بعد تجاذب الكمامة والعمامة.. مساجد باكستان مفتوحة بـ20 شرطا

2020-04-20

لم يصمد قرار الحكومة الباكستانية فرض قيود على صلاة الجماعة في المساجد بسبب وباء كورونا كثيرا، وقوبل برفض قطاع واسع من الشعب، إلى أن تم التوصل إلى صيغة توافقية أول أمس السبت قبل أيام من حلول شهر رمضان، تسمح بفتح مشروط للمساجد، بما يرفع الحرج عن الحكومة ويجنبها الصدام مع المصلين، في واحدة من أكثر المسائل حساسية في البلاد.

وتعود تلك الحساسية إلى جملة حقائق تتعلق بوضع باكستان التي تأتي في الترتيب الثاني بعد إندونيسيا في قائمة أكبر الدول الإسلامية سكانا بأكثر من 200 مليون نسمة، 97% منهم مسلمون. والإسلام هو الدين الرسمي للبلاد، وجزء من اسمها "جمهورية باكستان الإسلامية" الذي يعني باللغة الأردية "أرض الطهر"، حيث تحكم القيم الإسلامية الحياة الشخصية والعامة، وتسود أنماط من "التدين الشعبي" موزعة على فرق وجماعات مختلفة.

لم يكن غريبا والحال كذلك أن يواجه قرار الحكومة -الذي أصدرته قبل أقل من شهر ويتضمن تقييد صلاة الجماعة في المسجد بأن تقتصر على خمسة مصلين فقط- برفض واسع وضغوط شديدة على الحكومة لإلغائه. ووصل الأمر حد وقوع اشتباكات بين الشرطة والمصلين في مدينة كراتشي (العاصمة الاقتصادية)، حيث أطلقت الشرطة النار في الهواء لتفريق المتظاهرين الذين احتشدوا احتجاجا على القرار.

وبلغة الواثق من العدول عن القرار، قال عالم دين نافذ يدعى مفتي منيب الرحمن إن "العزل العام لن ينطبق على المساجد.. صلاة الجمعة والصلاة في رمضان ستقام في المساجد".

كما نقلت وكالة رويترز عن أحد المصلين في منطقة ملتان ويدعى صابر دوراني قوله إن "إمامنا أخبرنا بأن الفيروس لا يمكن أن يصيبنا مثلما يصيب الغربيين.. وقال إننا نغسل أيدينا ووجوهنا خمس مرات كل يوم قبل أداء صلاتنا، والكفار لا يفعلون ذلك، ولذا لا داعي لأن نقلق، فالله معنا".

وعلى المنوال نفسه، قال قيادي بارز في حزب ديني للمئات الذين تجمعوا الأسبوع الماضي للمشاركة في جنازة، إن أوامر الحكومة غير مقبولة، "وإذا فعلتم ذلك فسنضطر للاعتقاد بأن المساجد مهجورة بتعليمات أميركا.. إننا على استعداد لبذل أرواحنا، لكننا غير مستعدين لهجر مساجدنا".

 ويوم 27 مارس/آذار الماضي رفعت السلطات 88 دعوى على إدارات مساجد في كراتشي، وألقت القبض على 38 شخصا لتحديهم القيود المفروضة على التجمعات يوم الجمعة، لكن الاتهامات أسقطت في اليوم التالي وأطلقت السلطات سراح الموقوفين.

وفي العاصمة إسلام آباد تجمع المئات يوم الجمعة الماضي -دون أن يعترض طريقهم أحد- في واحد من أكبر مساجد المدينة يقع على مسافة ثلاثة كيلومترات من مقر الحكم، بما في ذلك البرلمان وأمانة رئاسة الوزراء.

وقد لخص ميرزا شهزاد أكبر أحد مساعدي رئيس الوزراء عمران خان الأمر بقوله إن "الدين والصلاة مسألة وجدان عند كثيرين في باكستان، ولا بد أن تشعر الحكومة بحساسية هذا الأمر، ولا نريد أن نفرضها بالعصا، وحتى إذا كنا نريد ذلك فلا توجد عصي كافية لتنفيذها في كل أنحاء باكستان".

وانطلاقا من تلك القناعة دخل رئيس الجمهورية عارف علوي على الخط واجتمع بكبار علماء الدين في مقر الرئاسة (إيوان صدر) بالعاصمة قبل أقل من أسبوع من بدء شهر رمضان الذي تتزايد فيه عادة أعداد المصلين في المساجد.

وحضر الاجتماع علماء دين ينتمون إلى البريلوية، والديوبندية، وأهل الحديث، والشيعة، إلى جانب الدكتور ظفر ميرزا المساعد الخاص لرئيس الوزراء لشؤون الصحة، وكذلك كبار أمناء الأقاليم الأربعة إلى جانب جامو وكشمير وغلغت بالتستان، عبر رابط الفيديو. وقال بيان صدر بعد الاجتماع إن "المساجد ستمنح الإذن بشرط اتخاذ إجراءات احترازية".

علماء باكستان احتجوا على قرار سابق يقصر الجماعة المسموح بها في المسجد على خمسة مصلين فقط

الشروط العشرون

وتضمن البيان الذي أعلن عقب الاجتماع 20 شرطا تتعلق بضمان السلامة، في مقدمتها مراعاة التباعد بين المصلين، وترك مسافة مترين بين كل مصل وآخر أثناء أداء صلاة الجماعة بدلا من الوقوف كالمعتاد كتفا بكتف، وأن تقوم إدارات المساجد بعمليات تطهير بانتظام.

ومن ذلك أيضا، إزالة جميع السجاد من المساجد، وتشجيع الناس على إحضار سجادات الخاصة معهم، ومراقبة التباعد الاجتماعي، ونصح الناس بالامتناع عن الحديث والنقاشات في المساجد.

كما تضمن القرار شروطا تفصيلية أخرى منها غسل أرضيات المساجد بمطهرات الكلور، وتشكيل صفوف المصلين مع الحفاظ على مسافة ستة أقدام بين كل اثنين، وضمانة لجان المساجد باتباع الخطوات الوقائية، ومراعاة الوضوء في المنزل، وارتداء الكمامات داخل المساجد، وعدم السماح بالمصافحة أو العناق، وامتناع المصلين عن لمس وجوههم.

وجاء في البيان أن كبار السن والمرضى لا يأتون إلى المساجد، وأن صلاة التراويح تقام داخل المسجد لا في الطرقات، بينما سيتم تشجيع الناس على أداء التراويح في المنزل، والتشجيع على الاعتكاف في المنزل أيضا، وأنه لن يكون هناك أي إفطار أو سحور في المساجد لتجنب الازدحام. وستتعاون إدارة المسجد مع الشرطة والإدارة المحلية في هذا الصدد.

ووفقًا للنقطة الأخيرة من البيان "يمكن للحكومة مراجعة وتغيير أي جزء من سياستها بشأن المساجد خلال شهر رمضان إذا شعرت أن هذه الإجراءات لم يتم اتباعها أو كان هناك ارتفاع في حالات الإصابة بكورونا".

وأفاد عالم دين حضر المؤتمر بأن المخاوف الرئيسية التي تقاسمها العلماء مع وزير الشؤون الدينية بير نور الحق قادري كانت تتعلق بإغلاق المساجد وتحول كبير لأموال التبرعات -بما فيها الزكاة- من المعاهد الدينية والمساجد إلى الأعمال الخيرية. وأكد الوزير أن الحكومة ليس لديها خطة لتقليص المؤسسات الدينية، وأن هذه المخاوف ستتم معالجتها.

وقال رئيس البلاد بعد اللقاء مطمئنا الشعب والقيادات الدينية "لا أحد يرغب في إغلاق المساجد.. لم يتحدث أي شخص أو أي حكومة محلية عن إغلاق المساجد أو عدم إقامة صلاة التراويح، وبالتالي فإن النقاش غير ضروري"، مضيفا أن التبرعات -بما فيها الصدقات والزكاة- حق للمساجد والمعاهد، و"أناشد الناس ألا يخفضوا تمويلهم لهذه المؤسسات الإسلامية في رمضان".

وفي هذا الاطار، كرر وزير الشؤون الدينية تطميناته للعلماء قائلا إن رئيس الوزراء "نصح جميع حكومات الأقاليم وإداراتها بالامتناع عن أي عمل قد يقلل من مكانة العلماء، أو استخدام القوة لأنها تخلق صورة سيئة للبلاد".

ومن الناحية العملية أفادت مصادر في وزارته بأن هناك مطلبا آخر للقادة الدينيين هو سحب القضايا المرفوعة ضد علماء الدين لعدم اتباع الإجراءات الاحترازية، وقد أحيل إلى وزير الداخلية إعجاز شاه "ووافق على التعامل معه بإيجابية".

وهكذا استطاعت القيادة احتواء أصوات المعارضة الدينية بإشراكها في اتخاذ القرار لتتفرغ لما هو أهم من وجهة نظرها وهو الهاجس الاقتصادي، إذ رغم تمديد رئيس الوزراء إجراءات العزل العام على مستوى البلاد لمدة 14 يوما إضافية، فإنه خفف القيود على صناعات ضرورية للحد من البطالة المتفاقمة وتجنب المزيد من الصدمات الاقتصادية بعد توقعات قاتمة من صندوق النقد والبنك الدوليين للوضع الاقتصادي في البلاد. 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي