هكذا أنقذ التفاح أميركا من المجاعة

2019-10-28

صورة لعدد من العاطلين عن العمل الذين امتهنوا بيع التفاح خلال أزمة الكساد العظيمكتب : طه عبد الناصر رمضان


عقب انهيار سوق الأسهم بالولايات المتحدة الأميركية أواخر تشرين الأول/أكتوبر 1929، وإفلاس العديد من البنوك خلال الأشهر التالية، شهد الأميركيون بداية ما عرف بالكساد العظيم وانتشار مظاهر البؤس والفقر بالبلاد.

وقد تفاقمت هذه الأزمة، التي استمرت طيلة الثلاثينيات، بسبب عدد من العوامل الأخرى كان أهمها طبيعية كقطعة الغبار التي أدت لإفساد المحاصيل، متسببة بذلك في موجة هجرة كبيرة نحو المدن. إضافة لكل ذلك، عرفت فترة الكساد العظيم ظهور أزمة اجتماعية بسبب نسبة البطالة المرتفعة.

صورة لعدد من العاطلين عن العمل بأميركا أثناء بحثهم عن طعام مجاني

وعجز الرجال عن توفير لقمة العيش لأبنائهم فأحسوا بالنقص والعجز والتقصير تجاه عائلاتهم. وقد بلغت أعداد العاطلين عن العمل مطلع الثلاثينيات أرقاماً قياسية. فبعدد من المدن الأميركية بلغت نسبة البطالة 50% بعد أن اضطر العديد من المؤسسات والمصانع لإغلاق أبوابها وتسريح عمّالها.


انتشار صور بائعي التفاح
وإضافة لصور الفقراء والمتشردين والأطفال الجوعى التي طغت حينها على أغلب الصحف، انتشرت صور بائعي التفاح بشكل لافت للانتباه بالولايات المتحدة الأميركية. إذ غزا بائعو التفاح المدن الأميركية، وكان من العادي أثناء تجولك بنيويورك حينها أن ترى بمختلف الشوارع الراقية أشخاصاً ذوي مظهر لائق ومحترم حاملين على أكتافهم صناديق تفاح.

صورة لرجل لجأ لبيع التفاح مقابل 5 سنتات خلال فترة الكساد العظيم

في الأثناء، لم يكن التفاح موجهاً ضد مظاهر الفقر بالبلاد، بل كان عملية بسيطة نبعت عن فكرة عبقرية لتشغيل العاطلين عن العمل ومساعدتهم على توفير الغذاء لعائلاتهم. وبسبب ذلك تحول التفاح حينها لرمز من رموز مكافحة البطالة وبرزت صورة بائعيه ضمن قائمة أهم صور فترة الكساد العظيم.

وتعود أطوار قصة بائعي التفاح للعام 1929. فتزامناً مع ظهور الأزمة الاقتصادية، عرف محصول التفاح بالولايات المتحدة الأميركية فائضاً مقارنة بالسنوات السابقة. وقد مثل ذلك عائقاً أمام الفلاحين والمسؤولين في البرامج الصناعية الغذائية المرتبطة بالتفاح، حيث كان من المستحيل تسويق هذه الكميات الهائلة في خضم فترة تميزت بتدهور القدرة الشرائية وعجز أغلب العائلات عن تلبية حاجياتها الغذائية.


تدهور القدرة الشرائية
انطلاقاً من ذلك، جاء الأميركي المسؤول بمؤسسة شحن محصول التفاح العالمية جوزيف سيكر (Joseph sicker) بفكرة عبقرية. فعرض على عدد من زملائه شراء ما قدره 10 آلاف دولار من فائض منتوج التفاح لبيعها للعاطلين عن العمل.

وكان نموذج جوزيف سيكر سهلاً وبسيطاً، واقتضى قيام العاطلين عن العمل بشراء التفاح مقابل مبلغ مالي منخفض وبيعه لاحقاً بالأسواق للحصول على هامش ربح يغطي نفقاتهم ويجنبهم مآسي البطالة والتسول.

صورة لأحدبائعي التفاح المتجولين بأميركا خلال القرن الماضي

وفي نيويورك والعديد من المدن الأخرى، حصل العاطلون عن العمل على صناديق التفاح واتجهوا لبيعها بمختلف أرجاء المدينة طيلة فترة النهار مقابل تقديمهم لوعود بدفع ثمنها الذي يعادل 1.75 دولار آخر النهار.


تسويق فائض التفاح
وعلى الرغم من مشقة هذا العمل الذي تطلب المكوث في الشوارع وتحمّل الطقس البارد والمطر، ساهم البائعون الذين بلغ عددهم نحو 6 آلاف بائع بنيويورك وحدها في تسويق فائض التفاح، وبيع يوميا ما قدرت قيمته بعشرة آلاف دولار من التفاح. أيضا، استعاد عدد كبير من الأميركيين ثقتهم بأنفسهم واتجهوا للاعتماد على أنفسهم مجدداً لتوفير لقمة العيش لعائلاتهم.

صورة تبرز عائلة تشردت بأميركا خلال فترة الكساد العظيم

تدريجيا عرف هذا البرنامج نهايته، حيث اتجه سيكر ورفاقه لرفع سعر صندوق التفاح لأكثر من دولارين أملا في تحقيق مزيد من الأرباح كما عرف فائض الإنتاج نهايته خلال الأشهر التالية. ورفض الممولون تقديم مزيد من هذه الفاكهة خوفاً من تدهور أرباحهم. أيضا، تسبب البائعون في مشكلة بيئية حيث امتلأت المدن ببقايا التفاح وهو ما أقلق السلطات البلدية وعمال النظافة.

وفي واشنطن أمرت السلطات بحظر عمل بائعي التفاح لوقف أزمة فضلات هذه الفاكهة بالعاصمة الأميركية.

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي