يكون مشتبها به في جرائم القتل المبهمة التي لا تُعرَف أهدافها، فلا هي بدافع السرقة ولا الاغتصاب ولا أي شيء آخر.

على أن التحوّل الدرامي الذي يصنعه مارك هو وصوله إلى قائمة بأسماء النساء المرشحات للقتل، ومنهنّ زوجة مأمور الشرطة نفسه بعد قتل شقيقتها بنفس الأسلوب. ثم قيامه بعملية جريئة في التسلل إلى إحدى المنشآت السرية، حيث سوف يتوصّل إلى الكثير من الحقائق وحل الألغاز المرتبطة بالفضائيين والتي تنتهي بمواجهة حاسمة معهم في نهاية الفيلم. لكنها مواجهة ذات نهاية مفتوحة.

 

على صعيد السرد السينمائي، فالملاحظ أن السيناريو بني على أساس إضفاء الكثير من الغموض بالنسبة لمسار الشخصيات، وهو ما لم يخدم الفيلم بحال من الأحوال، فمشكلة المزج ما بين الرعب والجريمة والخيال العلمي يتطلب استثمار أفضل ما في كل نوع من الخصائص السردية على أن تبقى الأهمية للخيال العلمي شكلا ومعالجة وموضوعا.

والملاحظ في هذا الإطار التنوّع الزماني والانتقالات ما بين أزمنة مختلفة. لكن تلك الانتقالات لا تضمن تحوّلات كبيرة كما أن نسيج العلاقة بين الشخصيات كان بحاجة إلى المزيد من التجذير والتعمّق، إذ بدت علاقة الشخصيات ببعضها أكثر هشاشة وسطحية ابتداء من علاقة مأمور الشرطة بزوجته وبشقيقتها، ثم الظهور الغريب والمفاجئ لريسنور (الممثلة إيرين ستكمان) في القسم الأخير من الفيلم لتنظم إلى مارك في التحرّي.

وفي خلال ذلك كله، يحسب لفروست (الممثل آس موريرو) كونه الشخصية الدرامية الأكثر أهمية وتعبيرا عن موضوع الفيلم، وأداؤه كان متميزا عن الجميع منذ المشاهد الأولى ثم انتزاعه دور التحرّي من مأمور الشرطة. لكن في المقابل تخلّى المخرج عن الاقتراب من الشخصيات والكشف عن تفاصيلها في ظل انهماكه بالمشاهد العديدة القائمة على الانتقالات الكثيرة من دون التركيز (الفوكس) على كل شخصية في حدّ ذاتها.

 

كاتب عراقي مقيم في لندن







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي