لماذا تنفق أميركا كثيرا على الدفاع؟

المصدر : أتلانتك
2020-02-01

لواشنطن معاهدات تلزمها بالدفاع عن 51 دولة في العالمأورد مقال نشره موقع "أتلانتك" الأميركي أن الولايات المتحدة تنفق 962 مليار دولار سنويا على الدفاع، أي أكثر من إنفاق الدول السبع التي تتلوها مباشرة في قائمة أكثر دول العالم إنفاقا على الدفاع مجتمعة. ومع ذلك يرى المقال أن هذا الإنفاق ضروري وقابل للاستدامة، ويُعتبر عاديا بالنسبة للناتج الإجمالي القومي، مقارنة بالدول الأخرى.
وأشار المقال الذي كتبه الضابط السابق في وكالة الاستخبارات الدفاعية الأميركية باتريك كولينز إلى أن إنفاق واشنطن على الدفاع عام 2018 بلغ 649 مليار دولار (دون إنفاقها على الحالات الطارئة)، موضحا أن هذا المبلغ أكبر مما أنفقته الصين والسعودية والهند وفرنسا وروسيا وبريطانيا وألمانيا مجتمعة على الدفاع (609 مليارات دولار) في العام نفسه.

يطالبون دون علم
وذكر كولينز أنه في كل دورة انتخابات رئاسية، يروّج أحد المرشحين على الأقل في حملته أن الولايات المتحدة تنفق أكثر مما يجب على الدفاع، لكن جميعهم يفشلون في تبيان حجم هذا الإنفاق وأسبابه، وما يمكن أن يترتب على إجراء خفض كبير فيه.

وأوضح أن أميركا لديها معاهدات تلزمها بالدفاع عن 51 دولة في العالم، 28 منها تابعة لحلف الناتو، و18 لمعاهدة ريو، واثنتان لمعاهدة أنزوس وهما أستراليا ونيوزيلندا، بالإضافة إلى معاهدات ثنائية مع كل من اليابان وكوريا الجنوبية والفلبين، فضلا عن علاقاتها الوثيقة ومصالحها الأمنية الواضحة مع دول أخرى. وفي بعض الأحيان تضطر واشنطن لنشر قواتها في دول لا معاهدات رسمية لها معها، مثل: تايوان وإسرائيل والسعودية والعراق وأفغانستان والأردن والإمارات وقطر.

حاملة الطائرات الأميركية
مهمات عديدة ومتنوعة
ويضيف الكاتب أن القوات الأميركية تجد نفسها أحيانا مشاركة في عمليات عسكرية بأماكن غير متوقعة عندما يتم استدعاؤها لوقف أعمال القتل الجماعي والإبادة مثل كوسوفو وليبيا. وأحيانا أخرى تجد نفسها منخرطة في أعمال العون الإنساني مثل تخفيف أضرار تسونامي، أو حادث مفاعل فوكوشيما النووي في اليابان، أو زلزال هايتي، أو احتواء وباء إيبولا في غرب أفريقيا.

وهناك دائما توقع بأن القوات الأميركية ستضمن حرية الملاحة التجارية في المضايق الإستراتيجية، مثل ملقا وهرمز وباب المندب وغيرها.

وكل هذه الالتزامات تعني أن تُبقي أميركا جزءا من قواتها على الدوام في وضع الاستعداد، مشيرا إلى أنه في المقابل نجد أن خصوم أميركا يتمتعون بفرصة تركيز الكثير من جهودهم (التدريب، والمشتريات، والعقيدة العسكرية، والبنية التحتية...) للاستعداد لقتال أميركا وحدها.

الفلسفة المرشدة

يشير الكاتب إلى الفلسفة المرشدة لسياسة أميركا العسكرية والقائلة بأنه أفضل للولايات المتحدة أن تنخرط قواتها في العالم الخارجي وتوقف العدوان مبكرا، بدلا من انتظار نموه وتراكمه ثم ضرب أميركا في أراضيها. وهذا من الدروس الكبيرة -كما يقول- التي تعلمها قادة أميركا من الحرب العالميتين الماضيتين.

فعقب الحرب الأولى لجأت أميركا إلى سياسة الانعزال، لكن الحرب في أوروبا وآسيا أجبرتها على الخروج من انعزالها. في المقابل، ظلت واشنطن تتعامل مع مشاكل العالم بقوات منتشرة في مناطق الاشتعال المحتملة، ولذلك أو للصدفة لم تحدث حرب بين الدول الكبرى منذ الحرب العالمية الثانية.

ولفت الكاتب الانتباه إلى التكلفة المالية العالية للانتشار العسكري في جميع أنحاء العالم، بالإضافة إلى ما يتطلبه ذلك من معلومات واستخبارات.

وتفضّل أميركا -وفقا لكولينز- تحقيق أهدافها دون أن تتكبد الكثير من الإصابات، وهي تفعل ذلك بتأكيدها على المعلومات والقوة النارية والتكنولوجيا المتقدمة وهي أمور مكلفة للغاية، لكن ذلك يعني أن أميركا تختار أن تنفق المال بدلا من الدم.

حاملة الطائرات الأميركية
كيف نفذت أميركا سياستها؟
ولتوضيح هذا التفضيل، هناك تطوران تكنولوجيان اتبعتهما أميركا من قبل والثالث قيد التطوير: الأول هو التفوق النووي الذي ردع الاتحاد السوفياتي، والثاني ما جرى في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي من الجمع بين الذخائر الموجهة الدقيقة البعيدة المدى وتكنولوجيا الأقمار الصناعية والاتصالات في عقيدة عسكرية مشتركة جديدة.

ويقول الكاتب إن التطور الثاني أثبت نجاحا كبيرا ضد القوات العراقية عام 1991، ومرة ​​أخرى عام 2003، ونجاحا أقل ضد "المتمردين" في العراق وأفغانستان وأماكن أخرى. وسيخلق التطور الثالث ميزة جديدة باستخدام التطورات في تكنولوجيا المعلومات مثل الذكاء الاصطناعي والبيانات الكبيرة، بالإضافة إلى أسلحة الطاقة الموجهة.

ويستمر كولينز في الدفاع عن الإنفاق المالي الأميركي الكبير، قائلا إنه "بالنظر إلى استحالة إجراء تجربة مع أميركتين في عالمين حيث لدى إحداهما ميزانية دفاع كبيرة ولدى الأخرى ميزانية أصغر كثيرا، لا يمكننا أن نعرف على وجه اليقين ما الذي سيحدث إذا قامت الولايات المتحدة بتغييرات كبيرة في نهجها تجاه العلاقات الدولية وإستراتيجية الدفاع وميزانيته. ومن النقاط المهمة أن هذه الأشياء مترابطة".

فإذا خفضت أميركا الإنفاق العسكري دون تغيير أهدافها، فيحتمل أن ينتهي الأمر بقواتها إلى التشتت وأن تصبح عرضة للمفاجأة والهزيمة. وهذا يعني أن الولايات المتحدة ستزيد من خطر حدوث نزاع، وربما الخسائر التي سيتعين عليها تكبدها حتى تظل موجودة، إذا أمكنها أن تظل كذلك.

أقوى الحجج غير مقنعة

من الحجج الأقوى منطقا لصالح خفض الإنفاق على الدفاع خفض التزامات أميركا وطموحاتها، وهذه الحجة فيها عقلانية، إذ انسحبت أميركا من قبل من فيتنام، ويطالبها كثيرون حاليا بالانسحاب من أفغانستان وغيرها.

لكن، كلما انسحبت واشنطن من مكان ستهب قوى أخرى لتملأ الفراغ الناشئ. وإذا فعلت الولايات المتحدة ذلك على نطاق واسع لتحقيق وفرة كبيرة في الميزانية، فستفتح مساحة كبيرة ليتنفس فيها الآخرون.

وأعرب الكاتب عن أمله بألا تسد دول مثل روسيا والصين وإيران هذا الفراغ، بل تسده دول حليفة لها.

كما أورد أرقاما عن نسبة الإنفاق الأميركي من الناتج الإجمالي القومي، مقارنة بأرقام مماثلة لدول أخرى. وقال إن متوسط نسبة الإنفاق الأميركي في الدفاع يساوي (3.1%)، بينما في كولومبيا (3.2%)، والسعودية (8.8%)، وروسيا (3.9%) والصين (1.9%).

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي