باغتيال سليماني.. أمريكا ترفع الغطاء عن الصندوق الأكثر عدائية ضد إيران

2020-01-05

الخطوة الحازمة التي اتخذها الأمريكيون بقرارهم اغتيال الجنرال قاسم سليماني استقبلت بحماسة في إسرائيل. في قنوات التلفاز سمعت أخيراً أقوال ثناء كثيرة على الرئيس ترامب، وآمال العودة إلى عهد العظمة الأمريكية، وحتى على الهامش أحلام لتسوية إقليمية جديدة يتم في إطارها إسقاط نظام آيات الله في طهران.

ولكن يظهر أن الصورة الاستراتيجية قد تكون معقدة قليلاً وأكثر خطورة من اللهجة القاسية إلى حد ما التي سيطرت أحياناً على جزء من البث.

إن سياسة إدارة ترامب في المنطقة لم تعكس خط تفكير متواصلاً، بل تعرج.. تجربة وخطأ. انسحب الرئيس قبل حوالي سنة ونصف من الاتفاق النووي مع إيران مثلما تعهد في حملته الانتخابية. وبعد ذلك، استخدم مقاربة الحد الأعلى من الضغط التي تم في إطارها تطبيق عقوبات اقتصادية شديدة على إيران وعلى شركات أجنبية تعاملت معها.

ولكن لم تتحقق تلك النتيجة المرغوبة في خضوع إيران لبلورة اتفاق جديد بشروط أكثر قسوة، والتي قد تشمل تقييد تآمر إيران الإقليمي، بل بالعكس، منذ أيار الماضي ردت طهران بحملة واسعة من الهجمات على صناعة النفط في الخليج، التي اتسعت أحياناً ومست بالمصالح الأمريكية. ترامب ضبط نفسه خلال أشهر كثيرة، بالأساس إزاء تخوفاته من التورط في حرب، وكانت إسرائيل خائبة الأمل من عدم الرد الأمريكي، مثلما ظهر مؤخراً في أقوال رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ورئيس الأركان افيف كوخافي. 

في الأسبوع الماضي ذهب الإيرانيون بعيداً. قتل مواطن أمريكي بواسطة صاروخ أطلق على قاعدة عراقية، وبعد ذلك اقتحام الجمهور لمبنى السفارة الأمريكية في بغداد، رداً على هجوم عقابي أمريكي قتل فيه 25 شخصاً من المليشيات الشيعية، كل ذلك أدى إلى التغيير الحاد في موقف الإدارة الأمريكية. تمسك ترامب بخطه الأحمر- عدم الصبر على قتل الأمريكيين. أما سليماني، قائد قوة القدس في حرس الثورة الإيراني، فقد دفع حياته ثمناً لغطرسته التي اتضحت مرتين: الأولى، قرار تصعيد العمليات ضد الأمريكيين. والثانية، تمسكه بالتحرك بشكل علني وكأنه محصن من الإصابة.

 

 

أقوال نتنياهو قبل ساعات من العملية تشير إلى أنه تلقّى إنذاراً مبكراً وواشنطن تعتبر العملية خطوة نحو الأمن

الجنرال الإيراني لم يهتم بالبقاء تحت الرادار. بالعكس، لقد ظهر بشكل علني بين الفينة والأخرى أثناء وصول طائرته إلى مطارات الشرق الأوسط، وأكثر من مرة خلد نفسه بصور في زياراته التي نشرت في الشبكات الاجتماعية. قصف الأمريكيون قافلته بصواريخ من الجو بعد وقت قصير من هبوطه في بغداد. ومقابل سليماني، كان حسن نصر الله، السكرتير العام لحزب الله، أكثر حذراً في سلوكه، وهو يدرك السبب. ومن الآن، سيكون أكثر حذراً بالتأكيد. هناك قاسم مشترك بين المقاربة الأمريكية والمقاربة الإسرائيلية في الأسلوب الذي سمي بـ”التصفية المركزة”، الذي طورته إسرائيل في زمن الانتفاضة الثانية.

حسب تقارير وسائل الإعلام الأمريكية، عرضت على ترامب خيارات عدة لتصعيد الرد ضد إيران. ولدهشة عدد من مستشاريه، اختار السيناريو الأكثر عدائية، وهو الذي دعا إليه الصقور منذ زمن طويل. الجنرال المسؤول عن قتل عشرات آلاف الأشخاص، ومنهم أمريكيون وإسرائيليون، وبالأساس مسلمون من السنة، تمت تصفيته.

هذا قرار مبرر ومناسب لترامب، وبالنسبة إلى إسرائيل بالطبع. ولكنه لم يضع حداً للمواجهة بين إيران والولايات المتحدة التي يمكن أن تشمل إسرائيل أيضاً. ومن الأفضل أخذ تهديدات إيران بالانتقام من الولايات المتحدة بجدية، رغم أنهم يقللون من ذكر إسرائيل. الساحة الأكثر احتمالاً للرد الإيراني هي العراق، حيث يجري صراع على النفوذ بين واشنطن وطهران. أما السعودية والإمارات فقد تتضررا أيضاً.

يعدّ الاغتيال ضربة لكل “محور المقاومة” الذي تقوده إيران، ويشمل أيضاً حزب الله والمليشيات الشيعية في دول المنطقة، وبدرجة أقل الجهاد الإسلامي الفلسطيني. وإبعاد سليماني سيضعف فاعلية جهاز الإرهاب والعصابات المخيف الذي أدار معظم أنشطته بنفسه. في العام 2008 تمت تصفية عماد مغنية من حزب الله جراء عملية بدمشق، وهي العملية التي نجا منها سليماني بصعوبة. الإيرانيون وحزب الله هددوا بالانتقام لقتل مغنية –وقتل عدد من العلماء الإيرانيين عملوا في المشروع النووي– من خلال تنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية. لكن هذه العمليات أحبطت أو تشوشت. وبعد مقتل مغنية قبل إنه لم يبق هناك مغنية آخر كي ينتقم له.

هذا ما يتوقع أيضاً في اليوم التالي لسليماني، رغم أنه لا يجب الاستخفاف بجدية نوايا إيران. وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، قال إن موت سليماني يحول المنطقة إلى منطقة آمنة أكثر لمواطني الولايات المتحدة. وقد يكون صحيحاً في المدى البعيد، ولكن بعد بضع ساعات على أقواله وجهت وزارة الخارجية الأمريكية جميع المواطنين الأمريكيين الموجودين في العراق لمغادرة العراق في أسرع وقت.

التقدير المعقول إزاء هذه التطورات، هو أن الأمريكيين أعطوا إسرائيل إنذاراً مبكراً حول عملية التصفية. وبعد ذلك، فإن أقوال نتنياهو الخميس الماضي عشية سفره لزيارة اليابان: “منطقتنا تضج بالأحداث الدراماتيكية جداً، ونتابع بحذر ونتواصل بشكل مستمر مع صديقتنا الكبرى الولايات المتحدة”، تظهر كإشارة غير واضحة تماماً عما كان سيحدث في العراق بعد بضع ساعات.

وبعد عملية التصفية، أمر رئيس الحكومة وزراءه بالحفاظ على الصمت بهدف عدم إغراء الإيرانيين على وضع إسرائيل في مرمى هدفهم. في هذه الأثناء يظهر السياسيون ضبط نفس غير معتاد. وهذا جدير بالتقدير خاصة مع بداية الحملة الانتخابية الثالثة خلال سنة.

 

بقلم: عاموس هرئيل

هآرتس 5/1/2020







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي