بريكست يبعث بمخاوف من تجدد العنف في أيرلندا الشمالية

2019-10-17

جدارية تؤرخ لمعركة بوغسايد في ديري في أغسطس 1969دانيكا كيركا

يلقي بريكست بظلاله على المصالحة الهشة في أيرلندا الشمالية، وينكأ جراحا لم تندمل بعد، رغم مرور أكثر من عقدين على اتفاق الجمعة العظيمة.

جلبت اتفاقية الجمعة العظيمة (اتفاق بلفاست) التي أبرمت سنة 1998 نوعا من السلام والازدهار إلى المنطقة التابعة للمملكة المتحدة، إلا أن الجماعات شبه العسكرية موجودة إلى اليوم. كما تتواصل أعمال العنف داخل المجتمع (وإن كانت أقل حدة مقارنة بالماضي). وهذا ما أكدته سيدة تبلغ من العمر 70 عاما، حيث أثرت أعمال العنف على عائلتها عندما قتل أخوها سنة 1972 خلال أحداث الأحد الدامي.

وتتذكر كيت ناش تلك الفترة المضطربة وهي تقول “إن مرحلة المشاكل لم تنته في أيرلندا الشمالية”. فقد أشعلت مسألة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي النزاع مرة أخرى. وتخشى كيت تداعيات هذه العملية وخاصة إذا وضعت ضوابط على الجمارك وجوازات السفر على طول الحدود الفاصلة بين أيرلندا الشمالية التابعة للمملكة المتحدة وجمهورية أيرلندا المنتمية إلى الاتحاد الأوروبي. وتتوقع أن يبدأ العنف من جديد إذا فشلت بريطانيا في حل معضلة الحدود الأيرلندية التاريخية.

مخاوف من عودة العنف

جعلت المخاوف المنتشرة من العودة إلى العنف الذي أودى بحياة أكثر من 3500 شخص على مدى ثلاثة عقود من أيرلندا الشمالية أكبر عقبة أمام قادة المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي الذين يحاولون التوصل إلى اتفاق يسهّل خروج البلاد من التكتل.

لكن، إلى جانب تأمين الحدود الأيرلندية للحد من التهريب، يجب على السياسيين أن يتجنبوا أي اتفاق من شأنه أن يشعل التوترات بين أولئك الذين يريدون أن تبقى أيرلندا الشمالية جزءا من المملكة المتحدة وأولئك الذين يريدون ضمها إلى جمهورية أيرلندا.

وقال المؤرخ في جامعة الملكة في بلفاست (كوينز)، إيمون فينيكس “يمثّل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أكبر تهديد وجودي لعملية السلام منذ 25 سنة. تمتعت المنطقة بحالة سلم استمرت لمدة 25 عاما بعد أعمال العنف التي لقي فيها 3500 شخص حتفهم … وفجأة، وخلال السنوات الثلاث الأخيرة، أصبح كل ذلك مهددا بالزوال”.

  بدأ النزاع منذ حوالي القرن عندما أعلنت جمهورية أيرلندا التي يسيطر عليها الكاثوليك استقلالها. حينها، بقيت أيرلندا الشمالية ذات الأغلبية البروتستانتية جزءا من المملكة المتحدة. وفي الستينات، اتسعت الانقسامات حول ما إذا كان ينبغي أن تبقى أيرلندا الشمالية جزءا من بريطانيا واندلع ما أصبح يعرف باسم نزاع أيرلندا الشمالية.

دعم الاتحاد الأوروبي اتفاقية الجمعة العظيمة التي تم التفاوض بشأنها بمساعدة الولايات المتحدة، وذلك لانتماء بريطانيا وأيرلندا إلى التكتل عند إبرامها. ومكّن هذا الاتفاق من تدفق الأفراد والبضائع بحرية عبر الحدود وسمح للسلطات بهدم المراكز الحدودية التي كانت نقطة اشتعال للعنف.

على مدار العشرين سنة الماضية، اختفت الحدود البرية الأيرلندية ولم تبرز إلا في اللافتات التي تعلن تغيير حدود السرعة القصوى وعلامات الطريق التي محا بعض الأفراد كلمة “الشمالية” منها بالطلاء.

ولكن الأمر سيتغير بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الذي يريد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون تحقيقه في مهلة لا تتجاوز 31 أكتوبر، حيث ستصبح الحدود البرية الأيرلندية حدودا للاتحاد الأوروبي. ويبحث المتفاوضون عن طريقة لتنظيم التجارة دون إعادة بناء نقاط التفتيش وتدمير الروابط العابرة للحدود التي ساهمت في تحفيز النمو الاقتصادي مما أفاد الطرفين.

بدأ النزاع منذ حوالي القرن عندما أعلنت جمهورية أيرلندا التي يسيطر عليها الكاثوليك استقلالها. حينها، بقيت أيرلندا الشمالية ذات الأغلبية البروتستانتية جزءا من المملكة المتحدة. وفي الستينات، اتسعت الانقسامات حول ما إذا كان ينبغي أن تبقى أيرلندا الشمالية جزءا من بريطانيا واندلع ما أصبح يعرف باسم نزاع أيرلندا الشمالية.

وقال فينيكس إن اتفاق الجمعة العظيمة، الذي تضمن نقطة مكنت من تشكيل حكومة يتحقق فيها تقاسم السلطة في أيرلندا الشمالية، سمح للناس بتعريف أنفسهم على أنهم بريطانيون أو أيرلنديون بغض النظر عن المكان الذي يعيشون فيه، مما سمح لهم بالتعاون ووضع تطلعاتهم السياسية جانبا من أجل حل المسائل الأكثر إلحاحا.

وعزز خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، الذي طالب به الناخبون الإنكليز، هذه الانقسامات من جديد، بينما أيد 52 بالمئة من الناخبين في المملكة المتحدة مغادرة الاتحاد الأوروبي في الاستفتاء الذي نظم سنة 2016، حيث صوتت الأغلبية في أيرلندا الشمالية (56 بالمئة) للبقاء داخل الكتلة. وقال فينيكس إن التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي فتح صندوق باندورا السياسي.

وأضاف المؤرخ “فجأة، أصبحت التطلعات السياسية التي وضعت جانبا ذات أولوية. وهذا ما يقوض الاستقرار”.

انقسام داخل أيرلندا الشمالية

في حين أنهى اتفاق السلام الفوضى اليومية، إلا أنه لم يجمع المنقسمين الموجودين داخل أيرلندا الشمالية. بقي المجتمع منقسما، وأصبحت “جدران السلام” التي تمجد أحيانا الرجال الملثمين الذين يحملون السلاح خلفية في الشوارع.

في شارع شانكيل في غرب بلفاست، تمجد الجداريات المقاتلين شبه العسكريين، وتدعو إلى الحق الأساسي في الدفاع عن النفس عند التعرض للهجوم.

جداريات تدعو إلى الحق الأساسي في الدفاع عن النفس

يشعر المتساكنون بخوف من جونسون الذي يرون أنه قد يضحي بمصالحهم للحصول على صفقة خروج من الاتحاد الأوروبي، ويرون في معاملة أيرلندا الشمالية بطريقة مختلفة عن بقية المملكة المتحدة أمرا غير مقبول.

وقال جيمي برايسون، وهو رئيس تحرير يونيونيست فويس، إنه يتوقع انفجار موجة من الغضب مما سيخرج الناس إلى الشوارع. وستحث بعض الأطراف المحتجين على التحرك سلميا. “لكننا نعلم أنه بمجرد خروج أعداد غفيرة من الناس إلى الشوارع، وبمجرد أن يخرج الجني من الزجاجة، ستصبح إعادته إلى الداخل أمرا صعبا”.

يعتقد آخرون أن الجني قد خرج بالفعل.

يعتمد جاك دوفين على عكاز للمشي وهو يقود جولات في أحياء عاصمة أيرلندا الشمالية التي ما زالت تعاني من آثار المعارك. كان دوفين عضوا في الجيش الجمهوري الأيرلندي، ويحلم بالتوحد مع جمهورية أيرلندا ويعتقد أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيساعد في تحقيق هذا الهدف.

وقال دوفين “كنا نحاول دفع معضلة الحدود إلى طاولة المجتمع الدولي لسنوات. فعل بريكست ذلك من أجلنا”.

لا يحتاج البعض إلى بريكست لتذكّر هذه القضية التاريخية. حملت كيت ناش صورة أخيها الراحل ويلي، الذي كان يبلغ من العمر 19 عاما، وهو يستند إلى جدار ويحمل غيتارته. وتتذكر الألحان التي كان يعزفها في سنة 1972، إذ كان مولعا بأغاني الأميركي مارتي روبينز وخاصة لحن “إل باسو” الذي نال جائزة الغرامي في الخمسينات.

كان ويلي عاملا في ميناء، وتوجه إلى مظاهرة بالقرب من منزله في لندنديري في 30 يناير 1972. شارك كمواطن في حدث محلي ولم تربطه علاقة بالجيش الجمهوري الأيرلندي. حينها، تجمع الآلاف للاحتجاج ضد قانون الاعتقال الاحترازي الذي قررت السلطات البريطانية تطبيقه على الناشطين الأيرلنديين، فأطلق الجنود البريطانيون النار على 28 مدنيا، مما أسفر عن مقتل 13 منهم. ولم يكن الضحايا يحملون السلاح.

مرحلة المشاكل لم تنته في أيرلندا الشمالية

استقرت الرصاصة في صدر ويليام ناش. رآه والده وأسرع لمساعدته فأطلق الجنود النار عليه. عاش الأب، لكن زوجته لم تغفر له موت ابنهما. وجدت أخته كيت بعض السلوان في التحقيق الرسمي الذي وجد أن الجنود البريطانيين أطلقوا النار على المدنيين دون مبرر ثم كذبوا عند الحديث عن دوافعهم لعقود. لكنها قالت إن الألم لن ينتهي أبدا.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي