اليمن.. الصيد العشوائي للأسماك مشكلة تهدد الاقتصاد والانسان والبيئة

2019-11-07

تمتلك اليمن ساحلاً طويلاً يقدر بحوإلى 2500 كيلومتر، يطل على البحرين العربي والأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي، ولذلك تعد اليمن من الدول الغنية بثرواتها البحرية، إلا أن مشكلة الصيد الجائر غير القانوني والعشوائي للأسماك باتت إحدى المشاكل التي تهدد الاقتصاد اليمني والبيئة البحرية، إذ تؤدي تلك الأعمال إلى تدهور المخزون السمكي، ويتم صيد صغار الأسماك والأحياء البحرية المستهدفة تجارياً، إضافة إلى أن الصيد العشوائي وغير المرخص تستخدم فيه أساليب وطرق لا تراعي البيئة البحرية.

ويجمع مسؤولون حكوميون ومختصون على وجود هذه المشكلة، بيد أنهم يفتقرون لإحصائيات لها، لكنهم يخلصون إلى أن تجاوز هذه المشكلة أو الحد منها، لن يتم إلا بتضافر الجهود الحكومية والمجتمعية.

 

قوانين موجودة ولكن

يعتقد وكيل وزارة الثروة السمكية حميد الكربي أن لوائح وقوانين وزارة الثروة السمكية كفيلة بمحاربة ظاهرة الصيد الجائر للأسماك في الجمهورية اليمنية، لكن الأمر يحتاج لتعاون وتضافر الجهود من كل الأطراف التي لها علاقة بحماية سواحل البلاد.

ويضيف وكيل الثروة السمكية أنه على الرغم من أن الإجراءات العقابية موجودة في قوانين الوزارة، غير أن تطبيقها وتنفيذها  ضعيف نتيجة عدم توافر الإمكانيات المطلوبة سواء المادية من قوارب حديثة أو نقص الكوادر البشرية، ولذلك، هناك حاجة ملحة من كل الجهات المعنية بتضافر وتكامل الجهود في محاربة الصيد العشوائي والجائر، لأن المسؤولية حكومية ومجتمعية في آن.

  هناك الصيد غير القانوني يتم من خلال البواخر الصناعية التي تعمل من دون ترخيص الوزارة ويتركز بين جزيرة سقطرى وبالقرب من سواحل محافظة المهرة

ويرى أن معالجة أضرار الصيد الجائر من تدمير الشعاب المرجانية وتصحر البحر وتقليص مواقع تكاثر الأسماك، تحتاج إلى توعية جمهور الصيادين في أنحاء البلاد بحول الالتزام بتنفيذ لوائح حماية المخزون السمكي وكيفية استغلاله وترشيد اصطياده، لافتاً إلى أن هناك إدارة في الوزارة تسمى الإرشاد السمكي توقف نشاطها منذ أكثر من ربع قرن يكمن عملها في الجانب الإرشادي، وأن هناك توجهاً من قبل الوزارة لتفعيل الجانب الإعلامي والتوعوي، والتنسيق مع الجمعيات السمكية للتوعية والإرشاد.

 

مناطق الصيد العشوائي

ويشير مستشار وزارة الثروة السمكية نادر باوزير إلى أن عمليات الصيد الجائر للأسماك والأحياء المائية كانت خلال الفترة الماضية تتمثل في أشكال عدة، منها الصيد غير القانوني والصيد العشوائي من القوارب المخالفة للاتفاقات البحرية، وعمليات الصيد التقليدي في فترات المواسم المغلقة من قبل الوزارة، واستخدام معدات وطرق اصطياد ممنوعة، ويضيف "الاصطياد في السنوات الماضية كان يتم على مسافة ثلاثة أميال بحرية، وكانت الرقابة شخصية، إلا أن بعض الأشخاص استغل تراخيص الصيد الصناعي وتجاوز المسافة المحددة في القانون"، وتابع "الوزارة عام 2006 قامت بإصدار قانون جديد بشأن تنظيم الصيد واستغلال الأحياء المائية وحمايتها، وتبعته لوائح منظمة للرقابة البحرية".

ويضيف "هناك الصيد غير القانوني يتم من خلال البواخر الصناعية التي تعمل من دون ترخيص الوزارة، ويتركز بين جزيرة سقطرى، وبالقرب من سواحل محافظة المهرة، وهذه منطقة شاسعة ولها حدود بحرية مع دول كسلطنة عمان والصومال وكينيا وباتجاه المحيط الهندي، كما تنشط هذه البواخر غير المرخصة في ساحل البحر الأحمر بين اليمن وإرتيريا، وللأسف، لا توجد لدى وزارة الثروة السمكية الإمكانات المناسبة لضبط القوارب المخالفة وبالتالي تصعب مراقبتها، ومع ذلك، قمنا بضبط بعض البواخر المخالفة، خصوصاً البواخر الايرانية، ورقابة الوزارة تتم بالتنسيق مع قوات خفر السواحل والبحرية اليمنية".

وبحسب المستشار باوزير، هناك نوع آخر للصيد العشوائي تقوم به القوارب المرخصة من الوزارة، غير أنها لا تلتزم بالاتفاقات والضوابط المحددة من الوزارة، وكان من الصعوبة بمكان أن تثبت هذه المخالفات من قبلها، لكونها تعتمد على الأفراد المراقبين لعمل هذه القوارب الذين يتعرضون غالباً للترهيب والترغيب من قبل ملّاك القوارب، ما يوثر في عملهم الرقابي كثيراً.

ويكشف أن الوزارة عملت في السنوات الأخيرة على السماح بتجاوز المسافة المحددة سابقاً، لتصل حالياً إلى ستة أميال بحرية للصيد الساحلي والصناعي، كما عملت الوزارة على إدخال منظومة الرقابة عبر الأقمار الصناعية بالتعاقد مع إحدى الشركات الفرنسية المتخصصة، وقللت هذه المنظومة بشكل كبير من مخالفات البواخر الصناعية، غير أن الإشكالية تكمن في أن هذه المنظومة تم حصرها في مبنى الوزارة في صنعاء قبل الحرب مع الحوثيين، ولم تعمم على المحافظات الساحلية.

 

استغلال المخزون السمكي

وتوضح هناء رشيد رئيسة الهيئة العامة لأبحاث علوم البحار والأحياء المائية أن مفهوم الصيد الجائر هو زيادة جهد الصيد الموجهة نحو استغلال المخزون السمكي بشكل أكبر من تلك القدرة اللازمة لصيد الكميات الزائدة من المخزون، الأمر الذي سيترتب عليه تناقص كميات السحب السنوي. وفي الوقت الذي ترى رشيد أن الإجراءات العقابية على من يقوم بالصيد الجائر موجودة في قوانين ولوائح وزارة الثروة السمكية، إلا أنها تستدرك أن المشكلة في التطبيق والتنفيذ نتيجة عدم توافر الإمكانات المطلوبة لذلك، سواء الإمكانات المادية من قوارب حديثة وكوادر بشرية وحتى القدرات المالية للوزارة.

وترى أن الحاجة ملحة من كل الجهات المعنية في محاربة الصيد العشوائي والجائر، لأن المسؤولية حكومية ومجتمعية من الصيادين والجهات الأمنية وخفر السواحل، مشيرة إلى أن الصيد العشوائي يهدد الثروة بالانقراض، بالتالي سيفقد كثيرون من الصيادين مصادر رزقهم، وستحرم الدولة من أحد أهم مواردها المالية المهمة.

 

الصيد الجائر

وتستعرض رشيد أهم مظاهر الصيد الجائر في اليمن، ومنها استخدام وسائل ومعدات صيد ضارة بالثروة السمكية، وجرف القاع بما يحتويه من شعاب مرجانية ويرقات وبيض الأسماك، والقضاء على الموائل الطبيعية للعديد من الموارد البحرية، إضافة للاصطياد خارج مواسم الصيد، وارتفاع جهد الصيد من دون دراسة، ما يسبب استنزاف المخزون السمكي، كما أن وجود قوارب صيد أجنبية غير مرخصة يسهم بدرجة كبيرة في العبث بالثروة السمكية.

  الواحدي يحذر من أن الصيد الجائر يودي إلى تدمير البيئة البحرية مهما كانت الوسائل المخالفة التي يستخدمها الصيادون

وبحسب رشيد أيضاً، فإن كل تلك المظاهر تؤثر سلباً في محصول الصيد للصيادين التقليديين الناتج من ضعف الرقابة البحرية وتدنى الوعي بالأنظمة والإرشادات السمكية، ما شجع سفن الصيد الأجنبية من الاصطياد من دون ترخيص واستخدام المتفجرات لتدمر وتلوث البيئة البحرية، ما يتسبب بأضرار عدة للبيئة البحرية وللمخزون السمكي، وتمارس سفن عدة الاصطياد غير المسموح لها وحتى المسموح لها، بطرق غير صحيحة في الاصطياد، لا تراعي فتحات الشباك ولا مناطق الاصطياد الصغيرة، ولا تراعي مواسم الاصطياد، وهذه كلها تؤدي إلى تدهور المخزون السمكي، إذ يتم صيد صغار الأسماك والأحياء البحرية المستهدفة تجارياً، إضافة إلى أن الصيد العشوائي وغير المرخص تستخدم فيه أساليب وطرق لا تراعي البيئة البحرية مثل تدمير الشعاب المرجانية والصيد على الحشائش البحرية وتدمير أماكن توالد الأسماك ووجودها، وهناك من يقوم بالتفجير في قاع البحر، لا سيما من يصطاد بطرق غير قانونية، وهؤلاء يدمرون ويجرفون الأسماك الصغيرة وهي في مراحل النمو الأولى.

 

رقابة وتفتيش

يعدد أحمد فدعق مدير إدارة الرقابة والتفتيش بوزارة الثروة السمكية ، دور إدارته كجهة رقابية في مجابهة ظاهرة الصيد الجائر، قائلاً "هناك عدد من الخطوات التوجيهية والرقابية تقوم بها إدارة الرقابة، فعلى المستوى التوجيهي والتوعوي، نعمل على توعية الصيادين وتوجيههم بعدم إجراء عمليات الصيد العشوائي الجائر، وإعطائهم إرشادات مستمرة للحفاظ على الثروة السمكية، وفي الجانب الرقابي تعمل إدارة الرقابة على مراقبة القوارب أولاً بأول، والتأكد من أن القوارب والشباك ومعدات الصيد صالحة للاستعمال، وعدم وجود أي وسائل تضر بمنطقة الصيد، إضافة إلى متابعة قوارب الصيد التقليدي، ومنع محو أرقام القوارب أو خدشها، وتشكيل غرف عمليات لاستلام أي بلاغات في البحر بواسطة الأجهزة الذكية".

ويضيف "نعمل على تعزيز دور الرقابة والتفتيش البحري مع مصلحة خفر السواحل باستخدام زوارق بحرية تخدم الصيادين وقواربهم من تقلبات البحر وفقدان الصيادين لعدم وضوح في رؤية الأجواء الضبابية".

 

تدمير البيئة البحرية

يعرّف هلال الواحدي المتخصص في علوم البيئة والأحياء البحرية، الصيد الجائر بأنه الصيد غير القانوني أو غير المشروع، وهو صيد يتم بطريقة عشوائية وغير مسموح بها خلال فترة زمنية محددة من قبل وزارة الثروة السمكية عبر جميع فروعها عبر الجمعيات السمكية أو الاتحاد السمكي.

ويحذر الواحدي من أن الصيد الجائر يودي إلى تدمير البيئة البحرية، مهما كانت الوسائل المخالفة التي يستخدمها الصيادون، ويرى أن دور الجهات المختصة في وزارة الثروة السمكية في الحد من الصيد الجائر ضعيف، وألا فائدة في ظل وجود مراقبين يقومون بأعمال الرقابة والتفتيش على الصيادين، ولكن، واضح أن البعض منهم يتعاطف ويتساهل مع من يقوم بالصيد العشوائي، ولذلك، تحدث هذه المخالفات.

(الأندبندنت عربية)







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي