المقهى في اليمن من النبذ إلى عنوان للتمدن الصريح (2)

2019-11-09

محمد عبدالوهاب الشيباني*

قلة قليلة من كبار السن الذين يعرفون عدن القديمة يتذكرون مقهاية "سويد" في قلب كريتر، وهي اقدم المقاهي ، وكانت تؤدي ايضا نفس وظائف الخان، اذ كانت تقدم للجمَّالة القادمين الى عدن عبر البُغدة ـ نفق منحوت في جبل المنصورى المطل شمالا على المجراد القديم " خور مكسر" وصولا الى قلب كريترـ كل مستلزمات الراحة والمبيت لهم ولجمالهم، وكانت اقرب لمقاهي ونزل طرق المسافرين وتقدم في الغالب القهوة بالطريقة التقليدية.

ومع دخول السيارات المحدود جداً عبر باب عدن الذي يربط المعلا بكريتر عبر العقبة، بدأت تتمظهر حياة جديدة ترافقت بالنشاط التجاري وتوسعه بعيد الحرب الكونية الثانية، فبدأت تظهر مقاهي جديدة بوظائف مختلفة ، واكثرها شهرة كانت مقهاية "فارع" في شارع مسجد العسقلاني في كريتر، واشتهر عن صاحب المقهى انه كان يمتلك مزرعة ابقار في منطقة القطيع، فكانت المقهاية تقدم الشاهي الملبن والحليب والملاي.

ويقول الراحل فضل النقيب عن مقهاية فارع "كان قبلة متذوقي الشاي الرفيع يأتون من أقاصي المدينة فلا يكاد كرسي يفرغ حتى يمتلئ في الحال على امتداد ساعات العمل الطويلة، وقد طور الحاج صناعته بإنشاء مزرعة للأبقار وفرت الالبان الطازجة والقشدة الملاي التي كان البعض يفضلها مع الشاي أو يشتريها مفردة، وفي مقهى فارع على الأغلب جرت عمليات فرز مذاقات الشاي وفق درجات معايرته بالحليب"

وبعيد الاستقلال انتقل هذا المقهى الى الحديدة ، وكان موقعه في الشارع الأشهر في المدينة "شارع صنعاء " المكان المهم للتجمعات الثقافية والسياسية في المدينة، في المدينة الساحلية التي بدأت تثب الى الحياة العصرية، حين صارت المرفأ والميناء التجاري الأهم لشمال اليمن.

وفي ذات فترة وجود مقهاية فارع في عدن كانت هناك مقهاية لا تقل شهرة عنها وهي مقهاية "كُشر" التي لاتزال قائمة في مكانها في الشارع الموازي للأسواق العتيقة في كريتر ويتصل غربا بالميدان ، وكان يمثل هذا المقهى حالة التمدن الجديدة، وقد عرف بانه مقهى الرياضيين وتحديدا اعضاء ومنتسبي نادي الشباب الرياضي طيلة فترة الستينيات والسبعينيات .

وسيضيف لحالة التمدن الكثير مقهى " زكو" ، الذي تأسس في قلب الميدان اواسط الخمسينات، فطغت شهرته على جميع المقاهي، بسبب تمثيلاته للمقهى المصري بوجود فتوات المدينة الذين عرفوا بالتسمية الشعبية بـ " البتنات " او الابطال بالتسمية الهندية، القادرين على اغلاق الحواري والاسواق أن نشبت عراكاتهم المتخففة من العنف، والتي تعرف بـ "المدارجة" التي تشبه كثيرا العاب الجودو المعاصر. وكانت تزدان جدرانه بصور نجوم الفن ونجماته في السينما المصرية والهندية والغربية.

وفي حافة حسين ، وهي أحد اشهر حواري عدن العتيقة، تأسس مقهى "عبدان" في الشارع المؤدي لمنطقة الطويلة ، حيث كان ملتقى مهم لنخب الحافة ذات الخصوصية الثقافية والمهنية ، وغير بعيد عنه جنوبا تأسس مقهى امين عثمان، الذي اخذ شهرته من كون زوجة صاحب المقهى استطاعت اسقاطه من قوائم التأميم اوائل السبعينيات، ومن ثم قيامها بإدارته كأول امرأة تقوم بذلك بعد مرض زوجها وقعاده.

     

في حافة حسين وهي أحد اشهر حواري عدن العتيقة، تأسس مقهى "عبدان" في الشارع المؤدي لمنطقة الطويلة .. حيث كان ملتقى مهم لنخب الحافة ذات الخصوصية الثقافية والمهنية

وغير هذه المقاهي يبرز أيضا في " كريتر" مقهى "سكران" كأحد أبرز عناوين المقاهي في المدينة القديمة، ويقع في شارع الشيخ عبدالله بالقرب من مركز كريتر, وهو واحدة من أقدم المقاهي في عدن ، اذ تأسس حسب بعض الروايات عام 1910 ، وقبل ان يستقر في مكانه القائم اواسط السبعينيات تنقل بين ثلاثة مواقع. وغير بعيد عن مقهى السكران وتحديدا في شارع السبيل كان هناك مقهى معروف وهو مقهى " سيلان"، ولا يقل شهرة عن المقاهي الاخرى.

في منطقة المعلا هناك الكثير من المقاهي، غير أن مقهى " الصومال" هو اكثرها شهرة، ويقع في الشارع الموازي للشارع الرئيس " مدرم" من جهة الجنوب، وبالقرب من مسجد الصومال، ويأتي اليه زبائنه من انحاء المدينة ، وأشتهر بالعراكات الدائمة التي تنشب في محيطه .

ولم يبرز في منطقة التواهي أو " ستيمر بوينت" غير مقهى واحد هو مقهى الدبعي بالقرب من سوقها غير أن هذا المقهى أندثر من سنوات طوال.

في مدينة الشيخ عثمان لم يزل صامدا ومنذ عقود "مقهى الشجرة " الذي يعد أحد العناوين البارزة للمدينة، وأخذ تسميته من وجود شجره حراجية في قلبه يستظل بها رواده ، الذين كانوا نجوم الأدب والفن والرياضة، و يقطنون الأحياء القريبة منه ، وكانت الجلسات فيه تتحول الى منتديات مصغرة لمناقشة قضايا ذات الاتصال باهتماماتهم .

وفي الشيخ أيضا اشتهرت في الخمسينيات والستينيات مقاهي اخرى مثل " الجريك" و "القميري" و كانتا أقرب بوظائفهما الى مقاهي كريتر .

   (يتبع)...

  • كاتب وشاعر يمني






كاريكاتير

إستطلاعات الرأي