مساعدات للاجئين لا وجود لهم "رسميّاً .. مخيمات خارج التغطية

2020-01-25

كاتب: ABBY SEWELL

مصدر: How Aid Groups Map Refugee Camps That Officially Don't Existشارك

عفاف محمد - تتوزع مخيمات اللاجئين غير المسجلة رسميًّا بالآلاف في مناطق مختلفة من لبنان، ويكون قاطنوها في أمسّ الحاجة إلى مختلف أنواع المواد مما تؤسس به أولويات الحياة في وسط العراء. يوضح تقرير منشور حديثًا في مجلة «وايرد» الأمريكية كيف تتعقب منظمات الإغاثة هذه الحالات وما تستطيع تقديمه لها.

خيمٌ في العراء

يبدأ التقرير من مشارف رحلة في وادي البقاع اللبناني، حيث يسير شخصانِ من عمال الإغاثة حاملين لافتات ألواح كتابةٍ وهواتف محمولة ليعبرا مخيمًا صغيرًا للاجئين يضم 11 ملجأ مؤقتًا مبنيةً من الخشب ومشمعات التربولين الزرقاء التي تشتهر بها خيم اللاجئين. تنتشر عدة تجمعاتٍ مثل هذا المخيم في البقاع، ويتفحّص عاملا الإغاثة الخيم مسجلًا كلًا منهما أعداد السكان والمرافق الموجودة المستخدمة، فيما يقودهما أحد سكان المخيم ويدلّهم على تفاصيل الخيم وأحوالها ليجري تقييدها، حالها حال المخيمات الأخرى.

تأتي هذه الزيارة في إطار مبادرةٍ من منظمة ميدير (وهي منظمة غير حكومية مقرها في سويسرا) لوضع خريطةٍ تحدد أماكن تجمعات اللاجئين غير الرسمية في لبنان، والتي يتراوح عددها بالآلاف وفقًا للتقرير، وذلك في بلدٍ تفتقر فيه حتى العديد من مباني المدن إلى عناوين نظامية، فما بالك ببعض الخيام المرميّة على جانبِ طريقٍ ترابيّ ريفي.

تبين خرائطٌ جمعتها مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ارتفاع عدد المخيمات غير الرسمية في منطقة واحدة في لبنان، على مدار ستّ سنوات. المصدر

تعقّب مديرة مشروع إدارة المعلومات في المنظمة رين هانا –والتي ساهمت في تطوير مشروع رسم الخرائط بدورها- قائلةً: «دائمًا ما أقول إن هذا المشروع يعطي عنوانًا للأشخاص الذي فقدوا منازلهم، وهو ما يعيد جزءًا من كرامتهم بطريقة ما».

تعتمد المبادرة على تقنية نظم المعلومات الجغرافية (GIS)، رغم أن البيانات الأولية تُجمع بالطريقة التقليدية الخالية من أيّ تكنولوجيا عالية يمكن أن تساعد على رسم الخرائط مثل الطائرات دون طيار. تجوب فرق رسم الخرائط أنحاء البلاد على مدار العام، ويتوقفون عند كل مخيمٍ ليتحدثوا مع السكان ويجروا استطلاعاتهم.

تدخل الفرق إحداثيات المخيمات الجديدة أو التغييرات في أعداد السكان والمرافق للمخيمات القديمة إلى قاعدة بياناتٍ مشتركة مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) ووكالة الأمم المتحدة للاجئين (UN) فضلًا عن المنظمات غير الحكومية العاملة في المخيمات. يمكن الوصول لهذه الخرائط عبر تطبيقٍ هاتفي، وذلك يساعد العاملين المتوجهين إلى الميدان لتوزيع المساعدات أو الاستجابة لحالات الطوارئ.

صفة اللجوء

يضم لبنان بعدد سكانه الذي يبلغ 4 ملايين نسمة، أكثر من 900 ألف لاجئٍ سوري مسجل وربما مئات الآلاف من اللاجئين غير المسجّلين، ولذا عالميًا يُعتبر لبنان هو البلد المستضيف لأكبر عددٍ من اللاجئين مقارنة بعددِ أفراده. لكن لا توجد مخيمات رسمية للاجئين تديرها الحكومة ولا مخيمات تديرها مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان، إذ يُعتبر موضوع اللاجئين موضوعًا حساسًا في هذا البلد.

لم يوقّع لبنان على اتفاقية اللاجئين لعام 1951، ولا يسمّي المسؤولون الحكوميون السوريين بـ«اللاجئين» بل يستخدمون كلمة «نازحين». يُبدي المسؤولون اللبنانيون حرصهم على عدمِ استقرار السوريين بصورةٍ دائمة، كما حصل في مسألة اللاجئين الفلسطينيين التي بدأت عام 1984. تقول الأرقام اليوم أن لبنان يستضيف–بعد أكثر من 70 عامًا- قرابة 470 ألف لاجئٍ فلسطيني مسجّل في لبنان، رغم الاعتقاد السائد بأن عدد من يعيشون في البلد أقلّ بكثير في الواقع.

في عام 2015، طلبت الحكومة اللبنانية من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين التوقف عن تسجيل اللاجئين السوريين، ومنعت بناء مخيمات لإقامة اللاجئين الدائمة. يعيش معظم اللاجئين السوريين في منازل وشقق حسب بيانات الأمم المتحدة، لكن يزيد عدد من يعيشون في التجمعات غير الرسمية لأن بعضًا ممن كانوا يعيشون في شقق مستأجرة استنفدوا مدخراتهم وانتقلوا إلى الخيام. أفادت منظمة ميدير عام 2019 بوجودِ 302209 لاجئ سوري يعيشون ضمن ما يزيد عن 6 آلاف مخيم غير رسمي، فيما كان عددهم 236 ألف في أواخر عام 2016.

توضح الناطقة باسم المفوضية السامية في لبنان ليزا أبو خالد: «تكاليف الإيجار الباهظة ومساحة الإيواء المحدودة في لبنان مقترنتين بسياسة اللا مخيمات في البلد دفعت اللاجئين السوريين للبحثِ عن ملاذٍ في مئات التجمعات العشوائية غير الرسمية».

يستأجر اللاجئون عادةً مساحاتٍ من مالكي الأراضي بقطعِ أراضٍ غير مستخدمة –في أماكن زراعية غالبًا- ويقيمون خيامهم البسيطة فيها. تقدم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وغيرها من منظمات بعض مواد للبناء ومساعدات نقدية لبعض الأسر من الفئة الأشد عوزًا، لكن يستأجر الكثير من اللاجئين من أموالهم الخاصة، وعادة ما تكلّف قرابة 50 دولارًا في الشهر.

تقول هانا إن الطبيعية اللامركزية وغير الرسمية لنظام اللاجئين -بجانب الافتقار العام لعناوين الشوارع في البلاد- تجعل تقديم المساعدة للاجئين أو الاستجابة في حالات الطوارئ مثل الفيضانات والحرائق مهمّة مروعة. وينقل التقرير عن هانا قولها: «بالنسبة لي، إذا توجب عليّ إخبار شخصٍ ما عن مكان إقامتي أقول لهم: انعطف عند ثاني طريق على اليسار يمر بك، بعد المطبّ في الطريق قد تجد بيتي هناك. فتخيل إن كنت تحاول إخبار أحدهم عن مكان إقامتك في وسط المجهول في تجمعٍ ما».

مسار الخرائط

عندما تخرجت هانا في الجامعة بدرجةٍ علمية في علوم الكمبيوتر وشهادة في وضع خرائط نظم المعلومات الجغرافية (GIS)، لم تكن تتوقع الدخول في مجال العمل الإنساني، لكنها سرعان ما علمت بأهمية مهاراتها في نطاق إغاثة اللاجئين.

بدأت منظمة ميدير في وضع خرائط تجمعات اللاجئين عام 2013، ووجد العمال مخيمات معزولة لم يزرها أي من منظمات الإغاثة من قبل ولم تتلق أي خدمات من أي نوع. تعقّب هانا: «لم يعلم أحد بوجودهم هناك، والسبب في ذلك أن بعض الأماكن أخذت منا 45 دقيقة بالسيارة من أقرب طريقٍ عام أو أقرب طريق رئيسي لنصل إليهم في وسط العراء. لكن هؤلاء أكثر الفئات ضعفًا وأمسّ الناس حاجةً إلى المساعدة».

شكّلت الخرائط عاملًا حاسمًا خلال العواصف الشتوية الشديدة التي وقعت العام الماضي، تاركةً وراءها الكثير من المخيمات تغرق في المياه. ساعدت الخرائط جماعات الإغاثة في العثور على التجمعات التي غرقت بمياه الأمطار أو من يحتاج إلى مفارش وبطانيات جافة.

غطت الخرائط الأولى عام 2013 منطقة وادي البقاع وهو المستضيف الأكبر لتجمعات اللاجئين في البلد. وسّعت المنظمة مشروعها لرسم الخرائط ليشمل كل لبنان عام 2014، وذلك بالتنسيق مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وشركاء آخرين من المنظمات غير الحكومية.

استخدمت المنظمة برنامج Esri لوضع خرائط GIS، وانتشرت الفرق في جميع أنحاء البلاد محددةً كل تجمع وكل خيمة عثرت عليها. في بعض الحالات، وجدث إحداثيات المخيمات لدى المفوضية وغيرها من المنظمات سابقًا، لكن في بعض المناطق الأخرى وجّه سكان الخيم الفرق إلى التمركزات الجديدة لجيرانهم. وفي بعض الحالات، تجولت فرق وضع الخرائط لوحدها عبر الطرق الريفية بحثًا عن الخيام.

حُدد كل تمركز للمخيمات بـ« P code» أو رمز للموقع، وهو سلسلة من الأرقام تحدد المقاطعة ومنطقة القرية وخطوط الطول والعرض للمكان. يجري واضعو الخطط مسحًا على سكان المخيم لجمع وإدخال البيانات الأساسية عن عدد الخيام والمقيمين بها، وعن المرافق والبنية التحتية مثل مصادر المياه وما يُستخدم بمثابة مصارف صحيّة.

تكرر فرق وضع الخرائط هذه المسوحات كل أربعة أشهر لملاحظة أيّ تغييرات، ففي بعض الحالات يُجلى ساكنو الخيام عن مخيماتهم من قبل الجيش أو ملّاك الأراضي، وفي حالاتٍ أخرى تنبثق تجمعات خيام في مناطق جديدة. قد تتحرك عائلات من أماكنها سعيًا وراء العمل الموسمي، وقد يعود البعض إلى بلدهم.

يتوفّر الآن خط ساخن يمكن للاجئين الاتصال به عند انتقالهم إلى موقعٍ جديد، لطلب زيارة من فريق وضع الخرائط. فكما توضّح هانا: «اعتدنا أن نسأل اللاجئين والبلديات والقيادة في مناطق مجهولة فقط للبحث عن أماكن الخيم. الآن يتواصل معنا اللاجئون أنفسهم عبر الخط الساخن».

خطوةٌ أولى على مسار طويل

تُسجل التغيرات الجديدة في قاعدة بيانات الخرائط، ويطّلع عليها مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وغيرها من منظمات قد تقدم الخدمات للاجئين المستهدفين. على سبيل المثال، حين يجد فريق وضع الخرائط تمركزًا جديدًا، قد يحتاج الوافدون الجدد فيه إلى معدات اللجوء من أغطية بلاستيكية وألواح خشبية وغير ذلك. وينقل التقرير عن هانا توكيدها بأن قاعدة البيانات هذه لا يتاح الوصول إليها إلا من المنظمات غير الحكومية المتحقق عنها والعاملة في المنطقة المعنية، وذلك بعد تلقي إذن من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

تجد فرق رسم الخرائط نفسها أحيانًا بمثابة متنفس لإحباط السكان الناجم عن نقص المساعدات، فقد أصبحت معايير المساعدة أصعب وأصرم مع استمرار الحرب في سوريا و«كلل المانحين».

يعود التقرير إلى تجمع الخيام في زحلة المذكور سابقًا، حيث أشار السكان إلى شظايا الخشب في الخيام وتسربات السقوف، واشتكوا من عدم وصول الأخشاب والقماش المشمع إليهم لمدة أربع سنوات، سواءً من المساعدات الأممية أو ما توفره المنظمات غير الحكومية المختلفة. وينقل التقرير شهادة من أحمد إبراهيم وهو أحد الآباء في المخيم وهو أب لثلاثة أطفال، ويحكي عن عدم استطاعته لإيجاد عمل برغم وجود دينٍ يبلغ 8 آلاف دولار على عاتقه، وكيف دخلت المياه إلى خيمته وأطفاله حين أمطرت في اليوم السابق لأخذ شهادته.

ينقل التقرير شهادة علي إسماعيل، وهو أحد العاملين في فرق وضع الخرائط في البقاع، وقد استمر في هذا العمل لمدة ست سنوات. يقول علي إسماعيل أن العمل قد يكون مثبطًا أحيانًا: «أصعب حالة حين تذهب إلى المخيم وتجد وضعهم سيئًا للغاية لكن لا يمكنك فعل أيّ شيء». لكنه مع ذلك يصر على الفارق الذي يمكن للعمل أن يحدثه: «هناك مخيمات نذهب إليها فنجد أن الناس قد وصلوا حديثًا وليس لديهم أي شيء». يحدد فريق وضع الخرائط كودًا لموقع القادمين الجدد، ومن ثم «تبدأ المنظمات غير الحكومية بالقدوم لزيارتهم والمساعدة في توفير المأوى والمرافق الصحية وما إلى ذلك، ويتحسن وضعهم بعد قليلٍ من الوقت».







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي