سينماتشكيلمسرحموسيقىتلفزيوننجوم أخبار فنيةلحنشاهدنحتسينما الخيال العلميرأي فنيأفلام وثائقيةمهرجاناتأفلام وجوائز

الإنتاج الدرامي العراقي في رمضان: قفزة في الفراغ أم استعادة حضور؟

2020-05-21

 

 مروان ياسين الدليمي*

بدءاً لابد من الإشارة إلى أنه ليس هناك من أفق واضح للإنتاج الدرامي التلفزيوني في العراق، هذا ما يمكن التوصل إليه للوهلة الأولى، إذا ما حاول أي مراقب قراءة المشهد، ولا يأتي استنتاجنا هذا من باب التشاؤم، أو نتيجة تسرع في الحكم، بقدر ما يستمد حضوره من جملة معطيات يفرزها الواقع الإنتاجي، كمَّاً ونوعاً. والمسألة تتعلق بعجلة إنتاج متعثرة في دورانها، وإذا ما سارت فإن سيرها بطيء ولا يستطيع مواكبة الآخرين في سرعة تحركهم في الدول المجاورة.

الإنتاج الفني في الدول المجاورة

أحيانا يبدو الإنتاج العراقي أشبه بجسد يعاني من مرض مزمن، يحتاج إلى جرعات دائمة من الدواء، حتى يستطيع أن يسترد القليل من القدرة على التنفس، ومع ذلك فهو غير قادر على أن يمشي سريعا. البعض ممن لا يملك تصورا أو مرجعية عن طبيعة هذا الإنتاج والإشكالات التي يعاني منها، والتباين الواضح في مستواه الفني، قد يتساءل في ما لو تمت مقارنته مع إنتاج دول عربية أخرى، كانت ولفترة قريبة جدا لا تملك حضورا يُذكر في ميدان المنافسة على شاشة الفضائيات، مثل لبنان ودول الخليج العربي، إذا ما قورنت بالعراق قبل ثلاثين عاما، بينما اليوم لم يعد بالإمكان تجاهل ما تشهده هذه البلدان من نمو في مستوى إنتاجها، مع الأخذ بنظر الاعتبار وجود نقاط عديدة تسجل عليها، في مقدمتها طبيعة الأفكار والموضوعات، التي يطرحها نتاجها الفني، والتي غالبا ما تبدو تقليدية، وتقفز فوق أزمات الواقع، لتبقى محصورة في إطار بنية نمطية من الدراما العائلية، لا تخرج عن دائرة ما يجري من صراع شكلي بين الآباء والأبناء، ومشاكل الميراث، إلى غير ذلك من هذه القراءات المستهلكة للواقع، التي عادة ما تستعين بقوالب جاهزة للتعبير عن هذا الصراع.

لكن نمو الإنتاج وتطوره في هذه البلدان من الإجحاف عدم الإشارة إليه، وملاحظته في مجمل حلقات الإنتاج وأدواته الفنية، مثل التصوير وإدارة الممثلين، والإخراج، والإضاءة، ومجمل عناصر الإنتاج من الناحية التقنية، وبهذا السياق يتم تقديم أعمال، بين فترة وأخرى، يتوفر فيها قدر من الجرأة، يقف خلف طرحها ممثلون نجوم يتمتعون برصيد جماهيري في الوسط الخليجي والعربي، مثل السعودي ناصر القصبي، إذ لم يتردد، وبالتعاون مع المؤلف خلف الحربي، شريكه في معظم أعماله في أن يلامس قضايا في غاية الحساسية في المجتمع السعودي، بالتالي أفرزت بعد عرضها ردود أفعال قوية، اتسم جانب كبير منها بالغضب والاستهجان والرفض الشديد، آخرها كان مسلسل «مخرج 7 « الذي بدأ عرضه مع بداية شهر رمضان عندما تناول قضايا مثل التطبيع مع إسرائيل، والمثليين، وهروب فتيات خليجيات إلى كندا خلاصا من القمع الأسري والمجتمعي، وإذا ما استعرضنا القضايا الحساسة التي طرحها في مجمل أعماله، فإننا سنقف أمام مسيرة فنية تستحق الإشادة، سواء اتفقنا أو اختلفنا معه في رؤيته لبعض الأفكار التي تناولها، إدراكا منا لصعوبة المهمة التي اضطلع بها.

غياب الشركات الأهلية

وإذا ما ذهب حديثنا ناحية الجهات المنتجة في الخليج العربي، وبقية البلدان العربية، سنجدها تتمثل في شركات تابعة للقطاع الخاص، أي أنها شركات أهلية، ومن النادر أن تساهم الدولة في عملية الإنتاج الدرامي، ولعل هذا واحد من الأسباب المهمة التي ساعدت في نموه، وتحسن مستواه الفني، طالما أن عنصر التنافس، دخل وبقوة في سوق الإنتاج والتوزيع، وبات يفرض على الشركات مسؤولية أن ترتقي في نوعية إنتاجها، حتى تستطيع أن تنافس وتستحوذ على مساحة في فترة البث الفضائي، فالشركات الأهلية في الخليج ولبنان وسوريا هي العنصر الأساسي في الحلقة الإنتاجية، مثلما هي في مصر العريقة بهذه التقاليد، والتي انتقلت بها من عراقة إنتاجها السينمائي إلى الميدان التلفزيوني.

مقابل ذلك لم تتبلور في العراق حتى هذه اللحظة فكرة تأسيس واعتماد شركات أهلية، بالشكل الذي يمكن أن تكون هي القاعدة لاستمرار الإنتاج ونموه، فقد تعود الفنانون في العراق الاستناد إلى الدولة، وانتظار دعمها منذ أن انطلق البث التلفزيوني في بغداد عام 1956.

أمس ونجاحات شركة بابل

في هذا السياق لابد من الإشارة إلى ما حصل من تحول ملحوظ مطلع ثمانينيات القرن الماضي، عندما تم تأسيس شركة بابل للإنتاج السينمائي والتلفزيوني، وهي شركة مختلطة، ساهمت الدولة بنسبة 60٪ من رأسمالها، وبقية النسبة كانت من حصة القطاع الخاص، فكان تأسيسها مقدمة لدوران عجلة الإنتاج والمساهمة في تقديم أعمال درامية مهمة، بعضها كان مشتركا مع فنانين عرب، مصريين وأردنيين وسوريين، وتمكنت من الارتقاء بمستوى الإنتاج الفني العراقي إلى الحد الذي بات لا يقل عن نظيره المصري، إن لم يكن ينافسه، كما هو الحال في مسلسل «حرب البسوس» تأليف ثامر مهدي، و«المتنبي» تأليف مالك المطلبي، وهناك أعمال أخرى أنتجتها الشركة، حققت نجاحا جماهيريا كبيرا، إضافة إلى ارتفاع مستواها الفني من حيث النص والإخراج وبقية العناصر، مثل «فتاة في العشرين» إنتاج 1979، تأليف صباح عطوان وإخراج عمانوئيل رسام. ومسلسل «النسر وعيون المدينة» إنتاج 1983 تأليف عادل كاظم، وإخراج المصري إبراهيم عبد الجليل.

 فشل المراهنة

على دعم الدولة

الإنتاج في العراق إلى ساعة سقوط بغداد تحت الاحتلال الأمريكي عام 2003 بقي معتمدا على دعم الدولة، وحتى بعد هذا التاريخ المشؤوم، فكان ذلك سببا رئيسا في أن لا يضع الفنانون العراقيون نصب أعينهم قضية البحث عن السبل التي تساعد على تطوير الإنتاج واستمراره، لأن الدولة لا تنتظر منهم أن يحققوا أرباحا مادية عندما تمول الإنتاج الدرامي.

العمل خارج العراق

بعد عام 2003 بدأت بعض القنوات الفضائية العراقية مثل قناة «الشرقية» و«السومرية» تنتج أعمالا درامية، خاصة بعد أن تسببت أحداث العنف الطائفي في العراق خلال الأعوام 2007 ـ 2008 في هجرة العديد من الممثلين والمخرجين إلى سوريا، فنشأ هناك نشاط إنتاجي عراقي، في بيئة وظروف مطمئنة، توفرت فيها مساحة من الحرية للعاملين، ولكن بعد انهيار الوضع الأمني في سوريا بعد عام 2011 عاد معظم الفنانين العراقيين إلى بلدهم، بعد أن اكتسبوا خبرة احترافية كبيرة من الفنانين السوريين في مختلف عناصر العمل.

خلال الأعوام التي أعقبت الثورة السورية، بدأ الإنتاج الدرامي السوري بالتراجع بشكل كبير، بعد أن كان منافسا قويا للإنتاج المصري، وكان ذلك فرصة مناسبة ليرتفع منسوب الإنتاج المصري بشكل ملحوظ، ولم يعد ممكنا أيضا مقارنة الإنتاج العراقي معه على ندرته، فالفارق بدا كبيرا جدا إذا ما قورن مع الإنتاج المصري والسوري، من حيث الكم والنوع، وبات من الصعب رؤية عمل عراقي على شاشة فضائية عربية، لشحة الإنتاج وتراجع مستواه الفني، ما أخرجه نهائيا من دائرة المنافسة والتواجد على شاشة الفضائيات العربية.

 

 

شهد المتفرج العراقي في رمضان هذا العام 2020 عددا من المسلسلات العراقية كانت على درجة مقبولة من النضج، خاصة في ما طرحته من أفكار، رغم الضعف الواضح الذي كانت عليه في جوانب درامية أخرى مهمة مثل الحوار، كذلك التمثيل الذي ما يزال يتسم بالمبالغة لدى غالبية الممثلين العراقيين

جدل في رمضان

مع كل رمضان يتجدد الحديث عن غياب الإنتاج الدرامي العراقي، وترتفع الأصوات مطالبة بدعمه، وتشهد مواقع التواصل الاجتماعي سجالات ساخنة، يشترك فيها فنانون ومثقفون وصحافيون وأناس عاديون، كلها تدور حول هذه المسألة، وفحوى هذه الحوارات تدور في إطار البحث عن الأسباب التي أدت إلى هذا التراجع والغياب عن منافسة الأعمال العربية، وفي ما لو صادف أن تمكن عمل عراقي من تحقيق قدر ملموس من الاهتمام لدى جمهور رمضان، آنذاك ستجد صفحات مواقع التواصل الاجتماعي مشغولة في الحديث عنه، كما لو أنه قضية وطنية سياسية، وليس قضية فنية، خاصة مع استمرار مسلسل الانكسارات التي يشهدها المواطن في الواقع العراقي، بسبب فساد النظام السياسي القائم، وهذا ما يدفعه إلى أن يتفاعل مع أي نجاح قد يتحقق هنا أو هناك، سواء في الفن أو غيره، في محاولة منه لكسر حالة الشعور بالإحباط إزاء الأوضاع العامة التي تحيط به.

 دراما رمضان 2020

ص

شهد المتفرج العراقي في رمضان هذا العام 2020 عددا من المسلسلات العراقية كانت على درجة مقبولة من النضج، خاصة في ما طرحته من أفكار، رغم الضعف الواضح الذي كانت عليه في جوانب درامية أخرى مهمة مثل الحوار، كذلك التمثيل الذي ما يزال يتسم بالمبالغة لدى غالبية الممثلين العراقيين، وفي هذه المسألة أحمل المخرجين مسؤولية ذلك، لأن المخرج هو الذي يفرض رؤيته في كل التفاصيل، وفي مقدمتها طبيعة الأداء، فإذا كان لا يمتلك معرفة في تقنية الأداء وكيفية قيادة الممثل وتنظيم أدائه وضبطه وفق رؤيته الفنية للشخصية، عندها سيكون أداء الممثل نابعا من قدراته وفهمه الذاتي، والعارف بثقافة الممثلين يدرك تمام أن معظمهم على قدر بسيط جدا من الثقافة والفهم لمهنته كممثل.

ومن الأعمال الجديدة التي بدأ عرضها في شهر رمضان مسلسل «بنج عام» تأليف أحمد وحيد، وإخراج علي فاضل، وبنيت حلقاته بصيغة الحلقات المنفصلة المتصلة، اي أن كل حلقة منفصلة عن الأخرى من حيث الفكرة، لكن جميعها تتصل في رصدها لواقع مجتمعي عراقي راهن، تظلله أزمات أمنية وقيمية، مثل العنف الموجه ضد المرأة والمتعلق بقضايا العفة والشرف، وعمليات الخطف المستمرة التي تقف خلفها ميليشيات مسلحة لا يردعها سلطة ولا قانون، وعنف لفظي موجه ضد أبناء المدن التي سبق أن احتلها تنظيم «داعش» واتهامهم بالتورط في دعم واحتضان التنظيم. وهناك مسلسل اخر عنوانه «كمّا مات وطن» إنتاج قناة الشرقية، إخراج سامر حكمت، وشارك في كتابة حلقاته مجموعة كتّاب شباب. وهذا العمل يعتمد أيضا أسلوب الحلقات المنفصلة المتصلة، وجميع الأفكار التي يطرحها تحاكي الواقع اليومي، ويحمل في معالجته الاخراجية رؤية نقدية ساخرة تصل حد القسوة، وباسلوب أقرب إلى الكوميديا السوداء، وبعض أفكاره كان جريئا في اقترابه من موضوع الضحايا الشباب الذين سقطوا قتلى في سوح التظاهر، التي عمت مدن العراق منذ مطلع عام 2020 ، وتجاوز عددهم 700 شاب، وهذه هي المرة الأولى التي تقترب فيها الدراما العراقية من قضية تركت جرحا عميقا في الوجدان الجمعي، لأن رد فعل الأجهزة الأمنية الحكومية والميليشيات الطائفية كان في غاية العنف والقسوة مع المتظاهرين السلميين، فجاء تناولها في إحدى حلقات المسلسل مؤثرا وعاطفيا، وإن حفل بضعف واضح في صياغة الحوار، خاصة في مشاهد الطبيب (ادى شخصيته الممثل إياد راضي) وحبيبته (أدت الشخصية الممثلة صبا) حيث بدا الحوار مكتوبا بلغة فارغة من المحتوى الدرامي، ولا تتوافق مع سلاسة وتركيب الحوار في الحياة الواقعية. كما أن كاتب الحلقة الشاب مصطفى الركابي استثمر أفكارا فنية سبق أن طرحتها السينما العالمية مثل قضية انفصال الروح عن جسد الإنسان بعد وفاته، كما في الفيلم الأمريكي « Ghost» إنتاج 1990 تمثيل ​باتريك سوزي وديمي مور. ويمكن القول بأن الركابي نجح في استعارة فكرة الفيلم وتوظيفها في قضية أرواح الشهداء الشباب العراقيين المتظاهرين، وأضفى لمسته الشخصية في معالجة واقع محلي عندما جعل أرواحهم تلتقي في الطابق الخامس عشر من بناية المطعم التركي، وسط ساحة التحرير، الذي يعد بؤرة تجمع المتظاهرين العراقيين ومواجهتهم لقمع السلطة.

 خطوات لابد منها

 رغم استقطاب المتلقي العراقي في رمضان 2020 بأعمال عراقية، الاَّ أن ذلك لا يكفي للشعور بالاطمئنان، ولأجل أن يتحول هذا الشعور إلى حقيقة ملموسة يحتاج العاملون في هذا الحقل، إلى أن يبادروا في تأسيس شركات إنتاج، تعيد هيكلة العمل، وتضعه على أسس سليمة، تراعي فيها الجودة الفنية لضمان التسويق وتحقيق الأرباح، إضافة إلى تعميق الكتابة الاحترافية عن طريق استقدام خبرات أجنبية وإقامة ورش مستمرة لتطوير المواهب الشابة، وأن ينتبه الممثل العراقي إلى أدواته في التعبير عندما يقف أمام الكاميرا، فيبتعد عن أساليب التعبير المسرحي في أدواته الجسدية والصوتية.

 

  • كاتب عراقي






كاريكاتير

إستطلاعات الرأي