مترجم: من «الجوكر» إلى «فانديتّا».. أسباب انتشار الأقنعة بين متظاهري العالم

المصدر : The Joker to Guy Fawkes: why protesters around the world are wearing the same masks
2019-11-18

ترجمة وقراءة : عفاف محمد

ما الذي يعنيه ارتداء قناعٍ معين خلال احتجاجات شعبية؟ وكيف تتفق شعوب مختلفة على اعتماد الأقنعة المتشابهة، بالرغم من اختلاف أهدافها وحيثيات مظاهراتها؟

يتناول هذا الموضوع إيدان ماكجري في مقاله الأخير بموقع «ذا كونفرزيشن»، وهو أستاذ جامعي تتركز أبحاثه على مسائل التمثيل السياسي ومشاركة الأقليات والمجتمعات المهمّشة.

من تشيلي إلى العراق.. الأقنعة الثورية تزين الاحتجاجات
تتوالى أخبار المظاهرات من هونج كونج إلى تشيلي، ومن لبنان إلى العراق، تخرج الشعوب حول العالم لتصرخ بحريتها، واحتجاجًا على قادتها ورؤسائها. وبالرغم من اختلاف الحيثيات بين هذه الحركات الاحتجاجية وتعدد السياقات والتواريخ والأهداف لحدّ كبير ما بينها، إلا أنّنا نرى قناعًا يتكرر ارتداؤه بينها جميعًا، تحديدًا أقنعة الوجوه المبتسمة المماثلة لقناع «جاي فوكس»، والذي اشتُهِر أكثر بفضلِ ظهورة في فيلم «V for Vendetta» و«الجوكر». فلماذا حققت هذه الأقنعة كل هذا الانتشار؟
يشرح الكاتب كيف يُعتبر القناع شكلًا من أشكال التقديم الذاتي، أو بصياغةٍ أخرى: الوجه الذي نختار إظهاره للآخرين. استخدمت البشرية الأقنعة لآلاف مؤلفة من السنين ولأغراضٍ متنوعة من الطقوس إلى العروض المسرحية المصاغة بهدف التسلية، وكذلك نفعت الأقنعة في مجاليّ الحماية والتخفّي.

استُخدِمت الأقنعة بالمظاهرات في مناسباتٍ سابقةٍ عديدة أيضًا، بما في ذلك المظاهرات ضد غزو العراق، والاحتجاجات ضد قمم منظمة التجارة العالمية في التسعينات؛ إذ تعطي الأقنعة المتظاهرين قوةً تواصلية وسلطةً تدعمهم في تعزيز مطالبهم وزيادة الوعي وتقديم درجةٍ من الحماية.
يفيد القناع عند التظاهر ضد الأنظمة الاستبدادية بصورةٍ خاصة، إذ توفّر درجة من إخفاء الهوية والحماية للمحتجين في الشوارع.

ويذكّر الكاتب هنا بقرار السلطات الصينية الصادر في أوائل شهر أكتوبر (تشرين الأول) الذي يحظر ارتداء الأقنعة بحجةِ أنها تبطل تقنية التعرف على الوجه المستخدمة لاكتشاف هوية هؤلاء المتظاهرين ومقاضاتهم. تسبب هذا القرار بموجةٍ إبداعية جديدة لجأ إليها المتظاهرون لتقويض هذا القانون، ومن ذلك استخدامهم الشعر لإخفاء وجوههم.

ليست للسرية فقط.. أسباب أخرى تدفع المحتجين لارتداء الأقنعة
لا تنحصر فوائد ارتداء القناع بخاصيّة السرية التي يوفرها، بل يعطي القناع مرتديه فرصةً ليغدو أشجعَ وأقوى وأقل إذعانًا في مواجهة القوى السياسية.

يتحدث الكاتب أيضًا عن الدوافع التي يمكن أن تشجعها الأقنعة عند ارتدائها في الاحتجاجات، إذ يمكن أن تحفّز الناس على القيام بأشياءٍ فائقة والخروج إلى الشوارع من أجل تحدي المسؤولين أصحاب المناصب في السلطات، أن تحثّ الشخص العادي للخروج في وضح النهار والتعرّض للمخاطر جنبًا إلى جنب من أقرانه المندفعين سوية في وجه الخطر.


حين يرتدي أحدنا قناعًا، يصبح شخصًا آخر ما يساعد على تشجيعه وحمايته بصفته الفردية، لكن وراء الأقنعة تقبع الوجوده والأجساد المصنوعة من لحم والمعرضة للمخاطر والضعيفة إزائها. وقد رأينا في الأسابيع الأخيرة كيف تعرّض المتظاهرون لإطلاق النار في تشيلي والعراق وهونج كونج، ولا يوفّر القناع أيّ حماية تُذكر في مواجهة هذا النوع من عنف الدولة.

يذكر الكاتب سببًا آخر لجاذبية هذه الأقنعة وسعة انتشارها بين المتظاهرين، ويتمثل بالسهولة النسبية لصنعها: يتطلب قناع الجوكر بضعة ألوان بسيطة وخمس دقائق من الرسم على الوجه ويدًا ثابتةً نسبيًا، هذا كل ما يحتاجه الأمر لاستخدامه، لكن تُظهر مختلف الحركات الاحتجاجية في السنوات العشر الماضية تمايزًا فريدًا فيما بينها، فمن ساو باولو إلى مدريد نلحظ جودةً وابتكارًا حرفيًا يسعى المتظاهرون عبره لإبراز أصالة حركاتهم وصلتها المحلية.

تدل جودة الصناعة اليدوية هنا على خروج الحركات من القواعد الشعبية وتحقيقها ردة فعل قوية على النخب السياسية القاطنة في المباني الفخمة في العواصم.

اشتهر قناع جاي فوكس بصورةٍ خاصة بفضل اعتمادِه من جماعة «أنونيموس» – إحدى أشهر مجموعات القرصنة الإلكترونية في العالم – وكذلك من مظاهرات «احتلوا وول ستريت». من المفارقات هنا كيف يظهر إنتاج الجملة لهذه الأقنعة مجددًا مع كلّ احتجاج جديد، وهو ما يقوّض نقد الرأسمالية النيوليبرالية التي يعبّر عنها كل من المجموعتين السابقتين.
يلخّص الكاتب المسألة بأن القناع هذا أصبح مع الزمن رمزًا مجازيًا للطبقة المناهضة للمؤسساتية النخبيّة والأنظمة يحرّكها أشخاصٌ عاديون لتسجيل استيائهم من أفكار وسياسات النخبة السياسية.

ليست الاحتجاجات في نهاية المطاف إلا كفاحًا لإيصال صوت فاعليها، وتساعد الرموز والمنتجات اليدوية الفنية الثقافية على المجاهرة والتعبير بصوتٍ جسور (يشمل ذلك الرداء الأحمر وغطاء الرأس الأبيض المميزين لشخصيات كتاب «The Handmaid’s Tale» للكاتبة مارغريت أتوود). تعمل الأقنعة أيضًا وسيلةً لتبنّي الهوية مع الآخرين وتعزيزها بتوحيد القوة ضد خصمٍ محدد.

لماذا يهتم المحتجون بجماليات الاحتجاجات؟
يركز الكاتب في أبحاثه على الجانب الجمالي والترميزي للاحتجاجات الشعبية، فعناصرٌ مثل الأقنعة، وانتقاء الألوان، والفنون، والرموز، والشعارات، والثياب، والكتابات، والأغراض غالبًا ما تصل لمنصات وسائل الإعلام وتتسع مشاركتها على هيئة صورٍ ومقاطع فيديو ومواد إعلامية.

يوضّح الكاتب أهمية الجماليات الرمزية تلك لمطالب الحركات الاحتجاجية: تركز وسائل الإعلام الرئيسة عادةً على الصور الدراماتيكية الهائلة والكرنفالية لأنها نقطة جاذبة للاهتمام بنظرها، وهو ما يعرفه المتظاهرون ويجارونه لضمان استمرارية التعبئة وحماية مطالبهم واحتجاجاتهم من تلاشي الاهتمام.

بمعنى آخر: تجلب الأقنعة والرموز تغطية إعلاميةً أكبر؛ ما يضمن استمرارًا أطول لوصوليّة أفكار المتظاهرين.
تساعد الأقنعة المتظاهرين أيضًا على إظهار تضامنهم مع بعضهم البعض، ليصبح القناع لغةً مشتركة ما بين المعارضين.

بالرغم من اختلاف الأهداف مثلًا ما بين متظاهري تشيلي وأقرانهم في العراق ولبنان كذلك – ويتنوع من محاربة الفساد إلى تحدّي السياسات الجائرة – إلا أنهم لوّنوا وجوههم جميعًا على شاكلة الجوكر لنفس الغرض والرسالة: لإظهارِ أن من تعرضوا للاعتداء والقمع والإهمال يرفضون تقبل هذا المصير بسلبية بعد الآن.
أثّر إصدار الفيلم العالمي وحبكته القوسيّة حول البطل أرثر فليك بتمييز قناع الجوكر سريعًا وانتشاره رمزًا للعنصر التابع الذي يستعيد سلطته، ونهضة الشخص المنتمي للصفوف «الدنيا». يتخطى قناع الوجه المبهرج الألوان الاختلافات اللغوية والخلفيات الثقافية وحدود الدول.

أصبح القناع هذا رمزًا للوحدة، حيث يجتمع الناس لبعضٍ من الوقت يعلّقون فيه خلافاتهم وانقساماتهم المجتمعية بغية إيصال أصواتهم سويّة وتحقيق التمثيل الذي يريدونه.

تتحدث هذه الأقنعة نيابةً عن المتظاهر عامةً، مع إرساء كل شخصٍ في قاعدة الصراع الأوسع. وبالتالي فإن الأمر كما يصفه الكاتب: الأقنعة وسيلة المحتجين لبناء ثقافة مضادة والتعبير عن الوحدة واستعادة أصواتهم وتحدي الموجودين في السلطة، وهي الأداة الرائجة لتشجيع أعمال التقويض الثورية.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي