كيف حقق الردع الإستراتيجي أهداف إسرائيل في المنطقة العربية؟

2019-11-18

ليس لإسرائيل حياة بلا ردع مصداق ومتين، ومن المهم أن نفهم دوره الحرج وقيوده البنيوية. وسيعرض هذا الفهم تأبينات “انهيار الردع” وتلك الاحتفالات بشأن “تجديد الردع” بكل ضحالتهما”.

تعيش دولة إسرائيل في منطقة فاشلة وعنيفة من العالم، حيث تسود ثقافة قبلية، تدحر إلى الهوامش الفكر التعددي المتمثل بفكرة “عش ودع الآخرين يعيشون”. منذ نال أبناء المنطقة استقلالهم، رفعت المجتمعات العربية من أوساطها، وتحديداً أنظمة الحكم المطلق، وأدمنت الصراعات الداخلية العنيفة التي جعلت المنطقة الغنية بالثقافة والنفط جملة من الدول الفاشلة أساساً، ومعظم مواطنيها ضحايا الطغيان والفقر والعنف. وإسرائيل في قلب هذه المنطقة، وهي عرضة لخطر دائم أمام أعداء عنيفين وعدوانيين، هذا حتى قبل أن نأخذ بالحسبان العداء الخاص لغرسة اليهود الغريبة، والمخاوف من الخطر المنسوب لهم وحسد نجاح دولتهم.

في مثل هذا المحيط الاستراتيجي ثمة شرط مسبق للامتناع، وإن كان مؤقتاً، عن العدوان ضد إسرائيل، وهو خوف عربي من خليط قوة إسرائيل وتصميمها على المس بأعدائها بشدة. بمعنى آخر…بلا ردع لكانت إسرائيل اليوم في خضم حرب دائمة ستفشل غايتها الأساسية: بناء مجتمع وأمة. مثل هذا الخوف ليس شرطاً كافياً، فأحيانا يتغلب الدافع للمس بإسرائيل حتى على الخوف من ردود فعلها. هذا شرط ضروري، ومن دونه لم يكن لتتم وتبقى اتفاقات سلام مع مصر والأردن، وما كان ممكناً أيضاً ضمان التعاون المتحفظ مع أجهزة الأمن الفلسطينية، ما كان ممكناً فهم لماذا لا ترد إيران وسوريا بشكل عام على مئات العمليات الإسرائيلية ضدهما، لماذا لم تنضم حماس (حالياً) لهجمات الجهاد الإسلامي، بل ولماذا لم يخرج، منذ تشرين الأول 2000، مواطنو إسرائيل العرب بجموعهم للمواجهات في نطاق الخط الأخضر.

ولما كان مثل هذا الردع عملياً، فقد كان ممكناً ومرغوباً فيه الانسحاب من سيناء مقابل اتفاق سلام مع مصر، تزويد الأردن بمياه تتجاوز الكمية السخية التي حصل عليها في اتفاق السلام، والسماح لمحافل إسلامية أن تملي على إسرائيل قيوداً متشددة في المكان الأكثر قدسية للشعب اليهودي، وتزويد غزة بالوقود والأدوية والغذاء، بل وحتى في الوقت الذي تقصف فيه حماس مدناً في إسرائيل، والتسليم بالتضامن العلني لمنتخبي الجمهور العربي مع العدو (ليس فقط الفلسطيني) حتى في ساعة الحرب.

إن الردع الاستراتيجي لم ينهر قط. فلو انهار لعاشت إسرائيل منذ أجيال في حرب دائمة بقوى عالية. أحياناً يتصدع موضعيًا بسبب التفضيل المبرر لاعتبارات الصورة العامة والمدى البعيد: في فترة الانتظار عشية حرب الأيام الستة، بالامتناع عن الرد على الصواريخ العراقية في حرب الخليج أو في امتصاص الاستفزازات الطفيفة لحماس في غزة بسبب تفضيل اعتبارات التصدي لإيران في الساحة الشمالية. وأحياناً يتصدع بسبب ضعف الزعامة، التي تفضل الاستجابة لضغوط المدى القصير، مثلما في صفقة جبريل وصفقة شاليط.

ما يحسم هو الردع المتراكم في المجال الاستراتيجي، وهناك سيكون وضع إسرائيل أمام أعدائها العرب جيداً جدا. وإذا أضفنا إلى ذلك السياسة العاقلة لخلق شراكة مصالح مع جهة عربية هامة مثلما الحال مع الأردن في حرب الاستقلال ومع مصر في العقود الأخيرة، يتعمق الاعتراف السائد في المنطقة وما وراءها بأن مكانة إسرائيل آخذة في التعزز.

موضوعان مهمان يفترضان بحثاً إضافياً: الأول هو القيود البنيوية للردع، فمحظور التوقع بأن يمنع دوماً كل استفزاز، أو أنه خاضع لـ “تاريخ نفاد مفعول”، حتى وإن كان ناجحاً تماماً. الثاني يتعلق بهوية العدو؛ فليس مناسباً أن نستخلص من نجاح الصراع مع الأعداء العرب استنتاجاً بشأن الردع تجاه إيران. فالحديث يدور عن قدرات أخرى، ذات تطور لم نشهد له مثيلاً، وعن خطر جسيم بلا قياس. لهذا الأمر الثاني حاجة إلى وقفة واسعة على حدة.

 

بقلم: د. دان شيفتن، رئيس البرنامج الدولي للأمن القومي في جامعة حيفا

إسرائيل اليوم 18/11/2019







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي