أعمال المفكر العراقي الراحل كامل الشياع في المتن من جديد

الامة برس
2019-09-10

قبل أحد عشر عامًا، تحديدًا في 23 آب/ أغسطس 2008، رحل المفكّر العراقيّ كامل شياع (1954-2008). سيّارتان اعترضتا طريق سيّارته في أوتوستراد محمد القاسم في العاصمة العراقية بغداد، ووضعتاه في مواجهة القتلة الذين أنهوا حياته بمسدّسات مزوّدة بكواتم صوت، حتى تحدث الجريمة دون أن تترك خلفها أثرًا. شياع الذي أمضى نحو أربعين عامًا بعيدًا عن العراق الذي غادره نهاية السبعينيات، بعد وصول حزب البعث إلى السلطة وبدء عهدٍ دكتاتوريٍّ أغلق وكمّم أفواه المثقّفين؛ عاد إليه بعد سقوط نظام البعث نفسه مُحاولًا وضع بصمته في عملية التحديث وبناء مشهدٍ ثقافي تكون الـ"حرية" سمته الأبرز، وذلك من خلال عمله مستشارًا لوزارة الثقافة منذ 2003 وحتّى تاريخ اغتياله.

عوّل المفكّر الراحل على تشييد عراقٍ جديد بلا عنف، حاملًا مشروعًا ثقافيًا وتنويريًا كان حصيلة أبحاث ودراسات ونقاشات خاضها في غربته الأوروبية، قبل أن يعود ويصطدم بحقيقة أنّ التجاور أو التشارك بين المدني – العلماني والإسلامي أو الأصولي، أمرًا مستحيلًا. وإن حدث فإنّه لن يكون كاملًا، بمعنى أنّ عمل كامل شياع في وزارة الثقافة العراقية، وضمن حكومة قائمة على أساس المحاصصات الطائفية، بقي مُقيّدًا، ولم يُسمح له بلعب أدوار كبرى، أو إحداث تغييراتٍ جذرية على الصعيدين الاجتماعي أو السياسي، وكذا الثقافي.

 

كامل شياع الذي ظلّ يحلم بعراقٍ آخر لا يُشبه الذي وصل إليه اليوم، والمنشغل بالفلسفة والبحث الاجتماعي والتراث العراقي والنقد الأدبي كذلك، بذل جهده في سبيل إحداث تغييراتٍ جذرية وعميقة في نظام الإنتاج الثقافي، معوّلًا على مكانته كمستشار أول لوزارة الثقافة العراقية. بالإضافة إلى اشتغاله على إنهاء حالة توظيف مختلف أشكال التعبير الثقافي لخدمة الأيديولوجيات. أحلام وطموح وضعت على الرفّ مجدّدًا، وتأجّلت إلى أجلٍ غير مسمّى. تُجاورها مشاريع لم تجد من يكمل عملية بنائها بعد وقوع المفكّر الراحل ضحية سهولة القتل التي انتشرت بطريقةٍ مُفزعة بعد سقوط نظام صدام حسين سنة 2003، والتي كان أوّل ضحاياها المفكّر قاسم عبد الأمير عجام (2004)، ولا يبدو أنّ الروائي علاء مشذوب الذي اغتيل مطلع العام الجاري في مدينة كربلاء، سيكون ضحيتها الأخيرة.

 

اغتيال اليساري العراقيّ الذي سدّد فاتورة فكره ومواقفه عبر تغريبته نحو أربعين عامًا، كشف مرّة أخرى فشل الحكومة العراقية في إقامة دولة القانون، وإنهاء حالة الفلتان الأمني والجرائم الناتجة عنها. وأظهر حالة التيه التي تعيشها وزارة الثقافة، كما لو أنّ ليس لها من اسمها نصيب، ذلك أنّ الوعود التي أطلقتها بإقامة نصبٍ تذكاري للراحل، وتأسيس مرصد حرّيات باسمه، تبخّرت. ناهيك عن أنّها لم تبذل أي جهدٍ يجعل من اسم كامل شياع عصيًّا عن النسيان.

 

حملت "دار المدى" على عاتقها إعادة اسم الفقيد إلى المتن مجدّدًا. بالتزامن مع مرور الذكرى الحادية عشرة على اغتياله، منتصف آب/ أغسطس الفائت، أعلنت الدار عن نيّتها إصدار ثلاثة كتب ضمن سلسلة إصدارات ستنشرها الدار تباعًا، وهي: "الفلسفة ومفترق ما بعد الحداثة"، و"تأملات في الشأن العراقي"، و"قراءات في الفكر العربي والإسلامي". عناوين لافتة ترصد الأفكار الفلسفية التي كانت الشغل الشاغل للقارة العجوز بأسئلتها التي لم تنفكّ تبحث عن أجوبة شاملة، ودور مدرسة فرانكفورت وتأثيرها، واشتباك الأسئلة التي شغلت أوروبا في الماضي مع أسئلة الزمن الحاضر، وكذا البحث في علاقة أفكار ما بعد الحداثة بالأيديولوجيات الكبرى.

 

 

بالإضافة إلى البحث في مآلات العراق في كتابه الثاني وتحوّلاته في ظلّ الإرهاب والخوف والقتل على الهوية والاختطاف والتهجير، محاولًا الرهان على حياة مدنية مشتركة تتمأسس على "يقظة أخلاقية مسؤولة وإلى أجيال وأجيال تمتلك ناصية التفكير النقدي، ذلك أنّ (أعداء المجتمع) هؤلاء هم بناء المستقبل" كما ورد على ظهر غلاف الكتاب. أمّا "قراءات في الفكر العربي والإسلامي"، يناقش فيه الراحل كامل شياع "التحديد المتبادل في الخطاب القرآني بين العقلاني واللاعقلاني وكيف يبدو التاريخ في ضوء هذا الصراع وكأنّه تعاقب متواتر من الهداية والضلال"، وكذا ارتدادات الفكرين العربي والإسلامي على اللحظة الراهنة. على أن نكون في الأشهر القادمة على موعدٍ مع كتابين جديدين له، هما "أوراق كامل شياع في الشأن الثقافي: الرواية، الفن، الشعر"، و"رسائل وأمكنة" اللذين يعمل شقيقه فيصل عبد الله شياع على وضع اللمسات الأخيرة عليهما.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي