عبدالناصر مجلي >>> الأعمال القصصية الكاملة-1

خاص - شبكة الأمة برس الإخبارية
2008-12-07
والمبدع اليماني الشامل عبدالناصر مجلي واحد من ذلك النفر القليل من المبدعين الذين يؤكدون رسوخهم ومهارتهم وقدرتهم على الخلق الفني في كل لون أدبي يطرقونه رغم تمرده وفوضاه المنظمة وصلابته في توكيد خصوصيته ومواقفه...أ.د. عبدالعزيز المقالح

ABDULNASSER MUGALI
عبدالناصر مجلي

 

الأعمال القصصية الكاملة-1

 

THE COMPLEATE SHORT STORY'S WORKS-1
1989-2005

 

إلى سنوات الجمر المضنية المسالك التي عبرناها منسيين لا يسأل عنا أحد!!!

شهادة

السيرة الرملية للفتى البحر.. أو تحت سماءٍ لم تعد غريبة..؟
وعندما ضاقت أمامي السُبل، حزمت حقيبتي المتخمة بالكتب وبعض الملابس، وقفزت في غيب الغرب الأقصى المجهول، ولم أكن قد أدركت بعد بأنني سأكون شاهداً مغلولاً بمواجعه التي كانت تنتظرني هناك، على مصارع الزهرات المنسية، التي لا يدري عنها أحد في وطني البعيد. تلك الزهرات التي فرَّت باتجاه الحلم الامريكي المروع، كنا مثل بدوٍ شتتهم آمال قبيلة حجرية المشاعر مشوشة الغايات وتخاطفتهم مجاهل الانكسارات في بلادهم المنسية، فروا الى حيث يمكن العيش بأقل القليل من الكرامة والستر إن جازت التسمية، حتى يظل الوطن هو ذلك الحلم الأسطوري الذي لا يمس أو تخدشه المرارات.
وصلت الى الولايات المتحدة في شتاء 92 القاتل، وحيداً فقيراً لا أدري أي المنايا ستتلقفني، وكنت مثل راعٍ صغير بوادٍ متصلب الأنحاء والمفاوز، لا يمتلك خبرة كافية بوحشية مدن الأسمنت، يقف للمرة الأولى أمام الخرسانات الجبارة التي تطعن السماء بحيادها وجبروتها الأسمنتي المعجون بالحديد، أساءل نفسي عن حقيقة تلك الديناصورات الفولاذية التي لا تقهر ولا تلتفت لقصائد بشرية مرتجفة بمظنات لفظتها رطانات جغرافيات لم تعد مسالمة، ليس معي سوى حلم ضاري وساذج في آن، عن ضرورة تغيير العالم بالقصة القصيرة، التي كنت أظنها بلسماً ناجعاً سيداوي جروح ومواجع المنسيين، ليس لبني جلدتي ولغتي، وبل ولسائر زملاء المعاناة والضياع والنسيان، الذين لفظتهم متخاذلة أوطانهم بدون شفقة.
كنت أطمح الى الالتحاق بجامعة ما لأكتسب منها ما لم أكتسبه في بلادي، يحدوني أمل شاهق لحفظ اللغة التي يتحدث بها سكان هذا الكوكب الامريكي في جميع معاملاتهم بما في ذلك الثقافة والابداع. طمعت في أن أتعلم لغة شكسبير حتى أكتب بها، وأنقل اليها ابداع الجنود المجهولين، من مبدعي أمتي الذين لا يعرفهم أحد في هذه الارض الجديدة لكنني فوجئت بأن العمل يأتي هنا أولاً، وبعد ذلك التعلم، إن أُتيحت الفرصة، تلك الفرصة المستحيلة التي لم تتح حتى الآن إلاّ  بشقّ النفس!!
كنت أظن - وما أكثر ما ظننت دون جدوى- بأن المقام لن يطول بي على تلك الأرض، لأن ثمة أناس في بلادي سيطالبون بضرورة عودتي أو على أضعف الإيمان، سيطالبون بمنحي فرصة أو منحة دراسية عُليا، خصوصاً وأنهم ما انفكوا يشيدون بـ«موهبتي» أضف الى أنني شخصياً كنت أرى في نفسي كاتباً قصصياً لا يشق له غبار هذا ما كنت أظنه في تلك الأيام، وكنت أشعر بالخجل أمام نفسي من تلك الأحاسيس والمشاعر في اعتقادي بخطورة ما أقوم به، وتالياً سأكتشف بأن ايماني ذاك هو الذي أنقذني من الضياع، وكثيراً ما كنت ألوم نفسي على شعوري بالخجل من نقدي لنفسي على إفراطي الزائد بالثقة بالنفس والاعتداد بها.
كان شتاء جارحاً ومريراً وكئيباً وموحشاً، خصوصاً وأنني رأيت مرأى العين، بأن كل ما كنت أفكر به كأن أكون ملتحقاً بجامعة ما، ما هو إلاّ محض أوهام، ففي تلك الارض أكتشفت أول قواعد الاغتراب الامريكي، وهي الاعتماد على النفس، وبدون ذلك لن يلتفت اليك مخلوق كائناً ما كان، وعندما رجعت بالذاكرة قليلاً الى الوراء وتحديداً الى ذلك المساء الممطر في صنعاء، بعد أن استلمت مبلغ مائة وخمسين ريالاً لا غير، هي حصيلة كتابات شهر بأكمله علمت علم اليقين بأنني غدوت قاب قوسين أو أدنى من اللاجدوى إلاّ اذا كنت جاداً وصادقاً مع نفسي كما تقتضيه الظروف الجديدة. وهكذا كان فبمجرد ما رأيتني أقف أمام جهاز غسل الصحون والقدور في مطعم «بورت أفينو» الايطالي بمدينة وايندات التي سكنها الهنود قبل بمئات السنين فهمت أنه يجب تحديد خياراتي بسرعة وبدقة، وقد كان خياري هو خيار الكتابة.
كنت شاباً صغيراً لم يتجاوز الواحدة والعشرين من عمره أو أقل ممتلئاً حتى التخمة بجدوى ما أكتبه، في ظروف لا انسانية ولا شفقة فيها على الاطلاق، تلك الظروف التي لشدة قسوتها كنت معها أضطر لبيع القوارير الفارغة في سبيل مبلغ زهيد، يساعدني على تدبر أمور معيشتي الضنكى الشديدة الإمحال والفقر. قال لي واحد من أبناء مدينتي الصغيرة «جُبَنْ» أنت أول مغترب يا ولدي يأتي الى امريكا وشنطته مليئة بالكتب، وهذا أمر جيد لكنني سأنصحك نصيحة لوجه الله، الكتب لا تؤكل عيشاً، ابحث لك عن عمل وكن رجلاً كباقي الرجال الذين يجمعون الدولار فوق الدولار، ويتزوجون ويبنون لهم بيوتاً تأويهم هذه بلاد عمل وليست بلاد كتب ومحازي!!
كان قد تجاوز السبعين، ولم أغضب منه، قضى منها خمسون عاماً مغترباً. كلمات ذلك الرجل كانت بالنسبة لي تحدٍ آخر وطرحت عليَّ اسئلة كبيرة، كان يجب عليَّ وحدي الاجابة عليها، وقد أجبت وكانت اجابات لا اجابة واحدة أجبت سأواصل الكتابة وليقل الناس ما يقولون وسأكون مغايراً ليس في كتابتي فحسب، بل وفي طريقة عيشي كذلك حتى أصبت بالطعنة الأولى!!
كنت على الدوام منغمساً في غسيل الصحون، وعندما تأتيني فكرة ما للكتابة، أترك كل شيء وأجلس على أقرب طاولة لتسطير أفكاري، تلك الافكار التي علمتني أن الكتابة المغايرة لا يجب أن نكتفي بشكلها بل وهذا هو المهم بحيويتها، التي تجعل القارئ لا يكتفي بالقراءة فحسب، بل أن يكون جزءاً من الكتابة ذاتها. كنت أعيد اكتشاف ذاتي مرة ثانية في ظروف مادية قاهرة وغير محايدة على الاطلاق، لذلك كتبت عشرات القصص تحت سماء غريبة، بكل تفاصيلها وأحاسيسها، كان الانسان هو بطلها بكل جدارة، أو بطريقة أدق كانت الأحاسيس الواسعة اللغة والدلالات ميزتها الاساسية، وهذا هو المفروض والضروري، في كتابة القصة، وكنت قد فطنت الى ضرورة الالتفات الى بنية النص وديناميكيته كمعطى ابداعي في المقام الأول، لكنني عندما فوجئت بتلك الطعنة المباغته، انتبهت الى ان القصة قد لا تفي بالغرض، في التقاط الحدث وتأطيره كتابياً، وتسطيعه كفن في الدرجة  الاولى وكتاريخ لما أراه تالياً.
 كانوا اربعة من عائلة واحدة لم يتعد اكبرهم الثلاثين واصغرهم الثامنة عشرة سنة من العمر، قتلوا في ليلة واحدة داخل دكان كان يمتلكه الأب، وعندما سمعت بالكارثة أصابتني صدمة ما حقة، فهل كتب علينا ان نقتل مجاناً بالرصاص بعد ان قتلنا من قبل بجوازات الهجرة، وفت في كبدي سؤال شديد الإيلام.. كيف يمكن ان أصور أو أكتب ما حدث أو سيحدث في مستقبل الأيام القادمة؟
كانت القصة القصيرة هي معشوقتي الأولى والأثيرة، لكنني أكتشفت بأنها لا تكفي للإلمام بكافة التفاصيل التي كانت تتسع بإطراد فكان الخيار هو الرواية، وهذا ما حدث!!
كان خياري بالهجرة موفقاً على الصعيد الكتابي، فمن الولايات الدولة ومن «ميتشجن» كولاية، ومن مدينة «ديربورن» الصغيرة التي تسكنها غالبية عظمى من العرب، يمنيون، ولبنانيون، وفلسطينيون، وعراقيون، وغيرهم استطعت قراءة المشهد الابداعي او بكلام أدق مراقبته بالقدر الذي أتاحته لي الظروف ليس في وطني اليمني فقط، بل وفي سائر الوطن العربي، من محيطه الى خليجه وهنا أطلعت.. أي في امريكا على كل المطبوعات لكبار الكتاب العرب، تلك المطبوعات والكتب التي كانت ممنوعة من التوزيع في البلدان العربية، وبدأت بمتابعة الصحف والدوريات كقارئ أولاً ثم أقدمت على خطوتي المهمة، وهي في النشر في تلك المطبوعات كصحف أو كدوريات، وهذا ما حدث، وكم كانت سعادتي عظيمة عندما كنت ارى ما أرسله منشوراً، ليس لانه يمثلني ويحمل أسمي فحسب، بل لأن ذلك كان يوحي لي بأن أبناء جيلي في صنعاء أو عدن أو تعز أو الحديدة أو حضرموت أو اب أو حجة، وسائر المدن والمحافظات اليمنية، لا يقلون إبداعاً عن زملائهم في الأقطار العربية، وبقدر ما كان ذلك يعلي من إسمي كمبدع من اليمن، في المحيط العربي الكبير، بقدر ما كان يسلط الضوء بطريقة أو بأخرى، على إبداع أبناء جيلي خصوصاً الذين نسوني رغم حضوري الدائم والمبشر بإبداعهم, ولم اكتفِ بالنشر فحسب، بل عمقت علاقاتي مع كل المسؤولين والقائمين على المنافذ والملاحق والصفحات والدوريات الثقافية وحدثتهم عن حقيقة ما يجري من نهوض ابداعي في أرض سبأ يستحق الثناء والاعجاب، وكانت جملتي الدائمة في أسماعهم «ما أنا إلاّ قطرة في محيط عظيم لا ينبغي إهماله»، وهذه شهادة لابد من قولها وهو تواضع مني لا أراه مبرراً الآن نظراً لأن من بشرت بهم بادلوني عكس ما كنت أتوقع، فاذا كان «نجاحي» عربياً أمدني بقوة معنوية هائلة على الاستمرار، فقد كنت أرد ذلك «النجاح» الى تميز زملائي وزميلاتي في مهد العروبة الأول الذين لا يقلون إبداعاً ومغايرة عن غيرهم، وكان ذلك يفرحني، لكنه لم ينسني أبداً المرارات التي كنت أعيشها، فبعد ست سنوات عجاف من الاشتغال على كتابة رواية «رجال الثلج» وهي وثيقة مهمة تسلط الضوء على واقع الغربة الامريكية، عرفت بكل ما تعنيه الكلمة أي هول وجحيم كنا نعيشه في متاهة المغترب الخانقة التي بدت وكأن لا فكاك منه، وكانت زهرات العمر الجميل لا تزال تواصل تساقطها المرعب الذي يبعث على الجنون!!
هل أخبرتكم عن المرأة التي ودعتني باكية وهي تتمنى الموت بعد أن وصلت علاقتي مع أهلها الى نقطة الاصطدام التي لا عودة بعدها!
هل ذكرت «هناء» ابنتي التي حرمت منها سنيناً طويلة دون ذنب؟!
ماذا عن الدموع التي سفحتها في ليل الضياع الطويل، ولم يرها إنسان, ماذا عن القهر ونظرات التشفي وسوء الظنون والأقاويل التي طاردتني في كل مكان؟
ماذا عن الوطن الذي ناديته بكل عمري المثخن بالمواجع والعثرات والهزائم والانكسارات التي لا يتحملها بشر، ولم أسمع منه اجابة واحدة تطفئ نيران الشوق اليه أو لفتة خاطفة تداوي جروحي العميقة العذاب. كيف يمكنني تفسير مشاعري في كل مرة أعود فيها من المقبرة بعد مواراة صديق فتكت به رصاصات التوحش الحضاري المهلكة؟
ماذا عن السير على أرصفة النسيان وحيداً وملعوناً لا يكفكف دموعي أحد!!
ماذا عن التجاهل والطعنات وتقليب صفحات ما كتبته بدمي كل مساء متسائلاً كيف يمكنني طباعة هذه العذابات؟!
هل أخبرتكم عن أثاث بيتي الصغير الذي بعته حتى أتمكن من طباعة كتابي الشعري «سيرة القبيلة»؟!
ماذا عن لؤم التقصد في داخل وطني الذي أحبه أكثر من «هناء» ومن نفسي لنسياني، وكأنني ما صرخت بسم بلادي على الأشهاد حين سقطت أقنعة المقت، وعز النصير والبلاد تؤخذ غدراً الى المذبحة؟
ماذا عن عبدالناصر مجلي الانسان، الذي قدم نفسه رخيصة في سبيل اشراقة صبح ارض السعيدة عندما اتبع الشقيق مقاصده الناقصة، وأمام ثلة من البشر كان يظن بأنهم لن ينسوه، فاذا بهم وبعدما كانوا في آخر الصفوف يصبحون في المقدمة لأسباب لا أحد يدريها؟
وينظرون اليَّ وكأنني ما كنت قبلهم في الصدَّ والرد، وهم يأكلهم الخوف وجبن أعمى لا يليق إلاّ بأمثالهم, فهل حبك يا وطني يستلزم أن يكون عشاقك ومحبوك من المتخاذلين والجبناء.
هل الايمان بك ايها الأعز عليَّ من نفسي يحتم أن أكون منافقاً ومرابياً في أسواق بيع الأوطان؟!
كانت تجربة عاصفة بكل المرارات والخيبات وسابع عشر الأحزان، لكنني ما انكسرت، أو سمحت للهزيمة ان تحتويني رغم ضراوة الويل، وتكسر الأحلام، لكنني ما استسلمت، وما رفعتها عالية راية الموت والخذلان!!
علمتني الارض الامريكية قيمة الوقت، وحينما لم يعد هناك وطن يذكرني، أو امرأة تحتويني بعد مغادرتها لسمائي ذات ليل لم أعد أذكره، كانت الكتابة ملاذي وقلعة الأمان التي ألوذ بها في كل وقت.
وقد أبكتني هذه الكتابة فصولاً طويلة عند كتابتي لرواية «رجال الثلج» كنت كمن يُعيد صناعة المشهد مرة ثانية، وبعد تنبيه الوقت لي بقيمته وسرعته الخاطفة، هربت الى الشعر لمحاولة قول ما لم استطع قوله في  القصة او الرواية، وقد كان نعم الصديق، ثم وفي سبيل ان يصل صوت السبئيون الجدد من أبناء جيلي ذهبت الى الكتابة النقدية، وهناك وعند تلك التخوم التي تطرح الاسئلة كحبات المطر، بدأت أتساءل عن ماهية أمتي ومقدراتها وتحدياتها والعقبات التي تحد من انطلاقتها المرجوة.. فعكفت على كتابة نظريتي النقدية «الوحشية المضادة» التي نشرتها في لندن والشارقة وتعز، وكنت كلما سمعت كلمات الإطراء، أقول لنفسي: «ما هذا إلاّ غيض من فيض مما يكتب، في جنوب جزيرة العرب، واذا كنت مكربياً شديد المراس والايمان بذاته، فلست آخر المكاربة»، ومر الوقت، وتنقلت بين الآلام والمواجع والاعمال وصنوف الكتابة، وكلما ازداد صعودي، زاد شعوري بالعزلة والضياع فكل ما اكتبه، وعلى الرغم من نشره في أغلب الصحف والدوريات في وطني وفي العواصم الغربية والعربية من لندن وباريس ومدريد حتى صنعاء وتعز والقاهرة وعمّان وتونس والرياض والدوحة والشارقة ومسقط والدار البيضاء والكويت وغيرها، إلاّ أن الحسرة كانت تأكل قلبي، وأنا أشاهد مخطوطاتي الشعرية والقصصية والروائية والنقدية تتراكم أمامي لا حول لي في نشرها نظراً لضيق ذات اليد، فأتساءل ما جدوى الكتابة ان كانت لا تُقرأ، وما قيمة العمر الذي يهدر في سبيل كتابات لا استطيع نشرها؟
كنت كل ليلة حينما أعود من عملي مهدوداً ومحزوناً وشديد النسيان أخرج تلك المخطوطات وأبثها مواجيدي وأشجاني، كما لو كانت تسمعني وتحسُ بالنار التي تعصف بي من الداخل وأصرخ بكل صوتي كمجنون بأرض خراب «أمعقول كل هذا يا الله؟» لا وطن ولا أهل، ولا من يذكرني حتى بكلمة غير مقصودة؟!
وبدا أن كل ما حققته من «نجاح» و«شهرة» في الوطن العربي-  إن جاز القول- وعلى الرغم من ترجمة بعض كتاباتي الشعرية والقصصية الى الانجليزية والفرنسية والسويدية وأخيراً الاسبانية، كما لو كان لا شيء أو قبض فراغ, حتى سافرت الى قطر وهناك سمعت ورأيت ما جعلني أتماسك قليلاً ولو إلى حين!!
أعتقد بأن الإمام الشافعي كان على حق عندما قال في إحدى قصائده الحكيمة: «سافر ففي الاسفار خمس فوائد... إلخ».
والآن وبعد خمسة عشر سنة من الجمر تصطلي في كبدي، أدركت مقولة الإمام الشاعر، فلولا السفر والغربة، ما كان قُدر لي أن أكون شاهداً على ما يجري في الداخل الامريكي من هزائم وتمزق آمال واحتراق أرواح وضياع أناس لم يقدروا على الفكاك من ربقة ذلك الفردوس الجهنمي، وأظن لو أنني بقيت في بلادي، ما كنت كتبت كل هذه المخطوطات، وما كنت سعيت جاهداً للمغايرة والاختلاف، مع أن هذه الخصلة أي حب الكتابة غير المقلدة او مسبوقة كما أظن ولتسامحوني على هذه الثقة المفرطة التي كانت تلازمني منذ أن كنت في اليمن، والذي يقرأ مجموعتي القصصية الأولى «ذات مساء ذات راقصة» رغم كثرة الاخفاقات فيها، خصوصاً النحوية منها نظراً لحداثة التجربة، سيدرك بأن التغريد خارج السرب هو شعاري، لكن ولابد هنا من الاعتراف بأن المغترب الامريكي كان له فضل لا ينكر فيما وصلت اليه، هذا مع افتراض انني قد وصلت الى شيء، فهذه البلاد - امريكا اقصد - التي تسيطر على العالم وتقوده ليست مجرد سياسة قد تتفق معها او تختلف، بل وهذا هو الأكيد تعتبر بلاداً منتجة للثقافة من الدرجة الأولى، مع أننا قد نختلف حول مفهوم هذه الثقافة وأصالتها، لكن ما قصدت قوله بالضبط، أنني عشت في بلد لا يهدأ طرفة عين بمعنى انها بلاد تصنع ثقافتها في كل ساعة، وكان عليَّ - قدر الإمكان -  أن التفت الى هذا الحراك البنيوي الهائل، وهذا ما فعلته قدر استطاعتي. ولهذا كنت احاول ان اكون مختلفاً مع نفسي قدر الامكان، حتى أكتب بطريقة مختلفة ومكثفة، لكن دون إغفال لمشاعري الانسانية والثقافية كأديب عربي يعيش في هذه الأميركا الهائلة.
وعندما أدركت بأن السكون علامة الموت، حاولت الخروج او الهروب من دائرة الرعب تلك، فسافرت الى قطر بحثاً عن عمل، وكنت قد انتهيت لتوي من نشر «الوحشية المضادة» ورواية «رجال الثلج» في الصحف في لندن وتعز والشارقة،  وعندما غادرت الى الدوحة كان العالم قد مر بقيامة الحادي عشر من سبتمبر المهولة 2001م.
خرجت من الولايات المتحدة وكل طموحي أن أجد عملاً أقتات منه، وعندما وصلت الى الدوحة صادف وصولي فعالية مهرجان الدوحة الثقافي الاول، ولأنني كنت قد تعرفت على بعض المثقفين والمبدعين القطريين والعرب المقيمين هناك فقد دُعيت كضيف على المهرجان، وهناك اكتشفت بأن احتراقي طيلة عشر سنوات بالكتابة، قد أتى أُكله، فقد كنت معروفاً دون أن أدري من مختلف الذين قابلتهم، وهم مبدعون ونقاد ومفكرون واعلاميون من الطراز الرفيع، لم أقل شيئاً، لكن ذلك منحني بعض العزاء.
أقول بعض العزاء لأن شعوري بأنني منسي في بلادي رغم تواصلي الكتابي معها، ورغم ما كنت أسمعه من بعض الزملاء عندما اتصل بهم بأن الجميع يترقب ما أرسله اليهم بشوق عظيم، لكن التساؤل الملعون ظل يطاردني: ما جدوي كل ذلك وأنا مازلت في ضياعي لا يسأل عني أحد ؟ ما جدوى ان يترقبني الجميع مع كل تقديري لهم، وانا مجرد كاتب وصل الى مرحلة الشعور بما أسميه مرحلة «اللاوطن» فلم أجد اجابة تروي غليلي؟ وعندما عدت مهزوماً الى الولايات المتحدة بعد فشلي في ايجاد فرصة عمل هناك على ضفاف الخليج، كان اليأس قد بلغ بي مبلغاً جهنمياً لا يطاق، وعدت لمساءلة نفسي: ماذا بعد كل هذا الجهد والعذاب؟ السلام عليَّ في أحزاني وهنيئاً لكل من تمنى أن أصل الى ما وصلت اليه من يأس وضياع.
ولأني كنت على الدوام أتابع عبر الانترنت الصيرورة الثقافية والابداعية في الوطن، فقد لفت نظري بأن  اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين الذي أنا عضو فيه، يقوم بطبع أعمال أعضائه.. فقد قمت بعد تردد طويل بالاتصال بالاستاذ محمد حسين هيثم رحمه الله، الامين العام للاتحاد آنذاك، اتصلت به وأنا متخوف من الصد، على الرغم من معرفتي المسبقة بشخصية الاستاذ هيثم الودودة والخلوقة والمنصفة، وعندما سمعت ترحيبه بي بمجرد ان سمع اسمي، ادركت بأن الوقت قد آن ليقرأ القارئ اين ما كان نتاج عشر سنوات من المشاعر التي لا استطيع القول إلاّ انها كُتبت بكل قطرة دم نزفها شهيد منسي قُتل ظلماً وعدواناً في محطة للبنزين ذات ليل معادٍ وانها سُطرت بكل دموع وآهات قلوب وأرواح أناس ضحوا بأعمارهم وشبابهم، حتى يستطيعوا توفير لقمة العيش الكريمة لأهاليهم في مجاهيل وقفار وطنهم البعيد.
وأنها أيضاً كتبت بكل التحدي الذي كان يعصف بي وبكل المواجع والنزوات والصرخات الملهوفة التي لم تجد من يستمع اليها.
إذاً فهذه صورة مجتزأة من مشهد عريض لا يمكن وصفه او التدليل عليه إلاّ بالقول بانها نُقِشَت بألوان ملتهبة خُلطت بالدم والدمع والحنين!!
عبدالناصر مجلي
 

 

 

 

 

ذات مساء .. ذات راقصة
 
إلى الفارس الذي
لم يصدأ سيفه
إلى أبي
وجماعة الغد الأدبية.

 
* حزاوي علي بلابله
1- لحن
يا به أحمد
صوته أنطلق متقطعاً محلناً وكأنه يوشك على الغناء،
- ما هو؟؟(1)
- يا حمار.
- للمه يا علي, أو ما عدناش خبيرك(2).
- مَعْ (3)
- للمه(4)
- هكذا
- ناهي(5)
أجابه عمه أحمد وواصل طريقه، وقبل أن يفعل أمسكه صوت علي القادم من الخلف..
يا به..!
- ماهو؟
أجابه قبل أن يتم ندائه الملحن..
- أنا بين أحبك، أول الله وبعدا أنت
- ناهي!!
- ناهي!
واختفى تاركاً إياه يتوسد وحدته ووحشة المدرجات الخالية.
2- اليوم كان علي بلابلة ولم يكن سواه
شاب مخدوش الوجه متوسط القامة عملاق البراءة يحب الله والأهلي(6) وعمه أحمد الذي لا يعرفه أحد.
اليوم وجه كل السنين التي ينوء بها عمره كان كله علي بلابله، الإنسان الذي يحب كل الناس ويطارده كل صبية الحارات ذات الروائح المختلفة, الكباب، البرعي، وعطن البول.
علي بلابله..
وتستمر الأيام في دورتها غير عابئة به..
رجل..!
يحب كل..!
ولا يرى أحد مطلقاً دموعه التي يذرفها في أمكنه لا تطأها شمس.
3-  ضياع
عندما يخرج من الظرافي(7) تلتهمه الأرصفة، وصراخ الصبية وهم يطاردونه، وقهقهات المارة الفارغة من المبالاة..
- ما تشتوا مني يا جهال(8)؟؟
سؤاله الخالد منذ عرف نفسه، طالما صرخ به في كل مكان (والجهال) ذوي الملابس الرثة يطاردونه لا يدرون لماذا, ربما ليضحكوا من دموعه التي لها لون الشفق.
أحدهم يصفعه وآخر يخطف شاله ويفر هارباً وعلي وحده, وحينما يشتد به الغضب المضحك المبكي الذي يمزق مستمعيه، يصرخ بخصومه الصغار..
- والله لأرجم نفسي تحت السيارة، وأخليها تفحسني لو ما تموتني.
ويهددهم -بالفعل- بالاقتراب من أي سيارة مسرعة قريبة منه.
لكن لا صبية الأزقة يتركونه ولا هو تخلى عن حبه للأهلي مستمراً في تسكعه إلى حيث لا يدري.
 
4-  عواء
كان (الظرافي) ممتلئاً والوقت بين الشوطين، والساعة كانت علي بلابله وهو يسدد على المرمى الفارغ من حارسه.
ركل ركلته الأولى بكل قواه بعد أن تراجع حتى وصل إلى منتصف الملعب، وانقض على الكرة كالرمح قاذفاً في الفضاء حذاءه ليستطيع التصويب بدقة كما أعتقد, لكن الكرة نفرت منه بعيداً وهي تعرج، وفي المدرجات كان الجمهور يضحك بضحكات يسيل منها خواء بشري له طعم سرماد.
المرمى لا يزال فارغاً، وعلي ممتلئاً بالعزم وجمهوره الوحشي تلمع في عيونهم قطرات من الدم لا تسيل، وفريقه الأحمر منصرف عنه يتابع مفردات مدربه الأكاديمية التي لا يفهمها.
الوقت كان أدمية يمتلكها شاب تتسكع الجروح على خارطة وجهه الخشن، يسدد ركلاته إلى المرمى أمامه في ضراوة, وحينما ولجت إحدى الكرات المرمى دوت عالياً قهقة جماعية تشبه العواء، وفي آخر الملعب من الجهة الجنوبية كان علي يركض في كل الاتجاهات فرحاً بإحرازه للهدف المزعوم لكن لا يدري أحد هل كان فرحاً ذلك الذي جعله يطير ركضاً أم..!
الوحيد الذي كان يعرف السر شاربه الكث الذي كان ندياً بدموع لها طعم المرارة التي لا يفقهها حتى علي نفسه.
5- علي!!
- ماهو؟
- صدق أن الوحدة(9) هزمت الأهلي اثنين صفر؟؟!
- كذاب أمك
- وأمك
- قلك هزموه.. الأهلي حديد
- مابلا لبيج(10)
كثيراً ما يصادف علي في طريقه أحد "الزباجين" (11) فيجره بدوره إلى معركة حامية حول هزائم وانتصارات ذوي القمصان الحمراء.. نجومه الذين يحبهم بعد الله، وحينما يعجز عن مجارات خصومه كان يلجأ فجأة للصمت تكسو وجهه أمارات الحزن, فيثير بحزنه الضحك والشفقة ثم ينتفض من مكانه بغتة ويأخذ في الركض بلا هدف, وهذه هي عادته دائماً لحظة يشعر فيها بالاندحار صارخاً بأعلى صوته المبحوح..
- الأهلي نار "ياخوشان" "وجعره" (12) عيجغركم يا عيال ال..!
كان "الزباجين" وهم في العادة من مشجعي الأندية الأخرى وبعض مشجعي ناديه المفضل يجادلونه في موضوع هو كل حياته، وأحياناً يسيئون إليه ويشتمونه لكنه ما حقد على أحد منهم, فقد كان الحب يملأ قلبه لله ولناديه.. الحديد.
6- علي..
وينهمر حزن البلاد في طرقاتها المتربة كالمطر ويحيل غبارها إلى وحل من أسى, دوماً كان وحده كتلة من نقاء ورسول للبراءة والوجع..
ذلك المساء خرج من الملعب يحمل على كتفيه هموم صنعاء المدينة التي لا يعرف من العالم سواها، ولم يطعم حنظل الأيام إلا فيها، وذاب في زحام "عبد المغني" (13) وحيداً كما تعود, لم يكن يدري إلى أين يتجه..
هو يحب الله ويتمنى لو أنه يستطيع الذهاب إليه بشرط أن يكون الأهلي معه، والذي كان يؤلمه هو اتخاذه كمهرج لا يحفل أحد به من الداخل أو حتى يناقشه في همومه وأوجاعه..
 "- أنا ما ناش لعبة يلعبوا بها "علاسب" (14) يضحكوا" .
خرج من الملعب والشمس تغمره بالوداع قبل أن تغرب وكأنها لم تشرق إلا من أجله والسماء كانت مدججة بالسحب المخضبة بأول الليل و"المغني" كان مستمراً ببقايا سيارات ومارة لا يدرون إلى أين هم ذاهبون, وعلي وحده يسير فوق كل الأرصفة لا يكترث به الناس, وجهه ترتسم عليه آثار جروح قديمة وحديثة لا زالت دبقة الدم.
الظرافي كان فارغاً والشارع ممتلئ بكل الوجوه والأحذية والمتسولين وذوي القمصان الحمراء محشورين في حافلتهم لا يهمهم إلا الوصول إلى المقر في أقرب وقت.
الجماهير تفرقت وذابت وراء المنعطفات والأزقة بينما علي بمفرده يسير لا يدري إلى أين, يقلب عينيه في كل ما حوله فلا يرى بجواره إلا الوحشة.
وعندما وجد نفسه بغتة أمام "خُزيمة" (15) تذكر الله لا يدري لماذا تذكره في تلك اللحظة، ربما لأنه كان يسكن قلبه الفارغ من كل شيء إلا من الزهور، أغرورقت عيناه بالدمع وبدأ الموال..
" يا ألله أنا بين أحبك لأنك ما بتنسانيش"
عندما انتهى من مواله واصل بوجهه الغير حليق طريقه إلى حيث تقوده قدماه، والشمس تودعه بدموعها الملونة موغلاً باتجاه الأفق الشرقي، رويداً رويداً لا يلتفت إليه أحد سواها .               صنعاء قبل القيامة بقليل
 

الرسالة

يقضم أظافره، يهصر نفسه، يزفر كل شيء أمامه، والوقت يمر بطيئاً كجرذ يحتضر ويمطر طاعونه في سموات الأرصفة بعد أن دهسته سيارة مجنونة أول القرن، السنة ، اليوم، الساعة، الناس, "قال بأنه سيرسلها في أقرب فرصة فلماذا تأخر".
الوقت يمر، يوم، يومان، شهر، سنتان، وأظافره تنبت وراء أسنانه كالمسامير، وعيناه تزدادان نقاء وحشياً كعيني شخص يلد الغيب داخله اللاجدوى.
كل ما حوله كان يضايقه، زوجته هو ليس متزوجا,ً عشيقته، عشيقاته كثر, شرابه وطعامه، منذ عرف نفسه وهو يمارس طقوسهما بملل فاضح إلى درجة أصبح فيها يشك في هذه القضية, هل يأكل لأن لديه أسنان أو لأن الذئاب تأكله فيضطر للأكل؟
يصلي كثيراً، لا لزوم للصلاة، بل هناك لزوم لمالا يلزم ولما يلزم, "جميل أن يكون للإنسان رب يطبطب على كتفيه إذا ما انفجر الحزن داخله"!
كان وحده إلا من أسرة تعدادها عشرون، أقل، أكثر، لا يدري، أمه، أبوه، أخوته، أخواته, "لكن أمي توفت قبل أن أراها لماذا؟,‍ دون لماذ فلو رأتني لماتت قهراً عليّ ليتني مت بدلاً عنها مسكينة عانت كثيراً".
لم يكن يعرفها فقط سمع بها قيل بأنها كانت جميلة أبوه أخوته، أخواته، يحبهم يكرههم لا شيء يهم, "الكره حرام والحب ليس له ملامح".
شقيقاته متزوجات..مطلقات، فقط يحب أطفالهن يشبهون الملائكة، أحياناً، وأحياناً أخرى..‍‍,إخوته لأبيه يكرهونه، كلا بل هو الذي يكرههم بل.. بل!!.
"مساكين أخوتي كم أحبهم في كرهي، وكم يكرهوني بحبهم".
والده أرمل بعد دزينة نساء، والدته كانت الأولى مسكينة ماتت شابة، عذبها الكلب كثيراً.
لأبيه قريب بعيد أسمه ... نسي أسمه لكنه شاب طيب يحب الإحسان.
"نعم طيب جداً وقد يحسن إليّ ".
مهاجر منذ صباه الأول الذي نسي تاريخه، عن الوطن/ الخصم, "كم أحبك يا وطني يا أنا ".
يحبه، يبغضه، لا يهم مَنْ يحب مَنْ.
"لكنني أشتاق لحليب حنانك أيها المحتل أرضية القلب بالقوة والبلطجة" كان يلبس نظارة, ضعيف البصر، لا يرى أمامه ولا يستطيع الالتفاف إلى الخلف، متكبر، لكنه قوي الأمل.
"ما الأمل؟ هل هو حذاء إيطالي الصنع؟".
متوسط القامة، وسيم الملامح له لون التراب بعد المطر ينفر من أمواس الحلاقة, "إن حد شفراتها يفقد الوجه أعشاب الدهشة التي ترتسم عليه قبل الولوج في دائرتها المغلقة ثم إن النساء أيضاً يشذبن بها مروجهن المعشوشبة في كل الفصول".
الفتيات يلاحقنه ويسحرهن حديثه وجنونه.
"كم يثرن شفقتي وسخطي بإبتساماتهن الحمقاء، يبحثن عن الغيث تحت كل بارق ويدعين بعد ذلك الإرتواء، هل يشبع الليل من قطرات النجوم؟؟".
"أحب النساء وأكره أمي، أعني أحب أمي وأكره الـ......؟؟"
عنيت ..؟ قريب والده وعده في منفاه خلف الشمس، القمر لا يهم، وعده بفيزة دخول إلى منفاه الإختياري.
"عمي عطوف سينقذني، كم أحبه وأكره نفسي والعالم بل وهو أيضاً, فقط أحب الله يستحق ذلك قلبه كبير كثير العطف".
له خطيبة جميلة يحبها..
"كلا هي ليست خطيبتي، مجرد عشيقة، كلبة، عاهرة، كلنا عاهرون." عمر عمه سبعة وثلاثون عاماً قضى نصفها في المهجر، في بلاد التمثال الذي تطعن يمناه بطن السماء, ويملكها شخص ينادونه بالمستر "سام"..
"لا..المستر سام نوع من الخمرة الرديئة التي تضر بشاربيها وبمشاهديهم على حد سواء.. وأنا أكرههم وأكره أكراشهم المنتفخة كبطون الحوامل، تحت فساتينهم الفضفاضة, فهم يذكروني ببغايا وشواذ الـ(42 street), ليسوا مهمين لهذه الحياة، حيوانات قارضة، مجرد قمامة في مزبلة منسية وراء ضلفة التاريخ".
عمه وعده بمساعدته، لكن الوقت يمر، عقد، قرن، سنة، كلهم تبخروا ولم يبقى إلا رائحة أظافره وراء أسنانه.
كان وسيماً, لعبته المفضلة ممارسة العواء مع أي امرأة يصطادها, عمه الوسيم أيضاً كان يعب حتى الثمالة من خمرة سام الرديئة.
أخيراً أرسل له رسالة بينما كان يتوسده المرض ويغازله الموت، لم يستطع الذهاب للبحث عن رسالته، قيل له بأن أحد أصدقائه قد تسلمها نيابة عنه، لكنه لم يسلمها له حتى الآن، الوقت ينتحر وراء شفتيه المثيرتين، وأظافره قد صارت داخل فمه كلاباً تعوي، وهو يكره عواءها تذكره بداء الكلب, الرسالة وصلت وصديقه لم يسلمها له بعد، أسبوع مر ولم يجده.
" أين ذهب؟؟"
دورة قضم الأظافر تعصف به، كم مَرّْ من الزمن؟ لا يدري!!
أخيراً وصله أن صديقه قد مات، فرمته سيارة مسرعة أخبره بعض شهود الحادث، بأن المسكين كان يبحث عنه عندما فاجأته السيارة الساقطة وشطرته شطرين, قبل أن ينتهي من مشروع ابتسامة مقتضبة أراد أن ينفحها لطفل صغير كان يسابق ظله، وقد لونت كما حدثه بعض شهود الحادث دماء صديقه, أفكار بعض المارة الذين تصادف مرورهم أثناء السحر بالقرب منه، كذلك لونت وجوه كل الطرق المسافرة من هناك إلى مختلف البقاع، ومع أن المتواجدين وقت المذبحة كُثر إلا أن أحدهم لم يحاول منع السيارة من الفرار, أو حتى يدّون رقم لوحتها وكأن الموت المدوّي فوق الجثة المشطورة قد شلهم.
أضطر بعدها إلى الذهاب إلى المستشفى لإلقاء النظرة الأخيرة على صديقه التعس.
"مطلقاً، كنت فقط مهتماً بالرسالة، صديقي محظوظ مات شهيداً، كلنا نموت شهداء، نموت مثل الكلاب الضالة تحت إطارات المركبات المجهولة الهوية، ومع ذلك نسمي قتلانا في الطرقات شهداء، نوع من المجاملات فلن نخسر شيئاً، فعلاً لن نخسر غير قليل من كرامة، قيل بأنها قد نفذت من الأسواق وكثرة الصفعات تعلم البلادة (الكرامة نوع من المقبلات المعتقة يستحسن تناولها قبل الذهاب إلى النوم بعد رج الزجاجة، لكنها للأسف تعفنت وفقدت خاصيتها على أرفف البقالات طعمها كريه بعد أن مر وقت طويل على انتهاء مدة صلاحيتها)."
دخل المستشفى، كان من الداخل يشبه المسلخ كل رواده يعاقرون الصراخ وكأنهم سيذبحون، وفي مكتب الاستعلامات استلم الرسالة ووقع الاستلام مبتسماً.
كانت داخل مظروف أبيض ملطخ بالدماء.
"كم أشعر بالتقزز لدى رؤيتي للدم، ثم هل من الضروري لكي يموت الإنسان عليه أولاً أن ينزف دمه على قارعة الطريق؟".
فض المظروف فلم يجد أية رسالة، سوى ورقة صغيرة مكتوب في أعلاها بخط أحمر منمق: "أنت التالي", فلم يدر ما يجب عليه فعله، إلا أنه أنفجر ضاحكاً حتى تبول على نفسه، هو لا يدري هل كان تبوله رعباً أم غير ذلك , وحينما التفت إلى الوراء تسبقه رائحة بوله، كان ثمة فأس ضخمة تهوي على رأسه يسبقها صفير حاد حطم كل نوافذ المستشفى الذي يشبه مسلخاً حيوانياً مهجوراً لا عنوان له.  

 

 
تداعي الزمن الصعب


تعصف بك دوائر شيطانية حادة مثل تيارات هوجاء شديدة الشراسة من ضيق ذات اليد، وتتكالب عليك الدنيا بأسرها وكأنها تريد منك قصاصاً دون ذنب جنيت, منذ الصباح الباكر وأنت تتوسل وتناشد الأهل والأقارب ليمدوا إليك يد العون لحاجتك الشديدة والملحة للمساعدة, لكن كلهم يرفضون، يعتذرون ويعطونك مبررات لا تسمن ولا تغني من جوع، وبعضهم لحظك التعس تجاهلك وتجاهل طلبك المتواضع وهم للأسف الأهل والأقرباء.
تبقى وحيداً وسط هذه التكتلات  البشرية الجامدة، لا معين لك على متاعب هذه الحياة القاسية، سوى بقايا من أحلام الأمس البعيد شبه الميتة في أغوار وجدانك المتداعي تتمنى وتعلل نفسك بتحقيقها يوماً ما.
دائماً أنت شارد الذهن خصوصاً إذا قابلتك إحدى عقبات الزمن فتشرد في صلاتك، عملك, وفي كل شيء يمت إليك بصلة, وهذا ليس بيدك بل عنوة عليك، وعندما تبكي حظك العاثر تبكي بدون دموع أو نشيج، فدموعك آهات حارقة تطحن بها السنين روحك المعذبة.
لماذا أنت دون البشر.. لماذا!!
قنطت من مساعدتهم إياك هؤلاء مدعوا القرابة في اللقب فقط، في صفة الدم المدونة على البطاقات، أما المشاعر فلا توجد في القلوب فبينك وبينهم هوة سحيقة من عدم الاهتمام أو المبالاة, لا سبيل لردمها إلا بابتعادك عنهم والكف عن الاستنجاد بهم مرات أخرى قادمة، فهناك دوما رب أسمه الرحيم.
تخرج وتهيم على وجهك في شوارع المدينة المترامية الأطراف تصفعك أشعة الشمس بحرقة جحيمية من حرارتها التي لا ترحم فيغلي دماغك في قراراة جمجمتك, حتى يوشك أن يتبخر في الهواء لتصادم الأفكار والهواجس فيه، فتضع يديك البارزتي العروق النافرة كثعابين خضر جائعة على الصحراء المترامية في بلقاء رأسك الخالي نصفه من الشعر, وتضغط بشدة عليه خوفاً من الانفجار الذي تترقبه كل لحظة وكل ثانية.
ها أنت تعود يمتطيك الإرهاق وكل آلام الأيام العجاف راسية على كتفيك الواهنتين إلى عملك, ينتظرك مكتب تكومت عليه تلال من الملفات فتذيب ما تبقى لك من نظر في الكتابة وضرب وطرح للأرقام التي لا تنتهي، وتحطم فقرات ظهرك الغضروفية من شدة الإنحناء على تلال هذه الملفات الكثيرة العدد كالنمل في مواسم تزواجها المباركة اللعنة، ينتهي دوامك باكراً واليوم هو الخميس كما تذكر وهو يوم استلام الراتب الضيئل، تهرول وكأنك أول مرة ستقبض ولست منذ خمسة عشر عاماً تمر في نفس الطريق إلى الخزانة.
تتناول الريالات المعدودة بأصابعك المرتعشة وتبدأ الحساب في عقلك.. إيجار المسكن وحده يستنزف ثلاثة أرباع المرتب والمتبقي منه مصاريف البيت والأولاد، تتذكر صغارك الأبرياء فلذات كبدك, فتبكي كما هي عادتك بآهات مجنونة تدك أضلعك المتعبة، وحتى الآن لم تنس ولن تنسى بأن أبنك الأصغر توفي العام الماضي, نتيجة لأنك لم تكن تملك المال الكافي لإدخاله المستشفى الذي طالبك عامل استقباله بإيجار السرير مقدماً, وكأنك ضللت به الطريق إلى فندق وليس إلى مستشفى، تتذكر حينها بأنك صرخت لأول مرة في حياتك وقد كانت الأخيرة، صرخت وكان صراخك نشازاً نظراً لأنك لم تتعود أبداً على الانفعال والصراخ, فقد كنت متسامحاً حتى في أبسط حقوقك كإنسان موظف وهذا ليس تسامحاً بقدر ما كان عدم ثقة في نفسك للمطالبة بحقوقك, ولأول مرة في حياتك أيضاً تدحرجت دمعتين يتيمتين من مقلتيك الجافتين منذ طفولتك اليائسة..
"حرام حرام عليكم هو ابني.. اسعفوه.. أنقذوه أتوسل إليكم".
كانت كلماتك طحين في مهب ريح هوجاء لا يصل صداها إليهم، وكان جواب عامل الاستقبال وممرض جرّع إبنك سائلاً أبيض كعلاج أولي حتى يُرّقد، يصفعك ويطوق عنقك الناحل وكأنهما يريدان قتلك بكلماتهم القاسية وغير المبالية..
- يا أستاذ أفهم.. يجب أن تستخرج لصغيرك بطاقة تنويم طارئة وهي تكلفك مبدئياً خمسمائة ريال لخمسة أيام!
وقعت هذه الجملة الأطول خلال معاملتك لمختلف البشر على أذنيك كجبل نقم(1) فسدّت عليك أنفاسك وجعلت عينيك تضطربان في محجريهما, وكأنك فقدت السيطرة عليهما,من رآك في هذه الحالة لولى منك الأدبار..
- لكنني لا أمتلك سوى خمسين ريالاً فقط.. صدقوني.. أنا لا أكذب عليكم و...!!
مزقت جيوب بنطلونك أمامهم كي يصدقوك وكأنك تنفي عن نفسك تهمة سرقة أتهموك بها, فتريهم الجيوب الخاوية ليعلموا بأنك لا تمتلك شروة نقير، وقد كنت تتمنى في قرارة نفسك بكل أمل ورجاء أن يصدقوك، لكن نفس كلماتهم الجوفاء كانت تأتيك مبهمة غير مفهومة لديك, لأنك في الحقيقة لا تريد أن تفهم أو تسمع شيئاً مما قالوه من كلماتهم الحبلى بعدم الاكتراث, والممطرة باللامبالاة والسامجة كطعام بدون ملح منذ أمد سحيق.
- ياسيدي صدقنا لا نقدر على مساعدتك بشيء سوى بالإسعافات الأولية هذا هو المتعامل به في مستشفانا وهذه هي الأوامر..!
تفيق من تذكرك وأنت قد صرت أمام مخبز لبيع الخبز، تلجه لتشتري منه قوت عيالك الأربعة وأمهم، ستة أرغفة فقط محسوب حسابها منذ أول الشهر وتحديداً منذ اللحظة التي استلمت فيها المرتب السابق.
تعاود سيرك في الشارع الواحدة ظهراً والشمس تلسعك وتلهب قفاك بشدة, لأنك دوماً لم تتطلع إلى الأعلى إلا بوجل، كنت قنوعاً زيادة عن اللزوم على الرغم من حاجتك الشديدة لكل فلس، لم تطالب حتى بحقوقك المكفولة لك بحكم القانون، خمسة عشر عاماً مضت وأنت في الدرجة السابعة، زملاؤك منهم الآن مدراء ورؤساء لشركات ومؤسسات كبرى بل ومنهم الوزراء، وأنت كعيبان(2) مستقر مكانك تردد بضعف بينك وبين نفسك مقولتك وحكمتك العاجزة.. "هم لم يصلوا إلى ما هم عليه إلا بالخداع والنفاق والرشوة", وأنت تدري تمام الدراية بأن هذا غير صحيح أبداً, بأنه وهم كاذب أطلقته لتداري عجزك على أن تحذو حذوهم، فليس كلهم غشاشين أو منافقين بل منهم الصالحون والمجتهدون في أعمالهم مثلك تماماً، ولكنهم عرفوا الحياة أكثر منك وعرفوا أيضاً بأن الحظ لا يأتي سوى مرة في العمر، فيصيب من هو مقدام متطلع إلى الأمام بعزم وعندما أتى بالطرق الشريفة أو بغيرها أستغلوه، الشريف منهم وغير الشريف، الأمين والسارق وهم الآن فوق في القمة وأنت دونهم لا زلت تعارك ظلك الجبان تحت في السفح.
لقد جاهدوا ووصلوا إلى ما وصلوا إليه، أنت فقط كنت الأخير والجبان.. نعم جبان وهّياب بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معان.
هل تذكر صديقك محمود الذي اختارك زمان لتشاركه مشروعه الطموح دون سائر أصدقائه الآخرين, والذي لو نجح فسيغير نظام تعامل المؤسسة وعملها إلى الأفضل ويوفر لها ملايين الريالات سنوياً، لكنك خفت، جبنت تهيبت المسئولية, وكان يجب عليك الإقدام لأنك ستقدم بشرف لا لتسرق كالغير ولكن لتشيد وتعمر، أبيت المساعدة على الرغم من أنها كانت في صالحك، تخوفت لقاء المدير العام وهو يناقشك تفاصيل المشروع، أمهلك شهراً.. ثلاثون يوماً كاملة للتفكير ومراجعة ذاتك, لتأتيه بعد هذا كله وتقول له وبالفم المفتوح عن آخره.."آسف", صرخ، نعم تتذكر جيداً بأنه صرخ وكأن ثمة صاعقة أصابته من هول المفاجأة المتمثلة في ردك الأجوف.. "محسن أجننت.. إنها فرصة العمر يا رجل لمَ الرفض", أجبته بتفاهة وخوا: "أخاف الفشل.. العقاب!!"
"لكن" وهو لا يريد التصديق "ممن العقاب وأنت لن تخرق القانون أو سواه، ولم الفشل وأنت تعي مهنتك وطبيعة عملك جيداً!!"
"آسف".. بكل إصرار أبله في أعماقك أجبته، ونجح المشروع كما كان متوقعاً له نجاحاً باهراً، وتحدثت عنه كل وسائل الإعلام بل وطالبت بتعميمه على باقي المؤسسات, وترقى محمود إلى نائب المدير العام وبعد مرور ثلاثة أعوام لا غير، صار مديراً عاماً للمؤسسة كلها الآن، وأنت كما أنت لا زلت ذلك المحاسب درجة سابعة لا تقدم ولا تؤخر، تأكل أصابعك.. تقضم أظافرك، تتمزق ندماً, تعصف بك رياح القهر وضيق العيش، ضاقت عليك الأرض على سعتها، لو أنك وافقت محموداً أيها الغبي لو..!!
يعود إليك شعورك مذعوراً من رحلة ذكرياتك التي لا تنسى على صوت كابح قوي لسيارة مسرعة كادت أن تدهسك تحت عجلاتها السود كأيامك وتسويك بالإسفلت كعلبة فارغة, تتمتم والعرق يتصبب منك غزيراً بكلمات مبهمة" أرجو المعذرة, لم آخذ بالي.. آ..و.." فصدمك صوت ساخط ومخدر
"لا تعتذر وكفاك خبالاً, أنتبه لطريقك أيها المجنون هل تريد أن تموت؟!"
قال هذه الكلمات وأنطلق ذاك الذي كان على وشك أن يرديك وييتم صغارك يسابق الريح، والقدر، والموت.
رددت بعمق كلمة الموت في أذنيك.. ولكن أين هو هذا الموت من يبيعه في هذه الأيام الملعونة فقد أصبح الشيء الرخيص الوحيد في هذا الزمن الصعب.
فجأة يترائى لك وجه أبنك الأصغر بسام ذي الوجه الملائكي البريء كبراءة نوارس السماء الحالمة، وحمى السعال الديكي تعصف به، تخنق عمره وتفتك بجسده أمامك، أذابت رونق وجهه البللوري وأنت تراه، عيناه تذوبان كزهرة بالية ولا حول لك ولا قوة، ويسعل بألم شديد حتى طفح الدم من فمه قادماً من شلالات صدره الغض النازفة..
" بابا.. صدري يؤلمني أخبر الطبيب يضرب لي إبرة"!!
أبداً لن تنسى هذه الجملة التي خرجت من أعماق طفلك الذي يمزقه الألم مدى حياتك، فبكيت ليس بالآهات كما هي العادة بل بالدموع الغزيرة الانهمار المرة الطعم، وعندما رآك تبكي أراد تعزيتك في نفسه ببراءة الصغار" بابا حبيبي لا تبكي أنا بخير وغداً سوف أهجي لك ألف باء فقد حفظت ما علمتني إياه".
أه يا بسام الحبيب يا بسمة عمري، ويا زهرة حبي ويا أملي الذي كنت من أجله أعيش، أخذتك مني يد المنية التي لا شفقة في قلبها، مزقت وشائج قلبي حطمت آمالي بفقدانك ياسيدي الصغير، أحالت سويعات فرحي بقربك جحيماً لا يطاق، أين أنت ألن تعود يا صغيري الحبيب؟!
ها أنت ذا تعود وتكلم نفسك من جديد كمن فقد عقله..
"هل أنا مجنون كما قال سائق السيارة؟" تتسائل مقلباً كفيك في الهواء مرتجف القسمات.
تواصل مسيرك ببطء وتعب والغبار المتطاير يكتم أنفاسك, تمرق بمحاذاتك سيارة مرسيدس زرقاء اللون منطلقة كالسهم، انتبه أنها على وشك أن تقذف بك في الفضاء لتلحق بصغيرك الذي رحل قبل الأوان، تتراجع مذعوراً إلى الوراء وقلبك بين أضلعك يخفق بشدة الرعب الذي امتطاه حتى يوشك أن يتوقف عن الحركة.
آه.. تخرج من أعماقك بحسرة وغيرة، أنه سامي أبن محمود مدير عام المؤسسة, يمتلك سيارة فارهة وهو لم يتجاوز السابعة عشرة من عمره، بينما أنت يتهدد صغارك المرض.
سرعان ما تنسى الذي رأيت وتعود إلى سحب ذكرياتك الداكنة وتغوص في أعماقها، تتذكر وحياتك كلها ذكريات عندما خرجت من المستشفى كالمجنون تهرول لا تدري إلى أين، تبحث عمن ينجدك فذهبت إلى كل من تعرف تستنجد بهم هلعاً يملؤك الرجاء بمديد العون إليك، كلهم قالوا "لا" باعتذارات باهته يتحججون، شرحت لهم بأن ابن الفرحة، فارس صحراء حياتك المجدبة وواحة روحك وسيد أحلامك على وشك أن يسقط وينهزم عن جواده، يكاد أن يقهره طفيلي حقير "ساعدوه في معركته هذه من أجل أن ينتصر ويعيش لي شمساً ومطراً وسنبلة".
لا فائدة كلهم اعتذروا كما هي عادتهم، ولأول مرة منذ بداية صداقتك لمحمود تفكر بأن تذهب إليه كي ينجدك, وذهبت وهناك استقبلك بشهامة ونبل و..حب، أطلقت كلماتك في وجهه كالرشاش دون ترتيب، تجهم وجهه الرزين أرتدى ثيابه وعلى عجل وانطلق معك صوب المستشفى على متن سيارته الفخمة, وأنت تدعو الله في سرك أن يقدم الخير أمامك.
ولكن مهلا..ألم تلحظ أنه من يلبي نداء ملهوف وينجد مضطراً ليس باللص أو الغشاش المنافق، بل إنسان كريم الأصل رهيف المشاعر وهذا محمود بجوارك والقلق مرتسماً على وجهه من أجل ابنك أنت لا أبنه هو.
هل نسيت بأنك اتهمته بينك وبين نفسك بأنه غير شريف, هل تعتقد بصدق أن مثل هذه الصفة تجدها عند إنسان غير شريف.. ستقول وبكل تأكيد لا، أنا هو العاجز الجامد مكاني كتمثال فرعوني قديم، أما هم فقد غامروا







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي