كيف أشعلت الضرائب فتيل ثورة فرنسية غيرت مجرى التاريخ؟

2019-10-24

لوحة زيتية تجسد افتتاح اجتماع مجلس الطبقات الفرنسي سنة 1789كتب : طه عبد الناصر رمضان

 

 خلال النصف الثاني من ثمانينيات القرن الـ18، عاشت فرنسا على وقع وضع اجتماعي واقتصادي كارثي، فإضافة للنقص الحاد في المواد الغذائية وخاصة اللحم والخبز، شهد الدين العام الفرنسي ارتفاعاً مذهلاً، تزامن مع خزائن الدولة الفارغة، حيث أنفقت البلاد طيلة الفترة السابقة مبالغ مالية طائلة لدعم حرب الاستقلال الأميركية، كما تزايدت نفقات العائلة الملكية والمجلس الملكي بشكل لافت للانتباه بسبب إهدار الملكة الفرنسية ذات الأصول النمساوية، ماري أنطوانيت، للمال العام.

صورة للملكة الفرنسية ماري أنطوانيت
أمام هذا الوضع الكارثي الذي أنذر بهبوب العاصفة، استنجد الملك الفرنسي بوزيره ومراقب المالية العام السويسري الأصل جاك نيكر (Jacques Necker) الذي اقترح عليه رفع قيمة الضرائب لسداد ديون فرنسا.

في الأثناء، تطلّب قرار مماثل جمع مجلس الطبقات الفرنسي الذي اعتبر حينها السلطة الوحيدة القادرة على رفع الضرائب بالبلاد، وقد تكوّن هذا المجلس حينها من ممثلين عن الطبقات الاجتماعية الثلاثة التي تمثلت في كل من النبلاء ورجال الدين وعامة الشعب.

ويعود آخر اجتماع لمجلس الطبقات الفرنسي لحدود العام 1614، حيث كان الملك بصدد اتخاذ قرار غير مسبوق منذ أكثر من قرن ونصف. ولم تكن تشكيلة مجلس الطبقات ملائمة للشعب الفرنسي، حين تحطي نبلاء فرنسا المقدر عددهم بنحو 400 ألف فرد بما يعادل 270 نائبا وحصل رجال الدين البالغ عددهم 130 ألف شخص، من بينهم 139 أسقف، على 291 نائبا بينما مثّل 578 نائبا ضمن ما لقّب بالطبقة الثالثة بقية الشعب الفرنسي المقدر عددهم بحوالي 25 مليون نسمة. إضافة لذلك، اعتمد مجلس الطبقات نظام التصويت الطبقي، فصوّت أفراد كل طبقة بشكل منفصل على القرار وهو ما منح لكل طبقة من مكونات المجلس صوتا واحدا.

صورة للوزير الفرنسي جاك نيكر
وبفضل تأييد النبلاء ورجال الدين له، كان الملك متيقنا من تمرير قراراته حيث سيحصل الأخير على صوتين (صوت النبلاء وصوت رجال الدين) مقابل صوت واحد معارض متمثل في صوت الطبقة الثالثة، التي تمثّل بقية أفراد الشعب الفرنسي الرافضين للضرائب.

بعد تحضيرات استمرت لأشهر، أقبل أعضاء مجلس الطبقات مطلع شهر أيار/مايو 1789 نحو العاصمة باريس قبل أن تفتتح جلسة الاجتماع بشكل رسمي يوم الخامس من نفس الشهر بقصر مينو بليزير (l'hôtel des Menus Plaisirs) بفرساي. وخلال الافتتاح، ألقى الملك لويس السادس عشر كلمة أعلن من خلالها نفسه الصديق الأول لشعبه قبل أن يأخذ وزيره نيكر الكلمة ليلقي خطابا مطولا استمر لساعات وأثار قلق وغضب ممثلي الطبقة الثالثة.

رسم تخيلي لمكونات مجلس الطبقات الفرنسي
في خضم هذه الأحداث، لم يتوقع لويس السادس عشر أن يتحول التصويت على برنامج زيادة الضرائب إلى احتجاج على طريقة التصويت نفسها التي اعتبرها ممثلو الطبقة الثالثة ظالمة. فعلى حسب ما أكّدوه، أعلن نواب الطبقة الثالثة أنهم يمثلون 97% من الفرنسيين الرافضين لترفيع الضرائب وقدّروا نسبة النبلاء ورجال الدين بـ 3% فقط من النسيج الديموغرافي للبلاد فطالبوا بسبب ذلك باعتماد نظام تصويت عادي ومنح صوت واحد لكل نائب وإلغاء النظام القديم، كما طالبوا أيضا بالمساواة عن طريق إجبار النبلاء ورجال الدين على دفع الضرائب كبقية أفراد الشعب.

 

رسم ساخر يجسد تفوق النبلاء ورجال الدين على ممثلي الطبقة الثالثة
رفض الملك لويس السادس عشر مقترح الطبقة الثالثة، مفضلاً الإبقاء على نظام التصويت القديم. وبعد نحو 6 أسابيع من المحادثات والمشاورات العقيمة، أغلقت السلطات الفرنسية باب مقر الاجتماع في وجه ممثلي الطبقة الثالثة لتتخذ بذلك الأحداث منحى خطيراً وتشهد فرنسا صيفا ساخنا غيّر مجرى تاريخها.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي