"إنشاء البحر المتوسط".. كيف جرى تصويره في الخيال والخرائط الإسلامية؟

2019-12-13

قراءة : عمران عبد الله

صدر عن دار بريل للنشر في هولندا كتاب "إنشاء البحر المتوسط.. الخرائط والخيال الإسلامي" من تأليف الأكاديمي التونسي المختص بتاريخ الفن الإسلامي والحضارة الإسلامية طارق كحلاوي الذي تناول فيه موضوع التخيل الإسلامي للبحر الأبيض المتوسط، متتبعا التصورات الإسلامية عن البحر منذ إنشاء الجغرافيا من قبل بيروقراطيي الدولة الإسلامية الذين عاشوا أساسا وسط الأراضي الإسلامية، وحتى البحارة اللاحقين من قباطنة البحر في الأراضي الإسلامية الغربية.

ويهدف الكتاب إلى رسم "تاريخ طويل من الصور الجغرافية والخرائط الإسلامية لمنطقة البحر الأبيض المتوسط"، ويبدأ بأمثلة من خرائط القرون الوسطى، مثل أعمال ابن حوقل والإدريسي في القرنين العاشر والثاني عشر الميلاديين، ويختتم برسامي الخرائط الحديثين الأوائل مثل الصفاقسي الشرفي وبيري ريس في القرن السادس عشر.

وتشتمل العينات التي درسها الكتاب والتي تقع في الغالب في مجموعات تركية وأوروبية وأميركية شمالية، على سلسلة من خرائط الملاحة البحرية المغاربية والكثير من الخرائط العثمانية في القرنين 15 و 16. وركز الكتاب على مجموعة من 56 من أعمال رسم الخرائط التي لم تدرس من قبل.

يقول المؤلف في مقدمة كتابه إن مفهوم المؤرخ الفرنسي فيرناند براودل عن البحر المتوسط أصبح سائدا، لكنه فشل في اعتبار وجود المسلمين الذين شكلوا أكثر السكان على طول شواطئ المتوسط.

وبدلا من استخدام الرؤية الأوروبية للمتوسط، استخدم كحلاوي الخرائط للكشف عن الإدراك الإسلامي للبحر، وأظهر بحثه أن البحر المتوسط كان مختلفا بشكل كبير عن التصورات الأوروبية التي ناقشها المؤرخ الفرنسي والتي كانت تعتبره مجرد مساحة بحرية، إذ رأى فيه المسلمون فضاء حاضرا ومستقلا في الخيال ومجالا إقليميا للفتح والتمدد.


فن رسم الخرائط

كما يتناول الكتاب فنون رسم الخرائط ويظهر أن الخرائط الحديثة تشكل لغة بصرية متطورة تحاكي الأفكار المتعلقة بالجغرافيا البشرية والمادية، ويكشف الدلالات السياسية والثقافية لخرائط المتوسط العربية.

وفي القسم الأول من الكتاب يتحدى المؤلف منظور كارين بنتو في كتابها "الخرائط الإسلامية في العصور الوسطى.. استكشاف" إذ اعتبرت البحر مكانا معاديا في الخيال الإسلامي، بينما يجادل كحلاوي أنه اعتُبِر في مخيال البحارة المسلمين مجالا يمكن فتحه والسيطرة عليه تماما.

  في القسم الأول من الكتاب يتحدى المؤلف منظور كارين بنتو في كتابها "الخرائط الإسلامية في العصور الوسطى.. استكشاف" إذ اعتبرت البحر مكانا معاديا في الخيال الإسلامي، بينما يجادل كحلاوي أنه اعتُبِر في مخيال البحارة المسلمين مجالا يمكن فتحه والسيطرة عليه تماما.

ويتناول المؤلف أهمية صورة البحر الأبيض المتوسط في تاريخ الفن، وكذلك النهج الذي اتبعه الجغرافيون والإداريون تجاه البحر المتوسط في العصر العباسي، ومنهم مؤلف كتاب "الخراج" قدامة بن جعفر الذي عرض فيه نظام البريد ووصف بلدان الأرض وتعرض للبحر المتوسط، وصاحب كتاب "المسالك والممالك" الجغرافي ابن خرداذبة الذي عمل في خدمة الخليفة المأمون. وفي هذه النماذج كان البحر الأبيض المتوسط مجالا للمسارات البرية والبحرية من المشرق العربي نحو المغرب.

ويظهر كتاب كحلاوي مدى التنوع والديناميكية التي غلبت على تاريخ المتوسط، ويناقش أسماء البحر المتغيرة بدءا من "بحر الروم" أو الاسم العربي الأول للمتوسط الذي يشير إلى تعلقه في خيال العرب بالبيزنطيين المسيحيين، ومصطلحات مثل "البحر المتوسط" أو "الأوسط" التي تعطي انطباعا بكونه مساحة متعددة لمرور الثقافات.

 

المتوسط بحرا إسلاميا

يرى مؤلف الكتاب أن البحر المتوسط جرى تصويره في الخيال الإسلامي كما لو كان في قلب الأراضي الإسلامية، ويحلل نهج رسم الخرائط التخطيطي والتقليدي لدى جغرافيي العصر العباسي، ومنهم اليعقوبي من القرن التاسع الميلادي، الذي ألف "كتاب البلدان" الشهير الذي يعد من أقدم المصادر الجغرافية العربية، وكذلك خارطة الاستخاري وأعمال شمس الدين المقدسي صاحب كتاب "أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم"، وأعمال الرحالة الجغرافي ابن حوقل صاحب "صورة الأرض" الذي وصف الأراضي الإسلامية في إسبانيا وإيطاليا (وبالأخص صقلية)، وكذلك أراضي البيزنطيين في شرق أوروبا.

وفي القسم الثاني من الكتاب يتناول المؤلف الجغرافيين المغاربة ورسامي الخرائط من القرن الحادي عشر إلى الخامس عشر الميلاديين، والجغرافيين الشمال أفريقيين ونهجهم إزاء البحر المتوسط، وكذلك المصادر البيزنطية، والمنظور الجغرافي الفاطمي المتأخر، ويستعرض البحر الأبيض المتوسط في التمثيل الجغرافي للإدريسي.

كما يستعرض الأعمال التي سبقت "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق" الذي كتبه الجغرافي الإدريسي لملك صقلية روجر الثاني، واعتُبر موسوعة جغرافية للعالم في القرن الثاني عشر الميلادي، تحتوي على قرابة 1070 خريطة. ومنها أعمال أبو عبيد الله البكري الذي يعد أول الجغرافيين المسلمين في الأندلس، ليختم الفصل بتناول أثر كتاب الإدريسي -الذي يعتبره مشروعا جماعيا- على رحلة ابن خلدون وأعماله.

 

  يهدف الكتاب إلى رسم "تاريخ طويل من الصور الجغرافية والخرائط الإسلامية لمنطقة البحر الأبيض المتوسط"، ويبدأ بأمثلة من خرائط القرون الوسطى، مثل أعمال ابن حوقل والإدريسي في القرنين العاشر والثاني عشر الميلاديين، ويختتم برسامي الخرائط الحديثين الأوائل مثل الصفاقسي الشرفي وبيري ريس في القرن السادس عشر.

وفي القسم الثالث يرسم كحلاوي تطور رسم الخرائط كعلم تطبيقي أواخر العصور الوسطى وأوائل العصور الحديثة، ويدرس رسم الخرائط البحرية المغاربية والأندلسية كذلك في الفترة من القرن 14 وحتى 16 الميلاديين، إذ كيّف الجغرافيون الخرائط البحرية الإيطالية والكتالونية لإنشاء نمط رسومات إسلامي جديد يليق بعصر جديد من التجارة والقرصنة البحرية.
ويختم القسم بتناول رسم الخرائط المغاربية العثمانية مستعرضا الأطالس المتطورة للقرن السادس عشر وأعمال الجغرافي التونسي الشرفي الصفاقسي التي تتضمن وعيا سياسيا بالقوى العثمانية والأوروبية في البحر، بينما يستعرض الفصل الأخير أعمال رسام الخرائط في القرن السادس عشر بيري ريس.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي