كتاب “نظارات الخائن” دعوة للتفكير في أدب الهجرة

2020-02-08

عن صراع لا يهدأ بين وطن يسكن القلب ومهجر يأسر الجسد يسرد الكاتب المغربي محمد مسعاد “محكيات” يلملم فيها شتات ذات أثخنتها جراح البحث عن الهوية بين الدار البيضاء وألمانيا ويطرح أسئلة حائرة عن الذات والآخر.

ويأتي كتاب “نظارات الخائن” الصادر عن دار الدراويش للنشر والترجمة في 162 صفحة من القطع المتوسط مغرّدا خارج التصنيف المألوف للكتابة فهو عابر لفنون القصة والرواية والسيرة الذاتية.

ويكشف فيه مسعاد عن عشقه الأبدي لأزمنة وأماكن سكنها مقيما وسكنته في رحلة هجرة عشرين سنة من خلال شخوص تشكل مرآة يرى فيها القارئ صورة المغرب بعيون مغربية مهاجرة.

عن كتابه قال مسعاد “هو دعوة للتفكير في أدب الهجرة والتنقل السلس بين المكان والزمان، إنها محكيات بوح للأسرار وإفشاء عن تلك الروح التجانسية السردية، التي تقدّم الوقائع من زوايا مختلفة في علاقتها المتماثلة بتجربة كل المهاجرين الواعين بالترحال”.

  الكتاب يكشف عن عشق مؤلفه الأبدي لأزمنة وأماكن سكنها مقيما وسكنته في رحلة هجرة عشرين سنة بألمانيا

وأضاف “هي محاولة لمساءلة الأنا، فالبطل ترعرع في الدار البيضاء ويحطّ الرحال الآن في برلين كمحطة عابرة نحو السفر الكبير الذي ينتظرنا جميعا.. هي سفر بين الهنا وهنالك، بين بلد الأصل وبلد الاستقبال، إنها تنسج مقابلات بين المعيش المستحضر البيضاوي، والحاضر الحي الألماني لكنها تنسكب في مجرى يعانق فيه بعضها البعض لتلملم أشلاءها المتناثرة”.

وتابع قائلا “الترحال بوابة للدخول في تصالح مع الآخر بغض النظر عن لونه أو لغته أو عرقه أو حتى ميوله الجنسية، قد نحوّر شيئا ما نظرية ماركس حول الاغتراب وأقول إن أبغض الاغتراب عند المرء هو اغترابه عن ذاته الذي يكون نتيجة لارتباطه بمحيطه الضيق”.

وفي أحد المقاطع يقول المؤلف على لسان “العربي” أحد شخوص محكياته “هجرة تسرّبت إلى الداخل كجذر ينبت في صمت، يدخل في عناق مع لغاتي المتعددة التي غرفت منها في المغرب. ألسنة متعددة ومختلفة، تتشكل أفقا عميقا في الذات، العربي منها والأمازيغي، المسلم واليهودي، الأندلسي وذلك الآتي من أفريقيا، مرة يأتي مسترسلا مكتوبا ومرة أخرى تتناقله المحكيات”.

ويطرح مسعاد في كتابه سؤال الهوية من واقع تجربته الشخصية، قائلا “هذا السؤال الظالم في عالم يقال إنه أصبح قرية صغيرة. من يريد أن يبحث عن نفسه عليه البحث على الآخرين”. وأضاف “هي محاولة للحفر في الهوية المتكسّرة أو الهويات المتعددة التي نحتمي بها ضد نفوسنا الأمارة بالسوء”.

ومحمد مسعاد الذي يعمل صحافيا في قناة “دويتشه فيله” الألمانية جاء من عالم الشعر، حيث صدر له سابقا ديوان “زغب الأيام الراكدة”، كما خاض الترجمة من خلال اشتراكه في ترجمة كتاب “ظلم الأقوى” للأديب الألماني جونتر جراس الحائز على جائزة نوبل، وهو عبارة عن مجموعة مقالات وخطب.

وعن اختيار “نظارات الخائن” عنوانا للكتاب يسوق المؤلف رؤيته على لسان بطل المحكيات حين يقول إن الخيانة هي “تنشئة اجتماعية دائمة، سيرورة تعلمية مفتوحة، نخون اليوم ما تعلمناه واستكنا له البارحة”.

ويتساءل “هل أنا مغربي؟ هل أنا ألماني؟”، فيجيب بلسان سابق “أنا مواطن عالمي، هاجرت مرة، وسأظل مهاجرا للأبد”.

ورغم الحيرة الكامنة بين سطور محكياته، يقول مسعاد، إنه اختار اللغة العربية لسردها “لأنها اللغة الأقرب إليه”.

وإذا كان أدب المهجر مألوفا منذ قرون مضت مع هجرة أبناء الشرق مثل جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة إلى شتى أصقاع الأرض فإن مسعاد يرى ثمة فروقا في هذا الأدب بين اليوم والأمس. وقال “سقوط جدار برلين، أنهى زمن التكتلات بالمعنى الاشتراكي، فالعالم يطبعه التشظي والتفتّت، وسؤال الوجود سيبقى خالدا للأبد”.

وأضاف مستشهدا بشخصيات الأساطير الإغريقية “إذا كان برومثيوس يرفع راية التمرّد، فإن سيزيف يرفع راية الإصرار على التمرّد.. هكذا هي حياة الناس، فما بالك بالمثقفين، فتشظي العالم فرض معارك متشظية أيضا”.

وكشف محمد مسعاد أنه يعمل حاليا على كتابة رواية جديدة تهتم بفضاء نسائي مغربي في دفع للقارئ صوب محاولة فهم لعلاقة المرأة بالمجتمع والمؤسسات، وفيها يتناول الصحافي المغربي إشكالات وجودية.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي