كائنات هجينة تفتك بالبشر في صراع لا ينتهي

2020-02-25

صراعات غير متكافئةطاهر علوان *

 

تعوّدت سينما الخيال العلمي في المطلق على تقديم الفضائيين في صورة كائنات ذات إمكانيات فائقة وقدرة على المواجهة وخوض الصراع إلى نهايته، بينما الأرضيون هم في الغالب المدافعون الذين يحاولون النجاة بأنفسهم، وفي أحسن الحالات يحقّقون انتصارهم بعد صراع شاق.

وهذا التوصيف ينطبق على فيلم “فضائيون لا يموتون” للمخرج كريج كونورز، والذي يقدّم قصة تنطوي على صراع طويل ودام بين الفضائيين من جهة وبين باحثين في مشروع سري من جهة أخرى.

أحداث ليس فيها مواجهات تذكر في يوميات الباحثين المنشغلين بعملهم، لكن لم يقع في حسابهم أن كائنات هجينة تجمع بين الفامباير والكائنات الفضائية والبشر هي التي سوف تفتك بالجميع.

تبدو فكرة الصراع بين الطرفين في هذا الفيلم غير متوازنة بسبب الإمكانات المحدودة التي يمتلكها فريق الباحثين، وقبل ذلك فهم ليسوا محاربين ولا مستخدمين بارعين للأسلحة، لكنهم يجدون أنفسهم في وسط ذلك المأزق غير المتوقع. وفي وسط هذه الدوامة وبين بضعة أنفار لا يتجاوزون عدد اليدين، تنشب تلك المواجهة التي تقع أغلبها في دائرة المجهول، إذ لا تتضح دوافع تلك الكائنات ولا من أين خرجت، مع أن الشكوك تساور الجميع لكونها كائنات بشرية تم تهجينها بطريقة ما ومنحها قدرات متفوقة على البشر.

دوامة من القتل والقتل المضاد

يقود ميشيل (الممثل بيرت كنيدي) زملاءه وهم في هذا المأزق محاولا أن يجد حلا ما، ولهذا يخوض الصراع إلى نهايته مستغلا نقاط ضعف أولئك الغزاة للإيقاع بأكبر عدد منهم.

وفي موازاة ذلك، تطهر في مشهد مميز فتاة غارقة في البياض وسط فضاء مفتوح، وهي لينا (الممثلة تونيا رينيه) لتنهض بالتدريج وتدخل من خلال نفق ضيق، فتجد نفسها وقد انضمت إلى فريق المشاركين في المشروع السري وهي تدافع عن نفسها وعن الآخرين. بضع شخصيات أخرى نسائية تنضمّ إلى لينا، لكنها وحدها كان عليها الخروج من تلك المواجهة الدامية.

ارتكز الفيلم على عناصر الحركة والعنف والرعب أيضا في خليط أراد من خلاله المخرج أن يقدّم فيلما فيه من عناصر الخيال العلمي والتشويق والإثارة، لكنه بدا خليطا غير متجانس. وفي محاولة غير مكتملة للوصول إلى هذا الهدف، تم التركيز على جمالية المشاهد باستخدام الضوء والحركة والغرافيك لإظهار المعارك الدامية ضد الكائنات الغازية.

تمضي دورة الصراع إلى نهايتها ويلجأ فريق الباحثين إلى حيل شتى للإيقاع بالغزاة، والعثور على نقاط ضعفهم والتخلص منهم تباعا. لكن الغرابة في هذه الأحداث تكمن في كون تلك المجموعة الغازية لا يبدو أنها قابلة للانتهاء، ولهذا تتكرّر مشاهد المواجهات والقتل والدماء بين الطرفين.

وحفل الفيلم أيضا باستخدام الإضاءة والخدع البصرية لتدعيم فكرة وجود تلك الكائنات المتوحشة وقد تغلغلت في الحياة اليومية وتأذية الناس.
في المقابل، نجد أن هناك ركودا في السرد والدراما الفيلمية، فعلى الرغم من وجود عنصر الصراع بين الفضائيين وبين الباحثين الغارقين في عملهم، إلّا أن ذلك لم يكن كافيا لإقناعنا بأبعاد ذلك الصراع، وإلى أين وكيف سوف ينتهي؟

والملاحظ أن حتى الشخصيات المهمة، مثل ميشيل ولينا وغيرهما، قد صار أداؤها مكررا ونمطيا، على الرغم من أن جوهر فكرة الصراع في الفيلم تستوجب إظهار البطولات الفردية، إلّا أن لينا تبقى أسيرة المشاهد الباردة والمواجهات الدامية.

وعلى هذا بقيت البطولات الفردية والمفاجآت غير المتوقعة تحتل هامشا محدودا في هذا الفيلم، ممّا جعل المُشاهد وكأنه يدور في دوامة من القتل والقتل المضاد، فضلا عن سلوك الفامباير الذي سوف يتكرّر في العديد من المشاهد وكأننا في واحد من أفلام الزومبي. وإلّا ما معنى تلك الملاحقات التي لا تنتهي، لاسيما وأن أسرارا غير معلومة ظلت تكتنف ظهور هذه الكائنات الزومبية بتلك الكثافة والقدرة الهائلة على الفتك بالخصوم.

 

ومن جهة البناء المكاني، فقد غلب على المشاهد الفيلمية التصوير في أماكن ضيقة ومحدودة، الأمر الذي لم يوفر للشخصيات فرصة لكي يتميز بعضها عن البعض الآخر، إذ كانوا يتساقطون تباعا مع فتك تلك الكائنات المتوحشة وبطشها.

واقعيا، هناك مزيج لافت للنظر يجمع ما بين سينما الخيال العلمي والرعب والعنف الذي سيطر على الشخصيات، حيث حاول المخرج من خلال ذلك أن يسد بعض الثغرات. لكن الأسلوب الذي اتبعه لم يكن كافيا لكي نشاهد فيلما من أفلام الخيال العلمي مكتمل العناصر والأركان، ولهذا كان البديل هو الحركة والرعب.

ومن جانب آخر، لاحظنا أن الشخصيات قدّمت نوعا من البطولة الجماعية، لم يبرز من بينها بطل قادر على إنهاء ذلك المأزق الذي وجدت الشخصيات نفسها في وسطه. ولكن من دون أن تجد حلا لكي تخرج منه.

كاتب عراقي مقيم في لندن*








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي