هل يدرك نتنياهو وغانتس مضاعفات ضم الغور؟

2020-01-28

أعلن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ورئيس “أزرق أبيض” بني غانتس، الأسبوع الماضي، عن نيتهما ضم غور الأردن، وهو الجزء من الضفة الغربية المحاذي لنهر الأردن. هذه التصريحات طرحت عدداً غير قليل من التساؤلات: ليس من الواضح أي أجزاء في الغور تريد إسرائيل ضمها، وكيف ستواجه التداعيات بعيدة المدى على حياة الفلسطينيين والمستوطنين الذين يعيشون في المنطقة، وكيف ستواجه ردود الفعل الدولية المتوقعة. صحيفة “هآرتس” شرحت متى ولدت فكرة ضم الغور وما سيحدث في المستقبل.

هل يعدّ ضم الغور فكرة جديدة؟

الجواب لا. فعلياً، اقتراحات ضم الغور طرحت للمرة الأولى فور احتلال الضفة الغربية في 1967. يغئال الون، الذي كان في حينه وزير العمل، طرح بعد شهر على حرب الأيام الستة خطة ألون، التي سيتم بحسبها ضم الغور إلى إسرائيل. وشارع 458 في الغور سمي على اسمه “شارع ألون”.

حزب العمل أيد بناء المستوطنات في الغور، وحتى الآن ثمة طابع مختلف للمستوطنين في الغور عن طابع المستوطنين الآخرين؛ فمعظمهم علمانيون، وبينهم من يعتبرون أنفسهم يساريين. وحركات مثل “غرعين عوديد” وحركة الموشافات، تقوم بإرسال متدربين لسنة خدمة حتى الآن إلى الغور.

“خطة ألون بقيت نظرية ثابتة خلال السنين”، قال الدكتور شاؤول اريئيلي، العميد في الاحتياط والخبير في النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني. وحسب قوله، فإنه يرى -حتى في رؤية رابين- أن غور الأردن سيبقى معنا. وفي خطاب له في تشرين الأول 1995 من أجل المصادقة على الاتفاق المرحلي، شرح رؤيته وقال بأن غور الأردن سيكون الحدود الأمنية لدولة إسرائيل. وفي قمة كامب ديفيد طرح رئيس الحكومة في حينه، إيهود باراك، تفسيراً مختصراً أكثر حول هذه الرؤية، الذي سيضم قطاع ضيق في الغور لإسرائيل، وحوالي ربع منطقة الغور سيتم استئجارها بشكل مؤقت. حسب اريئيلي، فإن المرة الأولى التي لم يظهر فيها الغور في خرائط إسرائيل كمنطقة معدة للضم هي في لقاء طابا في العام 2001. ظهر الغور أيضاً في خرائط إسرائيل في المحادثات بين رئيس الحكومة السابق إيهود أولمرت والرئيس الفلسطيني محمود عباس في مؤتمر أنابوليس في العام 2007. طلبت إسرائيل في حينه الموافقة على تواجدها في الغور لبضع سنوات. وبعد ذلك يتم نقل الرقابة الأمنية في الحدود إلى طرف ثالث. وطلب نتنياهو أيضاً تواجداً إسرائيلياً أمنياً في الغور في محادثاته عام 2014 مع جون كيري الذي كان وزير الخارجية الأمريكي في حينه.

النقاش حول ضم الغور طرحته في السنوات الأخيرة جهات يمينية، وعرض الوزير نفتالي بينيت في حملته الانتخابية في 2012 خطة لضم مناطق “ج”، ومنها غور الأردن. وفي الكنيست العشرين قدمت عضوة الكنيست شيرن هسكل (الليكود) عدداً من مشاريع القوانين في هذا الشأن.

ماذا حدث في الأسبوع الماضي؟

تجول غانتس، الثلاثاء، في غور الأردن، وقال بأنه سيعمل بعد الانتخابات على ضم المنطقة. ومع ذلك، أشار رئيس “أزرق أبيض” إلى أنه سيفعل ذلك “بالتنسيق مع المجتمع الدولي” – هذه أقوال فعلياً تفرغ قدرة فرض السيادة من المضمون. “غور الأردن سور الدفاع الشرقي لدولة إسرائيل في أي سيناريو مستقبلي”، قال غانتس، “ونعتبر هذه المنطقة جزءاً لا يتجزأ من دولة إسرائيل”.

ورد نتنياهو على أقوال غانتس وتساءل: “لماذا الانتظار إلى ما بعد الانتخابات إذا أمكن فرض السيادة الإسرائيلية على الغور الآن بموافقة واسعة في الكنيست؟”. وفي مؤتمر لليكود في المساء نفسه، قال رئيس الحكومة إن إسرائيل ستفرض “قريباً” السيادة على منطقة الغور والبحر الميت. “لن نخلي أي مستوطنة، بل سنقوم بفرض القانون الإسرائيلي على جميع المستوطنات الإسرائيلية دون استثناء”، قال.

كيف سيؤثر الضم على الفلسطينيين الذين يعيشون في الغور؟

الفلسطينيون يعارضون بشدة ضم الغور أو أي جزء آخر من الضفة الغربية. وحسب المكتب الفلسطيني للإحصاء في العام 2017، يعيش في غور الأردن وشمال البحر الميت حوالي 53 ألف فلسطيني، معظمهم في مدينة أريحا.

في مناطق “ج” المعدة للضم، كما يبدو، كان يعيش فيها في 2017 حوالي 4300 فلسطيني. وحسب حركة “السلام الآن”، يوجد الآن في هذه المناطق 47 قرية صغيرة وتجمع للرعاة. وأشارت أيضاً 250 ألف دونم على الأقل هناك، وخُمس المنطقة المعدة للضم هي أراض بملكية فلسطينية خاصة، حسب تعريف الإدارة المدنية. أغلبية السكان الفلسطينيين في مناطق “ج” يعملون في الزراعة والرعي، وقسم منهم يعمل في الزراعة داخل المستوطنات. هذه التجمعات عانت من هدم المباني خلال السنين.

السياسيون في إسرائيل الذين يتحدثون عن ضم الغور يختلفون حول مسألة المكانة التي يجب إعطاؤها للفلسطينيين الذين يعيشون في الغور. خطة ضم نتنياهو التي تم عرضها في 11 أيلول قبل الانتخابات السابقة تناولت ضم جزء من الغور الذي يعتبر منطقة “ج”، والذي توجد فيه جميع المستوطنات.

شملت الخريطة أيضاً عدداً من المستوطنات التابعة للمجلس الإقليمي “ماتيه بنيامين”. وفعلياً، حددت حدود الضم بـ “شارع أيلون”. وقال نتنياهو إن اقتراحه “لا يضم أي فلسطيني”، وامتنع عن التطرق لمكانة الفلسطينيين الذين يعيشون في المنطقة، الأمر الذي يثير مخاوف منظمات حقوق الإنسان حول مصيرهم. كثير من القرى الفلسطينية في مناطق “ج” هي قرى يعتبر البناء فيها غير قانوني. وضمن أمور أخرى، بسبب وجودها في مناطق تدريب. ومن غير الواضح إذا ما كانت إسرائيل ستعترف بالسكان الذين يعيشون فيها في حالة إعطاء مكانة لفلسطينيين. وثمة أصوات في يمين الخريطة السياسية يؤيدون منح الجنسية للفلسطينيين الموجودين في مناطق “ج” في الغور. وحسب قولهم، يمكن لإسرائيل “استيعاب” هذا العدد القليل نسبياً منهم. وفي خطة بينيت التي نشرها مؤخراً، قال بأنه يؤيد اقتراح منح الجنسية الإسرائيلية على الفلسطينيين الذين يعيشون في مناطق “ج”. ودافيد الحياني، رئيس مجلس غور الأردن ورئيس مجلس “يشع”، قال في السابق بأنه يمكن إعطاء الفلسطينيين الذين يعيشون في الغور مكانة في إسرائيل في إطار الضم. كثيرون يشيرون إلى ذلك النموذج الشرقي للقدس وهضبة الجولان، الذي بحسبه حصل السكان المحليون الذين تم ضمهم لإسرائيل على مكانة مقيم، وإمكانية الحصول على الجنسية. مع ذلك، ما زال 95 في المئة من سكان شرقي القدس مقيمين دائمين فقط. لذلك، لا يمكنهم التصويت في انتخابات الكنيست ويتم إبعادهم عن اللعبة الديمقراطية.

ماذا يعني هذا بالنسبة للمستوطنين الذين يعيشون في المنطقة؟

حسب المكتب المركزي للإحصاء، في العام 2017، كان يعيش في منطقة المجلس الإقليمي غور الأردن 7035 إسرائيلياً. والمستوطنة الكبرى في الغور هي “معاليه أفرايم” التي تعتبر مستوطنة جماعية ويعيش فيها 1800 نسمة. إضافة إلى ذلك، توجد في الغور 21 مستوطنة، التي هي “كيبوتسات” و”موشافات” وتجمعات سكانية. وحسب حركة “السلام الآن”، فإنه إضافة إلى المستوطنات توجد الآن 18 بؤرة استيطانية في الغور. الفرع الرئيسي الذي يعتاش منه السكان هو الزراعة. وحسب قسم الأبحاث في وزارة الزراعة، فإن حوالي 38 في المئة من إنتاج التمور في إسرائيل جاء من هذه المنطقة في العام 2017. وحسب المجلس الإقليمي بغور الأردن، فإن حوالي 66 في المئة من مزروعات الغور مخصصة للإنتاج.

المجلس الإقليمي “مغيلوت البحر الميت” هو مجلس أصغر بكثير. وفي العام 2018 كان يعيش فيه 1065 نسمة في سبع مستوطنات – كيبوتسات وموشافات. وحسب المجلس، معظم السكان يعملون في الزراعة أو السياحة. وحسب “السلام الآن” فإن عدد سكان المستوطنات التي تشملها خريطة نتنياهو هو 12.733 شخصاً. بالإجمال، يدور الحديث عن ضم 48 مستوطنة وبؤرة استيطانية.

وحسب أقوال ميخائيلي سفارد، المتخصص في حقوق الإنسان، فإن فرض القانون الإسرائيلي لا يقتضي الضم. والضم لا يقتضي بالضرورة فرض القانون. “فرض القانون هو أحد مظاهر السيادة، لكن يمكن للدولة أن تقول بأنها تضم منطقة معينة وتفرض عليها حكماً عسكرياً”، شرح. “مثلاً، عندما فرضت إسرائيل القانون الإسرائيلي في شرقي القدس قالت إن هذا لا يعتبر ضماً. وجميع ممثليات إسرائيل في العالم طلب منها أن تشرح بأن هذا ليس ضماً. وفي الثمانينيات، عندما أجاز بيغن قانون القدس، اعتبر العالم هذا الأمر ضماً”.

ما موقف القانون الدولي فيما يتعلق بضم الغور؟

إسرائيل تعتبر الوضع في المناطق وضعاً مؤقتاً، وهو بحاجة إلى حل متفق عليه. وحسب “سفارد”، فإن هذا التعريف يحمي إسرائيل من ناحية قانونية. “في اللحظة التي ستنفذ فيها إسرائيل الضم، فهي بذلك تحطم هذه الذريعة وتعترف بأنها لا تعتقد أن الوضع النهائي يجب تحديده في المفاوضات، وأن سيطرة إسرائيل على السكان الفلسطينيين غير مؤقتة”، قال. “عندما تعترف إسرائيل بذلك فهي تحطم الذريعة الوحيدة التي توجد لديها ضد ادعاء أنها انشأت نظام أبرتهايد”.

سفارد يذكر بأن مكتب المدعية العامة في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، كتب في تقريره السنوي بأنه “يتابع بقلق” تصريحات نتنياهو حول ضم الغور. وحسب أقوال سفارد، فإن المدعية العامة فاتو بنسودا، اعتبرت هذه الأقوال تعزيزاً للادعاء بأنه يجب الاعتراف بفلسطين كدولة حسب ميثاق روما، وأنه من صلاحيات المحكمة البحث في النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني. الضم نفسه، حسب أقوال سفارد، هو خرق للقانون الدولي؛ لأن ميثاق روما يمنع ضم مناطق تم احتلالها “باستخدام القوة”.

المحامي هرئيل ارنون، الذي يمثل الدولة في الالتماس الذي قدم للمحكمة العليا حول قانون التسوية، يعتقد في المقابل بأن القانون الدولي غير حاسم بشأن مسألة الضم. “موقف إسرائيل الذي يقضي بأن المناطق غير محتلة مقنع من وجهة نظر أخرى، بسبب أنه يجب أن نسأل – ممن احتلتها؟ أي دولة كانت هنا من قبل بحيث يمكن القول بأنك أخذت منها هذه المنطقة الجغرافية؟ وحسب قوله، “لم نأخذ هذه الأرض يوماً من دولة قائمة-فلسطينية، بل إن الأردن أيضاً لا يملك ادعاء على هذه الأرض. فضلاً عن ذلك، فإن لنا تاريخاً على هذه الأرض”.

 

بقلم: هجار شيزاف

هآرتس 28/1/2020








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي