معضلة الديمقراطيين في انتخابات الرئاسة الأميركية 2020

2019-11-23

يواجه الحزب الديمقراطي في الوقت الحالي انقساما عميقا، فضلا عن ازدحام السباق لتسمية المرشح الذي سيواجه دونالد ترامب في 2020، ومشكلات أخرى تتعلق بالقدرة على الوصول للفئات التي يتوقع أن تحسم نتيجة هذه الانتخابات المقبلة.

وبينما يبذل الحزب جهودا للوصول إلى الناخبين في سبع ولايات فاز بها ترامب على غير المتوقع في انتخابات عام 2016، جند الحزب المتطوعين للوصول لقاعدته الشعبية، خاصة الأميركيين من أصول أفريقية ولاتينية الذين يصوتون عادة لصالح الديمقراطيين، إلا أن ثمة مشكلات قد تعوق الحزب عن تسمية المرشح المناسب الذي يستطيع هزيمة ترامب في نوفمبر 2020.

يتنافس 17 ديموقراطيا في سباق هو الأكبر في تاريخ الحزب الديمقراطي وأكثر السباقات التي لا يمكن توقع نتائجها، وكان واضحا الانقسام العميق بين مرشحي الحزب بين معتدلين وتقدميين خلال المناظرة التلفزيونية الأخيرة.

وإن كان هدف هزيمة ترامب يوحد الديموقراطيين، إلا أن المرشحين الأربعة الرئيسيين عرضوا بوضوح خلافاتهم. برنامجا جو بايدن وبيت بوتيدجيدج في مواجهة برنامجي السناتور بيرني ساندرز والسناتورة إليزابيث وارن اليساريين.

ومع صعود المرشحيين الذين يميلون لليسار بقوة وإعلانهم رغبتهم في إعادة توزيع الثروة، ثارت مخاوف في أوساط الساسة والمجتمع الأميركي من تأثير ذلك على خسارة أصوات المعتدلين.

بايدن، الأوفر حظا لهزيمة ترامب وفق استطلاعات الرأي، وبوتيدجيدج يتبنيان النهج المعتدل ذاته، غير أن الثاني ورغم من صعود شعبيته مؤخرا، لم يحقق تقدما بين الناخبين السود الذين سيلعبون دورا أساسيا بالنسبة للديموقراطيين الساعين إلى هزيمة ترامب.

بايدن الذي أراد كسب المعتدلين قال إن "الغالبية العظمى من الديمقراطيين لا تؤيد في الوقت الحاضر" إصلاحا على غرار ما يدعو إليه ساندرز ووارن.

خطة ساندرز ووارن

تدعو خطة وارن التي تؤمن بـ"بناء أميركا للجميع، وليس فقط للأغنياء" إلى فرض ضريبة بنسبة 2 في المئة على كل دولار تملكه الأسرة التي تجني أكثر من 50 مليون دولار سنويا، و6 في المئة لمن تتجاوز مليار دولار.

وبموجب تطبيق هذه الخطة، تتوقع وارن جمع أكثر من 2.75 تريليون دولار خلال 10 سنوات، ما يتيح تمويل برامج الرعاية الصحية، والتعليم الجامعي المجاني، وإلغاء الديون الطلابية. تشير خطتها أيضا إلى تخصيص مبالغ لتوفير الطاقة النظيفة وتمويل أبحاثها.

أما بالنسبة لخطة ساندرز فتوقعت حملته جمع 4.35 تريليون دولار على مدى 10 سنوات بفرض ضرائب على الأثرياء، لتوفير مساكن أقل تكلفة، وتمويل برامج رعاية شاملة للأطفال و برنامج "رعاية صحية للجميع" المثير للجدل. الحملة توقعت أن تخفض الضرائب الجديدة ثروات المليارديرات إلى النصف على مدار 15 عاما.

نائب الرئيس السابق اعتبر في مناظرة سابقة أن خطة توفير رعاية صحية للجميع ستكون "باهظة التكاليف" مقترحا توسيع نظام الرعاية الصحية المعروف باسم "أوباما كير"، ورأى أن مقترح وارن زيادة الضرائب على الأثرياء لن يوفر المبالغ المطلوبة، معلنا رفضه التعامل مع القضية من وجهة نظر "اشتراكية".

ويرى المعتدلون والمحافظون بشكل عام أن الافضل استثمار الفائض في أرباح الشركات في تحسين أدائها لزيادة معدلات التوظيف بدلا من فرض ضرائب عليها.

أوباما يحذر

الرئيس السابق باراك أوباما الذي كان يمثل التيار المعتدل في الحزب، دخل على الخط مؤخرا مطلقا رسالة تحذيرية للمرشحين الحاليين. حذرهم من الاتجاه لليسار وخسارة أصوات الناخبين الذين يصوتون لتيار الوسط.

وقال في تصريحات: "الأميركي العادي لا يعتقد أنه يتعين علينا هدم النظام بالكامل وإعادة تشكيله... هو يريد فقط مزيدا من العدل والإنصاف قليلا".

صحيفة نيويورك تايمز تساءلت: هل يريد الناخبون الديمقراطيون مرشحا صاحب رؤية تحولية أم يريدون شخصا يتعهد بالاستقرار؟

بحسب جيم مانلي، الخبير الاستراتيجي الديمقراطي الذي قدم استشارات لحملة هيلاري كلينتون الرئاسية عام 2016 "على الرغم من أن التقدميين كانوا محور الكثير من النقاشات، فإن حقيقة الأمر هي أن هناك الكثير من المعتدلين داخل الحزب الذين يحاولون معرفة من سيصوتون لصالحه".

وأضاف أنه يعتقد أنه لم ينجح أي متسابق حتى الآن في "إبرام الصفقة مع هؤلاء الناخبين".

وتقول نيويورك تايمز إنه رغم تحول المعتدلين إلى اليسار في بعض القضايا، مثل تقنين حيازة الأسلحة والتغير المناخي وعدم المساواة، لكنهم ظلوا متسمكين بآراء أقل تقدمية في قضايا أخرى، مثل الإنفاق العسكري وحقوق الإجهاض.

هذا الاتجاه هو ما يجعل مرشحين مثل بايدن وبوتيدجيدج يتبنون مواقف وسطية حتى من أجل استمالة أصوات هؤلاء.

وتقول نيويورك تايمز إنه منذ 40 عاما لم يفز أي مرشح ديمقراطي بالرئاسة دون أن يفوز بأكثر من 55 في المئة من الأصوات المعتدلة.

الجمهوري ترامب لم يفز في 2016 سوى بأقل من 40 في المئة من أصوات المعتدلين، ومع تراجع شعبيته في استطلاعات الرأي مؤخرا، يأمل الديمقراطيون في الاتفاق على مرشح أكثر شعبية للفوز بأصوات الناخبين المعتدلين، ما يمهد الطريق للحزب إلى البيت الأبيض.

 

هل يفوز بلومبرغ بأصوات الوسط؟

لم يعلن الملياردير الأميركي وعمدة نيويورك السابق مايكل بلومبرغ رسميا ترشحه لكن وسائل إعلام أميركية قالت إنه تقدم بالفعل بأوراق ترشيحه أمام لجنة الانتخابات الفدرالية.

وسائل إعلام أميركية قالت إن دخوله سيضيف زخما للسباق مع شكوك حول قدرة المرشحين الحاليين على هزيمة ترامب.

شبكة إيه بي سي قالت إن بلومبرغ قد يستهدف أصوات الناخبين الذين يصوتون للمرشحين المعتدلين، مشيرة إلى ينوى إنفاق حوالي 15 مليون دولار على تسجيل الناخبين الذين يميلون للحزب الديمقراطي مثل الأقليات والسود والأميركيين من أصول لاتينية وأسيوية وسكان الريف والشباب في خمسة ولايات يمكن أن تحدد نتيجة الانتخابات وهي أريزونا وميشيغان ونورث كارولاينا وتكساس وويكسنسن.

لكن الرجل أيضا محل لانتقادات لأنه كان قد رشح الرئيس الجمهوري جورج بوش في انتخابات عام 2004 وسبق أن أعلن من قبل أنه مستقل، قبل أن يسجل نفسه في الحزب الديمقراطي العام الماضي، عدا عن برامج أقرها وهو عمدة لنيويورك كانت محل خلاف، مثل برنامج كان يسمح للشرطة في نيويورك بتفتيش الناس في الشوارع، وقد اعتبره البعض أنه كان يستهدف السود وفئات أخرى.

ورغم اعتذاره، إلا أن "شق طريقه مع الناخبين السود، وهم فئة هامة في القاعدة الديمقراطية، سيواجه عقبات" بسحب إيه بي سي.

موقع fivethirtyeight لاستطلاعات الرأي رأى أن دخوله السباق متأخرا سيقلل فرص فوزه بالترشيح، وهو بالفعل لم يتخط حتى الآن حاجز 4 في المئة في استطلاعات الرأي وهي النسبة التي ترشحه للمشاركة في مناظرة. وفي خمس استطلاعات وطنية أجريت منذ الأول من نوفمبر، لم يتعد 2 في المئة من نسب التأييد.

أقل شعبية من أسلافهم

موقع fivethirtyeight وجد أيضا أن المرشحين الثلاثة (بايدن ووارن وساندرز) الأكثر حظا لا يتمتعون بقبول في أوساط الناخبين مقارنة بمرشحين آخرين شاركوا في انتخابات سابقة، وتحديدا في مثل هذا الوقت، أي الشهور الأخيرة قبل عام الانتخابات، مثل جورج بوش عام 2000 وأوباما في 2008.

ووجد أن قبول بوش (بحساب الفارق بين الرفض والتأييد) هي +32 وأوباما +19 وجون ماكين +14. في المقابل: بايدن +8 ووارن +4 وساندرز +1.6.

الديموقراطيون موحدون ضد ترامب ومنقسمون في قضايا أخرى

وكشف استطلاع لمعهد غالوب أن أقل من نصف الأميركيين يرون أن ترامب وكل من المتنافسين الديمقراطيين الثلاثة الأوائل الحاليين يتمتعون بالصفات الشخصية والقيادية التي يجب أن يتمتع بها الرئيس. جو بايدن (49 في المئة) وبيرني ساندرز (44 في المئة) وارن (39 في المئة) وترامب (38 في المئة).

وعندما طرحت غالوب هذا السؤال ذاته بالنسبة للمتنافسين على الانتخابات الرئاسية في نوفمبر 2007، كانت النتائج: هيلاري كلينتون (60 في المئة)، ورودي جولياني (59 في المئة)، وأوباما (56 في المئة)، أي أكثر من نصف الأميركيين.

الأميركيون من أصول أفريقية

تصوت غالبية هذه الشريحة من الأميركيين لصالح الديموقراطيين. وتتوقع نيويورك تايمز أن يشكلون ربع الناخبين الذين سيصوتون في الانتخابات التمهيدية العام المقبل، ومع ذلك هناك مخاوف من خسارة الحزب الديمقراطي لهم.

السناتورة كامالا هاريس، المرشحة السوداء الوحيدة في السباق الحالي، حذرت في المناظرة السابقة من أنه لم يعد بإمكان الحزب الديمقراطي اعتبار أصوات السود مضمونة له.

وقالت "يأتي وقت يسأم الناس أن نشكرهم لمجرد تعبئتهم، فيقولون حان دوركم للتعبئة من أجلي".

لكن هناك أعداد كبيرة في أوساط هذه الفئة ترغب في العودة إلى ما كانت عليه الأمور قبل أربع سنوات، ويعود ذلك جزئيا إلى ولاء المعتدلين السود لإرث أوباما، ما يشير إلى إمكانية دعمهم لبايدن، أو بوتيدجيدج الذي لا يحظى بشعبية كبيرة في أوساط هذه الفئة رغم صعوده السريع في الفترة الأخيرة.

كبار السن

لو فاز أي من الثلاثة الأوفر حظا: ساندرز (78 عاما) وبايدن (77 عاما) ووارن (71 عاما) سيكون الرئيس المقبل هو الأكبر عمرا في تاريخ الولايات المتحدة. واجه بايدن انتقادات بشأن مسألة العمر بعد أن لوحظ نسيانه بعض الأسماء وتلعثمه في بعض المناظرات، وأيضا حول إمكان بقائه في السباق بعد الفضيحة الأوكرانية التي حملت مجلس النواب على فتح تحقيق بهدف عزل ترامب.

ميلاني جي (58 عاما) ناخبة أميركية قالت لنيويورك تايمز: "أريد أن يكون جو بايدن قادرا على إكمال جملة أفضل مما أستطيع... أعتقد أنه ليس حادا كما أريده أن يكون".

ساندرز أيضا أصيب بمشكلة قلبية استدعت تعليق أعمال حملته وشكوك حول قدرته على تحمل مهام الرئيس لو فاز.

تقول نيويورك تايمز إن المرشحين الأصغر سنا قدموا أنفسهم باعتارهم يمثلون الجيل الجديد. بوتيدجيدج (37 عاما) على سبيل المثال ركز في حملته جزئيا على أن هناك جيلا من القيادة يمكن أن يحل المشكلات التي تواجه أميركا.

ويرى البعض أن الحزب الديمقراطي اليوم تهيمن عليه طاقة الشباب الذين دفعوا المشرعين إلى أقصى اليسار، ودفعوا بعدد كبير من المرشحين في انتخابات التجديد النصفي العام الماضي.

وفي مقال على موقع "أكسيوس"، تقول أليكسي مكاموند إن فوز رئيس سبعيني بالسباق المقبل، سيخنق بعض طاقة الناشطين الشباب.

دوغ سوسنيك، وهو مستشار سابق لبيل كلينتون خلال فترة رئاسته، قال إنه لو خسر الحزب الديمقراطي الانتخابات الرئاسية المقبلة: "سيكون هذا كسرا تاما للجدار، وسيكون هناك جيل ناشئ سيتولى مسؤولية الحزب من هنا وصاعدا".

ورغم أن بايدن يتصدر استطلاعات الرأي بسبب اسمه المعروف، إلا أنه بحسب بيل والين، الباحث في معهد هوفر، يواجه "مشكلة واجهتها هيلاري كلينتون في عام 2016: إنه يمثل الماضي أكثر من المستقبل".

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي