المقهى في اليمن من النبذ إلى عنوان التمدن الصريح (5)

2019-11-12

محمد عبد الوهاب الشيباني*

في زياراتي المتعددة إلى مدن حضرموت لاحظت ان مدينة مثل المكلا مكتظة بالمقاهي في احيائها القديمة والجديدة، وحتى اطرافها ، وان مرتادي هذه المقاهي خليط من الاعمار والالوان ،يكسبونها روحا خاصة.

وغير قرقعات أحجار الدمينو على الطاولات الخشبية البدائية قد لاتسمع ضجيجا للرواد مثل بقية المقاهي في المدن الاخرى، فالسلوك الحضرمي المتزن والهدوء يفرض نفسه دائما على المكان المزدحم.

قال لي صديقي الشاعر والكاتب كمال البطاطي ان المقهى الشعبي الحضرمي بيت الحضارم الاول الذي يقضون فيه أجمل لحظاتهم لخلو الحياة من الرفاهية والمرح خارجه.

ويرى في مقهى الحضرمي الذي عمره يتجاوز الستين عاما ومازال يؤدي دوره حتى الآن عنوانا مميزاً للحالة وهو من أكثر المقاهي روادا وسط المكلا القديمة، ويمتاز بالشاي الحليب أو الشاهي اللبن بلهجة الحضارم وقهوة البن سادة وسكر وبالحليب.

أما مقهى "سالمين خييره" بحي السلام، حسب كمال ايضا ، تاريخه اكثر من مئة عام مضت يرتاده عشاق الرياضة والسياسية وغيرهم ويتميز انه بخلاف المقاهي الأخرى، اذ به دور (طابق) ثاني يحتوي على الكراسي والطاولات للعب الكيرم والدمنه و الورقة وهناك تجرى التصفيات بين اللاعبين ويتجمع حولهم الشجعين والمشاهدين ,

وفي المكلا ايضا مقهى "بن عروه" و"بن شهاب" وسط ميدان الدلة ومقهى سالم فرج جوار باب الميناء القديم وقد انقرضت بعضها بحكم تغيرات الزمن وهناك العديد من المقاهي تلتف حولها بعض الجاليات وخاصة الصومالية.

يوجد بحي السلام مقهى "عوض اليهري" ومقهى "السيؤني" ومقاهي بشرج باسالم وديس المكلا وغيرها من الأحياء الجديدة. تتنوع المقاهي بالساحل والوادي لكنها تلتقي كونها المتنفس الأكثر شعبية وحضور لأهالي حضرموت عامة.

   

المقهى الشعبي الحضرمي بيت الحضارم الأول الذي يقضون فيه أجمل لحظاتهم لخلو الحياة من الرفاهية والمرح خارجه

وبطلب مني عدَّد الصديق الصحافي والكاتب "علي سالم اليزيدي" مقاهي المكلا الشهيرة حسب اقدميتها في الزمن وشهرتها على نحو:

مقهى "باسماعيل" بجانب بوابة قبه يعقوب وسط المكلا ، تأسس اوائل الاربعينات وظل يقدم الشاي الى وقت توسعة الطريق الى "خلف" المكلا فتحولت الى سكة يعقوب قرب ميناء المكلا ، ويرتاده السكان والعمال والمثقفون .

مقهى بن شهاب تحت عمارة المحاضير او بيت الوزارة للدولة القعيطية الحضرمية وهي قديمة. ويقصدها المارة والسكان والزوار من السفن القادمة ولها بعض المرتادين للعلب الكوتشينة والدمنة .

ومن المقاهي الشهيرة "مقهى الجيب" الذي يقع آخر سكه يعقوب حيث كثافه السكان والعمال ويواجه بوابة الميناء وبه اصناف من اهل البلد والزوار من بلدان الجوار بالسفن ، وبها يجلس مساء مثقفو المدينة وفنانوها.

وهناك "مقهى باشميلة " في بيت باشنفر جوار مسجد السلطان عمر ، وهو يمتلئ بالناس من أول النهار الى العاشرة ليلا بحكم وجود كثافة سكان وحركة ، ووجود السيارات للشحر وخارج المكلا وفرزة سيارات النقل ووكلاء هذه السيارات فترة الستينيات قبل ان تتوسع المكلا وينقل مواقف السيارات الى خارجها .

"مقهى بازهير" تحت مسجد السلطان عمر وهو من اكبر المقاهي ويفتح طول النهار ويلتقي السائقون والعمال والصيادون ، وفي المساء يجلس المثقفون والحكواتية والشعراء واهل البلد ويسمرون ويلعبون الورق والدمنة.

" مقهى بارشيد" بالشرج وكان ملتقى لأهل الباديه مثله مثل "مقهى عرفان" الذي كان مشهورا يقصده البدو من حول المكلا، واريافها.

وهناك مقهى شهير اسمه "مضييس" لصاحبه بامطرف الملقب مضييس ، وبه تسجيلات الاغاني الهندية فقط، وكل جديد من اغاني الافلام الهندية التي كانت تعرضها سينما المكلا وقنها تُسمع هناك , وكان ملتقى لهواة الفن الهندي ويقع جوار سدة المكلا.

وهناك مقاهي صغيره متفرقة في الاحياء وبعض الشوارع الداخلية بها الشاي الاحمر الحضرمي، او القهوة البن وتستقبل روادها على مقاعد خشب، ويجلس اليها راوِ يحكي في العصرية قصة عنترة بن شداد وابو زيد المهلهل او قصص البحر .

معظم مقاهي المكلا شهدت خلال تاريخها الطويل ارتياد الثوار ورجال التنظيمات و المناصرون لهم ، حيث يلتقون ويتحدثون ويوزعون المنشورات، ويلتقي بها المدرسون والمثقفون وفئات المجتمع. وكانت توضع فيها الوصايا والرسائل المرسلة من الشحر والغيل وسيئون والعكس . كان المقهى في المكلا متاح لكل الناس وكل الطبقات ومكان لقاء يومي للجميع قبل ان ينحسر دوره مع الوقت.

  • كاتب وشاعر يمني






كاريكاتير

إستطلاعات الرأي