مترجم: انتفاضة ضد ظلم الرأسمالية.. ماذا يحدث في تشيلي؟

2019-10-30

 الاحتاجاجات في عاصمة تشيلي سنتياجوالتدهور الاقتصادي في تشيلي تسبب في اندلاع مظاهرات قد تُجبر الرئيس التشيلي سبستيان بنييرا على التنحي بعد مقتل 20 مُحتجًّا على الرغم من اعتذاره ووعوده بالإصلاحات الاقتصادية.

صحيفة الجارديان البريطانية نشرت تقريرًا عن الاحتجاجات التي شهدتها تشيلي والاعتذار الرئاسي المتأخر. وأشار التقرير إلى تدفق عشرات الآلاف من المحتجين إلى العاصمة التشيلية ووضعهم متاريس مشتعلة، واشتباكهم مع شرطة مكافحة الشغب بعد أن فشل اعتذار الرئيس التشيلي سبستيان بنييرا ووعوده بالإصلاحات الاقتصادية في إخماد الاضطرابات وأعمال الشغب التي أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 18 فردًا.

وكان الرئيس التشيلي سبستيان بنييرا قد أعلن الثلاثاء الماضي عن إصلاحات اقتصادية تتضمن زيادة في المعاش التقاعدي الحكومي والحد الأدنى للأجور. ولكن يقول كثيرون إن رجل الأعمال الملياردير البالغ من العمر 69 عامًا استجاب بعد فوات الأوان وأن إعلانه فشل في تهدئة الغضب في الشوارع.

وقد اتخذ بنييرا موقفًا أكثر استرضاءً، وذلك بعد اعتذاره وإعلانه عن خطة تطالب بزيادة الحد الأدنى للمعاشات التقاعدية الشهرية من 151 دولارًا إلى 181 دولارًا، وزيادة الحد الأدنى للأجر الشهري من 413 دولارًا إلى 481 دولارًا وإلغاء زيادة أسعار الكهرباء المقرر دخولها حيز التنفيذ في الشهر القادم. كما تتضمن الإصلاحات الاقتصادية أيضًا زيادة ضريبية على كل من يجني ما يزيد عن 11 ألف دولار شهريًا.

في السياق ذاته، نشر موقع الكاتبان سيباستيان لينك وكارلا مارتن مقالًا أكدا فيه أن «تشيلي تقاوم وأن الشعب بات يرفض الصمت بعد الآن».

وبداية من 18 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، تصاعد غضب الحراك الشعبي الذي بدأ بتظاهرات طلاب المرحلة الثانوية الذين قاموا بالاحتجاج ضد زيادة رسوم وسائل المواصلات. ولكن لم يتوقع أحد أن هذه الدعوة للاحتشاد ستشعل شرارة احتجاج الشعب التشيلي.

إن سبب هذه المظاهرات العارمة في جميع أنحاء البلاد هو النظام الاقتصادي غير المتكافئ على الإطلاق الذي خلقته عشرات السنوات من سياسات الليبرالية الجديدة التي زادت من تكاليف المعيشة باستمرار بينما بقيت الأجور في حالة ركود.

وأضاف الكاتبان أن المشكلة لا تقف عند زيادة أسعار وسائل المواصلات؛ بل تتعلق بنظام المعاش التقاعدي والتعليم والرعاية الصحية والفساد وحصانة النخب والحياة المحفوفة بالمخاطر، ويتعلق أيضًا بسنوات من الظلم والإذلال، حيث تُعَد تشيلي البلد الوحيد في العالم الذي خُصخصَت مياهه ويبلغ متوسط دخل التقاعد الشهري به 200 دولار.

وقد شاركت أعداد مهولة من الشعب التشيلي في مجموعة من واسعة من الفعاليات. وفي الحادي والعشرين من أكتوبر (تشرين الأول)، خرج مئات الآلاف من الناس إلى الشوارع وأوقفوا حركة الاقتصاد في إضراب عام. ويقيم المتظاهرون حواجز ويحكمون السيطرة على الأحياء المجاورة ويشاركون في عصيان مدني عبر التهرب من تذاكر النقل العام ويقومون بأعمال نضالية ضد رموز الظلم الرأسمالي.

كيف ترد الحكومة؟
عقب الاحتجاجات العفوية التي هبت في جميع المدن والقرى من الشمال إلى الجنوب، أعلنت الحكومة بقيادة سبستيان بنييرا، الملياردير اليميني المتطرف، حالة الطوارئ، حيث أرسل بنييرا الجيش إلى الشوارع لإخماد حق الشعب المشروع في الاحتجاج وفرض حظر تجوال في المدن الكبرى من العاشرة مساءً حتى السابعة صباحًا. واشتد حظر التجوال بعد ذلك ليكون من الثامنة مساءً ثم السادسة مساءً في بعض المدن.

ولفت الكاتبان إلى أن هذه الأحداث لم تشهدها البلاد منذ انتهاء حكم أوجستو بينوشيه، الديكتاتور العسكري الذي نصبته الولايات المتحدة رئيسًا لتشيلي، في عام 1989. ولكن الشعب قرر تحدي حظر التجوال ومواصلة النضال بكل شجاعة. وشهدت جميع أنحاء البلاد تظاهرات يحتج فيها الناس بأونٍ وملاعق خشبية لإظهار التضامن والدعم لانتفاضة الشعب. ورددوا هتافات تطالب يتنحي «بنييرا» وتؤكد في كل ركن من أركان البلاد أن «الشعب المتحد لن يُهزم».

من هم المحتجون؟

في هذه التظاهرات توحد فقراء الشعب التشيلي مع الطبقة المتوسطة وخرجوا إلى الشوارع للوقوف في صف واحد دفاعًا عن حقوقهم، فلم يعد جيل الشباب والجيل الأكبر سنًا الذي نشأ تحت قيادة نظام بينوشيه الفاشي خائفين؛ فقد انضمت عائلات بأكملها إلى الاحتجاجات التي تُعَد حركة بين أجيال من الشعب –من شيوخهم إلى شبابهم وأطفالهم وطلابهم وعمالهم؛ فالجميع خارج منازلهم في الشوارع لمواجهة قمع صارم من الشرطة والقوات المسلحة التي خرجت بأسلحتها الآلية لبث الرعب وتثبيط همة الشعب ضد الاحتجاج.

وألمح الكاتبان إلى أن العمال وأفراد الطبقة الفقيرة في جميع أنحاء تشيلي يقودان احتجاجًا شعبيًا له قاعدة شعبية واسعة بشكل لم تشهده البلاد منذ نهاية حكم الديكتاتور بينوشيه؛ حيث يخرج طلاب المرحلة الثانوية والجامعة والعاملون وسكان الأكواخ والحركات المدافعة عن حقوق المرأة والأطفال وكبار السن وآخرون من المواطنين الغاضبين إلى الشوارع لتحدي رد الحكومة القمعي والأزمة العامة المتعقلة بأحد أقسى الأنظمة الاقتصادية الليبرالية في العالم.


كيف ترد وسائل الإعلام؟

تُعَد مؤسسات الإعلام التشيلية والدولية حليفًا للحكومة اليمينية. وتُظهر هذه المؤسسات صورًا لأعمال النهب والفوضى والإرهاب والتخريب والعنف فقط، إلا أن الناس يحتشدون ضد محاولة نزع الشرعية عن هذه الحكومة. وكانت مقاطع فيديو قد انتشرت في جميع مواقع التواصل الاجتماعي بشأن إصابة المحتجين بكل خسة على أيادي الشرطة – بما في ذلك المسنين والأطفال – واعتقالهم وضربهم بل وإطلاق النار عليهم.

ورغم ذلك، تُظهر وسائل الإعلام صور نهب وطوابير طويلة في انتظار شراء طعام. وقد استُخدِمَت هذه الاستراتيجية أثناء حكم الديكتاتور بينوشيه لصناعة مناخ من الخوف.

وألمح الكاتبان إلى أن أعمال السلب والنهب التي شهدتها البلاد هي نتاج حتمي للفقر المدقع وعدم المساواة. ولكن الناس يرفضون محاولات وسائل الإعلام والحكومة لاستخدام هذه الأعمال ذريعةً لشيطنة الاحتجاجات.

على سبيل المثال، تنتشر مقاطع فيديو على نطاق واسع يوضح فيها بعض المشاركين في لجان مخصصة للأمن أنهم يمنعون أعمال النهب والحرق ليس بغرض حماية الممتلكات الخاصة للأغنياء، بل لتجنب خطر الحريق والفوضى في الأماكن المجاورة لهم، كما يعلنون صراحة عن دعمهم للنضال.

بالإضافة إلى ذلك، عُثِر على مُحرضين من عملاء الجيش والشرطة في العديد من الحالات أنهم من يشرعون في أعمال النهب وإضرام النار في المقام الأول حتى تقع الفوضى اللازمة لرد الحكومة بكل ما تملكه من عنف. وقد أعلن بنييرا بشكل سافر أننا «في حرب ضد عدو قوي.. هذا العدو الذي لا يحترم أي شيء ويريد استخدام العنف والإجرام بلا حدود». وسوف تبذل الشرطة ومؤسسات الإعلام ما بوسعهما لتقديم السيناريو الذي يريده.

 

تشيلي تقاوم

اختتم الكاتبان مقالهما بتأكيدهما على أن التشيليين أعلنوها صريحة، في كل ركن من أركان البلاد، أنهم سيواصلون نضالهم انطلاقًا من قناعتهم بأن التغيير الجذري في المجتمع يُعد مطلبًا لازمًا الآن. وقد علَّمَنا شهر أكتوبر (تشرين الأول) التاريخي هذا أن التشيليين غاضبون ومُتعَبون وسيقاومون حتى ينتصرون.

وهذا صراع طال أمده تُحدِد فيه نضالات اليوم إمكانيات المستقبل لبناء مجتمع اشتراكي –ذلك المشروع الذي سلك طريقه ذات مرة قبل أن تحطمه وكالة المخابرات المركزية وعملاؤها العسكريون الفاشيون.

يجب أن يقف جميع العمال في سائر أنحاء العالم بجانب شعب تشيلي الذي يتحدى القمع العسكري ليقول بكل شجاعة: «سوف نفوز».

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي