المقهى في اليمن من النبذ إلى عنوان للتمدن الصريح (4)

2019-11-11

محمد عبدالوهاب الشيباني*

ظل لسنوات طوال مقهى ميدان التحرير عنوانا صريحا لصنعاء الجديدة التي نشأت خارج اسوار صنعاء القديمة مع سنوات الجمهورية الاولى، والى قبل ازالته اوائل ثمانينيات القرن الماضي، بسبب اعادة تأهيل المنتزه وتشجيرها، كان بمثابة أهم ملتقى لنخب المدينة الثقافية والسياسية والعسكرية وشهد حوادث اغتيالات لرموز عسكرية ومنها اقتيد للمعتقلات عشرات السياسيين ، ومر فيه اهم ظرفاء اليمن.

وبعد ازالته تحول الرواد الى مقاهي شارع المطاعم الكائن خلف مباني الاتصالات في ذات الميدان، ومع مرور الوقت تأسس هناك مقهى الشاهي العدني الذي صار في العشرية الاخيرة يعرف بمقهى "مدهش عبادل" حيث يجد بعض المثقفين فيه وفي محيطه من المطاعم الشعبية متنفسا.

في صنعاء انتشرت حول جامعتها القديمة في حي القاع خلال السبعينيات والثمانينيات مجموعة من المقاهي التي كان يلوذ بها طلبة الجامعة والمثقفون ومنها مقهى الحمادي ومقهى الشيباني، ومع اغلاق بوابة الجامعة الجنوبية من جهة، وتحول كثير من كليات الجامعة الى المباني الجديدة اندثرت هذه المقاهي تقريبا، والبقية منها صارت مقاهي هامشية يرتادها العمال والعابرون.

يجد الكثير من المثقفين الان بعض المقاهي التقليدية التي يلوذون بها دون ان يضايقون من مُلاكها، الذين تطبعوا مع الوقت بطباع مرتاديها من الصحافيين والكتاب والنقابيين، وصاروا عنوانا لهذه المقاهي، على نحو مقهى "الدملؤة " بجولة كنتاكي ، و"مقهى عبد الجبار ـ ابو رفعي" في الدائري الغربي ومقهى" الاعجم" في شارع هائل ، ومقاهي الشيباني في حدة والتحرير والصافية.

حتى بعض المقاهي الاثيوبية في شارع حدة كانت تشكل الى مطلع الحرب واجهة مهمة للمثقفين ، الذين وجدوا في المكان متنفسا مختلفا ليس فقط في القهوة المحضَّرة بالطريقة الحبشية وانما في نوعية مرتاديها من المولدين والمولدات الاكثر مدنية وتسامح. ويحضر هما اسم مقهى "شبلي" او ما كان يعرف باسم مالكته ومسيرته "حنا" .

          في صنعاء القديمة لم تزل المقاهي التقليدية مثل مقهى باب اليمن وسمسرة وردة ومقهى الحاج النبوص في الابهر تقدم لمرتاديها الشاهي المفوَّر وبن الحليب وقهوة القشر

في صنعاء القديمة لم تزل المقاهي التقليدية مثل مقهى باب اليمن وسمسرة وردة ومقهى الحاج النبوص في الابهر تقدم لمرتاديها الشاهي المفوَّر وبن الحليب وقهوة القشر.

في صنعاء الجديدة الان تنتشر عشرات الكافيهات الحديثة، ويرتادها الشبان وبعض المثقفين الميسورين ، وتقدم خدمات في الانترنت وانواع القهوة العالمية والمشروبات الجديدة، في اجواء هادئة ، لكنها تظل عُلب باردة ، ليس فيها من روح الشارع البسيط وضجيجه شيئا ، والروائح المعطرة التي تجوس في اجوائها لا تساوي شيئا امام روائح اوراق الشاهي المغلية والجوز والهال المطحون التي تنبعث من برادات طبخ الشاهي التقليدية .

  • كاتب وشاعر يمني






كاريكاتير

إستطلاعات الرأي