هكذا سيتحول منتدى الكارثة والانتخابات الأمريكية “إطاراً جميلاً” لضم غور الأردن

2020-01-23

عندما أعلن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو عن نيته ضم غور الأردن في الأسبوع الذي سبق الانتخابات في أيلول، اعتبر تصريحه هذا خدعة اللحظة الأخيرة لحرف النقاش العام عن لوائح الاتهام المتوقعة ضده، وقطعة حلوى لإغراء مصوتين من اليمين المتدين كي يرتكوا قائمة يمينا ويذهبوا إلى الليكود. نتنياهو عرض في الحقيقة خريطة للمنطقة التي سيتم ضمها، لكن الخطة لم تثر أي نقاش عام أو أي رد دولي، وابتلعت في ضجة الانتخابات.

حملة ذهبت وحملة جاءت، ونتنياهو بقي يتمسك بالرسالة: دعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يمنح إسرائيل فرصة نادرة لضم الغور، لذلك يجب الإبقاء على رئيس الحكومة المقرب من البيت الأبيض ومن الحزب الجمهوري، في السلطة. الاستطلاعات لم تتأثر في هذه الأثناء، وما زالت كتلة اليمين برئاسة نتنياهو تنقصها الأغلبية المطلوبة لإنقاذ رئيس الحكومة من المحاكمة. مع ذلك، نجح نتنياهو في غرس الفكرة في وعي الجمهور.

في هذا الأسبوع، منح منتدى الكارثة الدولي الذي يعقد في القدس الفرصة لتصعد فكرة الضم إلى العناوين من جديد من خلال المعرفة بأن الزعماء الكثيرين الذين جاءوا لإحياء ذكرى الملايين الستة لن يخربوا الحدث بانتقادهم لشهوة إسرائيل للأراضي. حظي نتنياهو بدعم متحمس للفكرة من قبل خصمه السياسي كما يبدو، رئيس “أزرق أبيض” بني غانتس، الذي ذهب مع رؤساء قائمته لالتقاط الصور في غور الأردن ووعد بدعم عملية الضم بـ “موافقة دولية”. ومحرر صحيفة “مكور ريشون”، حاغي سيغل، اقتبس، الجمعة، أقوال غانتس الذي يريد موافقة من الأردن وأوروبا على الضم، وليس من أمريكا فقط. يعرف غانتس أن الملك عبد الله والاتحاد الأوروبي لن يعترفوا بفرض القانون الإسرائيلي في غور الأردن، لكنه لا يستطيع التخفي خلفهما إلى الأبد. هذا الدرع رقيق ومثقوب ويذكر بالنكتة القديمة عن المبدأ والثمن.

يمكن التقدير بأن إسرائيل تسير نحو ضم الغور، الذي هو منطقة فارغة وقفر بمعظمها، وهناك إسرائيليون قليلون يزورونه بشكل عام، لكنه يعتبر منطقة استراتيجية مهمة. التوقيت واضح، سنة الانتخابات للرئاسة في الولايات المتحدة التي يتنافس فيها ترامب على ولاية أخرى وأذنه تصغي لطلبات تل أبيب. لم يخترع نتنياهو أي جديد. إسرائيل تستغل أوضاعاً كهذه لتحظى مقابلها بأمور سياسية من واشنطن. الرئيس هاري ترومان اعترف بالدولة اليهودية بعد بضع دقائق من الإعلان عنها في 1948، خلافاً لموقف وزير الخارجية والقيادة العليا في الإدارة الأمريكية. لأنه تنافس في الانتخابات الأمريكية من موقف ضعف واحتاج إلى تأييد الناخبين والمتبرعين اليهود.

وفق الخريطة السياسية الحالية هناك في إسرائيل أغلبية صلبة تؤيد ضم الغور، وتشمل كتلة اليمين والمستوطن افيغدور ليبرمان، والآن “أزرق أبيض” أيضاً. من الصعب أن نتذكر بأن نتنياهو قبل بضع سنوات عارض أي عملية ضم في الضفة الغربية وتمسك بالحفاظ على الوضع الراهن بذريعة أن خطوات أحادية الجانب ستضر إسرائيل. لكن المستوطنين لم يتنازلوا وجندوا أغلبية الليكود وانتظروا الوقت المناسب الذي سيضعف فيه نتنياهو ويحتاج إليهم. الآن، غانتس أيضاً انتقل من اليسار – وسط إلى اليمين الذي يريد الضم. وإذا تشكلت حكومة وحدة بعد الانتخابات فإن ضم الغور سيكون على رأس جدول أعمال هذه الحكومة، وسيجاز حتى لو حظي الجناح اليساري في “أزرق أبيض” بحرية التصويت.

اليسار منقسم أيضاً، فالذي بادر إلى ضم الغور في نهاية المطاف شخص في حزب العمل، يغئال ألون، بخطته المشهورة لتقسيم الضفة الغربية التي عرضها في أيام الاحتلال الأولى، ومستوطنات الغور بنتها حكومة العمل قبل الانقلاب الذي حدث في 1977. والتحفظ الذي نشره، الثلاثاء، رئيس حزب العمل، عمير بيرتس، على تأييد غانتس للضم كان معتدلاً وذكر بـ”الترتيبات الأمنية الحيوية” بالنسبة لإسرائيل. حزب ميرتس والقائمة المشتركة عارضا بصوت أعلى كما هو متوقع، ولكن هذه المعارضة تساعد غانتس على الظهور كشخص وطني وغير يساري. وتعهد عضو الكنيست أحمد الطيبي لغانتس بأنه إذا أيد الضم فسيبقى في المعارضة، وهذا لم يردع رئيس “أزرق أبيض”.

ضم الغور يتساوق والموقف الذي يعرضه نتنياهو منذ عشرات السنين، والذي تعدّ الضفة الغربية وهضبة الجولان بحسبه “الجدار الدفاعي” لإسرائيل، ويحظر التنازل عنهما. وحتى قبل الإعلان عن الضم تحدث عن سيطرة أمنية على غور الأردن في أي اتفاق مستقبلي مع الفلسطينيين. وإذا قام بتطبيق القانون الإسرائيلي في الغور، أو حرك عملية سياسية سيستكملها ورثته، فإنه سيسجل لنفسه الإنجاز الأكبر في ولايته بعد أكثر من عقد من المراوحة في المكان والجمود السياسي.

إسرائيل ستبرر الاحتلال باعتبارات أمنية وبعدد السكان الفلسطينيين القليل في المنطقة التي سيتم ضمها. وحسب معطيات حركة “السلام الآن” فإن خريطة نتنياهو ستضم لإسرائيل 1236 كم مربع، تشكل 22.3 في المئة من مساحة الضفة الغربية، والتي يعيش فيها نحو 13 ألف مستوطن ونحو 4500 فلسطيني. وسيتقال للحكومات الأجنبية التي تحتج على دفن العملية السلمية وحل الدولتين، بأن فرض القانون الإسرائيلي لا يمنع إجراء المفاوضات في المستقبل حول السلام، مثلما لم يمنع ضم شرقي القدس في العام 1967 وهضبة الجولان في 1981 إجراء المحادثات حول إعادة تقسيمها من جديد مع الفلسطينيين والسوريين.

إن صراخ السلطة الفلسطينية لا يثير في هذه الأثناء أي اهتمام في المجتمع الدولي، ومحكمة الجنايات الدولية في لاهاي تجد صعوبة في قراءة وثائق طويلة حول خرق القانون الدولي، حسب ما نشر أمس في “هآرتس”. وإذا أعطى ترامب ومديرو حملته الضوء الأخضر لنتنياهو فمن الصعب رؤية شخص ما يمنع إسرائيل من إجازة فرض القانون بالقراءات الثلاث في الكنيست والقضاء والإدارة الإسرائيلية في منطقة الغور التي ستعرض في الخريطة المرفقة بقانون الضم. الدولة الوحيدة التي ستتحفظ هي الأردن، التي تحظى بدعم جهاز الأمن الإسرائيلي. وهنا سيحتاج من يريدون الضم إلى اللياقة والإبداع من أجل منع انهيار اتفاق السلام وهوامش الأمن الواسعة التي يمنحها الأردن لإسرائيل.

 

بقلم: الوف بن

هآرتس 23/1/2020







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي