حماس… بين تقديرات الجيش الإسرائيلي وغليان الشارع الغزي

2020-02-02

الظاهرة المفاجئة أكثر والمتعلقة بالتصعيد الأخير في الجنوب تتعلق بالصمت المتواصل للقيادة الإسرائيلية. منذ الثلاثاء الماضي أطلق ما لا يقل عن 11 صاروخاً وقذيفة من القطاع، في سبعة أحداث مختلفة، نحو بلدات غلاف غزة. في إحدى الحالات أصيبت طفلة (3 أسابيع) من “سديروت” بإصابة متوسطة، أثناء ركض أمها إلى منطقة آمنة عند إطلاق صافرات الإنذار. ورغم هذه الأحداث، إلا أن رئيس الحكومة الذي كان منشغلاً بإعادة سجينة إسرائيلية من موسكو إلى البلاد، لم يتفرغ للرد. أما وزير الدفاع نفتالي بينيت، الذي انتقد الحكومة على سياستها تجاه القطاع، إلى حين تسلمه لمنصبه، لم يتحدث أمس عن ذلك.

قبل سنة ونصف، عندما كان وزيراً للتعليم وعضواً في الكابينت، تصادم بينيت مع غادي آيزنكوت الذي رفض طلب بينيت لإعطاء أوامر للجيش لفتح النار على الخلايا التي تطلق البالونات الحارقة. وقبل بضعة أسابيع، في نهاية هدنة طويلة، عادت البالونات محملة بعبوات ناسفة أكثر خطورة. واكتفى بينيت بتوجيه لمهاجمة أهداف لحماس في كل مرة، كعقاب لمن يطلقون البالونات.

كان هناك حتى الآن رد محدود على إطلاق الصواريخ، وهو قصف سلاح الجو لأهداف محددة؛ في حين أن نقل الأموال القطرية للقطاع الذي أدانه بينيت بشدة في الوقت الذي لم يكن فيه في الحكومة، استمر كالمعتاد حين أصبح وزيراً للدفاع.

لا يوجد في هذه الأقوال ما من شأنه التوسل للحكومة لضرب حماس وتنفيذ عملية عسكرية واسعة، هي الرابعة خلال 12 سنة في القطاع، والتي يبدو أنها ستنتهي بنفس النتائج المخيبة للآمال مثل سابقاتها. يعمل نتنياهو تحت تأثير الضغط، فالجبهة الشمالية مع إيران مشتعلة وهي أكثر خطورة. في حين أن خطة السلام المشكوك فيها التي عرضتها الإدارة الأمريكية الأسبوع الماضي تهز السفينة في الساحة الفلسطينية. وحكومة تقف على أبواب حملة انتخابية ثالثة خلال سنة، بعد شهر، لا ترغب في الدخول إلى حرب ليس عليها إجماع من الجمهور، ويمكن أن تكلف ثمناً باهظاً من أرواح الجنود.

ولكن تجدد إطلاق الصواريخ يثير الشك حول التفسيرات الواثقة لشعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش، المتعلقة بأحداث الأشهر الأخيرة. منذ بضعة أشهر، تدعي الاستخبارات العسكرية بأن قيادة حماس في القطاع اتخذت قراراً استراتيجياً لصالح التهدئة طويلة المدى. وبعد اغتيال قائد الجهاد الإسلامي بهاء أبو العطا في تشرين الثاني الماضي، جرى الادعاء بأن العقبة الرئيسية أزيلت من الطريق أمام تسوية غير مباشرة مع حماس. الجيش الإسرائيلي أوصى الحكومة، حتى بشكل علني، بتقديم تسهيلات كبيرة للقطاع من أجل التوصل إلى تسوية. واستجاب نتنياهو لذلك رغم أن هذه الأمور جرت بالقطارة وبصورة لا تصاحبها ضجة إعلامية خشية من التورط السياسي.

ولكن وتيرة تقديم التسهيلات كما يبدو لا ترضي حماس، وربما لديها اعتبارات أخرى. بعد البالونات عادت الصواريخ، في البداية بالتنقيط، والآن بوتيرة أكبر. وحتى لو أن المسؤولين عن الإطلاق كانوا من تنظيمات فلسطينية أصغر، فمن الصعب التصديق بأن حماس لا تعرف عن ذلك أو أنها فعلت كل ما في استطاعتها لمنع الإطلاق (يعترف الجيش بأن المسؤولة عن البالونات هي حماس نفسها). وقد تولد انطباع خلافاً للتوقعات بأن حماس أقل التزاماً بالتهدئة، وقد تكون غير ناضجة لذلك. ومن الواضح في هذه الأثناء أن حماس تحتفظ لنفسها بمجال مناورة من خلال استخدام محدود للعنف. وهذا رهان خطير بالنسبة لها: آجلاً أم عاجلاً، قد ترى إسرائيل نفسها ملزمة بالرد بصورة أكثر شدة. وليس مستبعداً أن تتحول هجماتها إلى أكثر عدوانية في الوقت القريب القادم.

في الخلفية، تتكتك القنبلة التي ألقتها الإدارة الأمريكية في الأسبوع الماضي، على شكل صفقة القرن. في حين أن السلطة الفلسطينية تتخذ خطاً مناوئاً جداً تجاه مبادرة ترامب التي اعتبرت خطوة مؤيدة لإسرائيل بشكل فاضح تماماً. وحماس أيضاً لا لن تسمح لنفسها بالبقاء في الخلف.

في هذه الأثناء، وبعد أن استيقظ الأمريكيون في اللحظة الأخيرة، رفعت من جدول الأعمال نوايا نتنياهو بأن يقدم اليوم للحكومة اقتراحاً بضم المستوطنات في الضفة الغربية وغور الأردن. ولكن إزاء تراكم هذه التطورات، من الصعب التوقع في الفترة القريبة حدوث تهدئة في الضفة أو في القطاع. الساحة الفلسطينية تفور مرة أخرى.

 

بقلم: عاموس هرئيل

 هآرتس 2/2/2020







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي