القلوب أوعية اليقين قلب المؤمن وعاء نقي حاضر مستعد لاستقبال الخير على مدى أربع وعشرين ساعة، لا يعرف الغفلة، وإنما يستغرق في الذكر، ويستحضر عظمة ذي الجلال. يقول: المنذري في كتابه (الترغيب والترهيب): هناك أحوال يجب على المسلم أن يتحراها عند ذكر الله، ودعائه، تقرّب بين العبد وربه، وتجعل الدعوات سهاماً نافذة لا تُرد، فإن الله فضّل بعض خلقه على بعض، وفضل بعض الأماكن على بعض، وكذلك فضل بعض الأوقات على بعض، فكلما كان المكان أطيب وأطهر، والوقت أفضل، كان الدعاء أسرع إجابة، وكلما كان العبد متذللاً خاضعاً كانت أبواب الرحمات أوسع.
الأوقات الشريفة
والأوقات الشريفة المحبوبة مثل يوم عرفة من أيام السنة، ويوم الجمعة من أيام الأسبوع، ووقت السحر - الثلث الأخير - من الليل، وشهر رمضان من بين شهور السنة، وليلة القدر من بين الليالي. وكذلك الأحوال الشريفة، ومنها عند التقاء الجيوش، وأثناء السجود، ونزول الغيث، وبين الأذان والإقامة، وعند الوجل ورقة القلب. وعن أبي أمامة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله مَلَكَاً مُوَكّلاً بمن يقول: يا أرحم الراحمين، فمن قالها ثلاثاً، قال الملك: إن أرحم الراحمين قد أقبل إليك فاسأل تعط».
وهناك الاسم الأعظم، الذي اختلف العلماء في تعيينه وتحديده، ولكن من أرجح ما ذكر: عن عبد الله بن بُرَيْدَةَ عن أبيه رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمع رجلاً يقول: «اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد». فقال: «لقد سألت الله تعالى بالاسم الأعظم الذي إذا سُئِلَ به أعطى، وإذا دُعِي به أجاب».
آداب الدعاء
ومن آداب الدعاء خفض الصوت، وعدم الصخب، فقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء فلا يسمع لهم صوت، إن هو إلا الهمس بينهم وبين ربهم.
وقد أثنى الله تعالى على نبيه زكريا عليه السلام فقال مخبراً عنه: «إذ نادى ربه نداءً خفياً»، (مريم: ٣). ولخفض الصوت بالدعاء فوائد عدة أشار إليها ابن القيم «إنه أبلغ في الإخلاص وأبعد عن الرياء. فالإخلاص دليل على قرب صاحبه من الله وشدة حضوره، ومناجاة القريب للقريب».
وعلى المسلم اختيار الأدعية المأثورة من جوامع الكلم، أي الدعوات الجامعات للخير، فقد كان النبي يستحب ذلك، فعن عائشة، رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله، يستحب الجوامع من الدعاء، ويدع ما سوى ذلك مثل: «ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار»، (البقرة:102).
ويستحب للداعي أن يلح على الله تعالى، في الدعاء ويكرره ثلاثاً، لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب الملحين في الدعاء»، والأهم من ذلك كله حسن الظن بالله، فادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة. ومن أهم أسباب الإجابة أن يكون العبد صادق النية، حاضر القلب، مخلصاً في الدعاء، موقناً بالإجابة، فإن الله سبحانه لا يستجيب لدعاء من قلب غافل.
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الْقُلُوبُ أَوْعِيَةٌ، وَبَعْضُهَا أَوْعَى مِنْ بَعْضٍ، فَإِذَا سَأَلْتُم اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، أَيُّهَا النَّاسُ، فَاسْأَلُوهُ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ لِعَبْدٍ دَعَاهُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ غَافِلٍ». شروط قلبية ولفظية وعن البلاغة النبوية في هذا الحديث الشريف يقول الدكتور أحمد عوض في كتابه «موسوعة بلاغة الرسول»: «بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بالجملة الاسمية القاطعة في الدلالة على تفاوت القلوب في قوتها وإيمانها (القلوب أوعية) وهي كناية عن أن قلب المسلم مرآة لعمله، وعلاقته بربه، والوعاء هو محل الامتلاء، وكذلك القلب هو محل الاهتداء، وفيه مؤشر على أن القلب هو مكان التفقه والتأمل (لهم قلوب لا يفقهون بها).
وجاءت بعدها جملة أخرى تتصل بصلاح هذه القلوب فقال: (فإذا سألتم الله عز وجل أيها الناس فاسألوه وأنتم موقنون بالإجابة)، وهذه الجملة الشرطية الفعلية تخللها النداء لتجديد العهد وتأكيد الأمر بالوفاء مع الله في الإخلاص له في الدعاء، فقال في صيغة الأمر: «فاسألوه وانتم موقنون بالإجابة» كناية عن الثقة، والجزم، والالتجاء إلى كريم. وعلّل ذلك بقوله: «فإن الله لا يستجيب لعبد دعاه عن ظهر قلب غافل».
والتعليل والربط بقوله «فإن» فيه تأكيد من باب دفع الشك، وانتزاعه من قلوب الذين يتعجلون في الدعاء، أو يدعون بلا قلب، وقوله: «عن ظهر قلب غافل» كناية عن كون القلب يذكر، فالقلب الغافل هو غير الذاكر لربه الذي ينشغل بغير الله، ولا يستشعر الذل والخضوع عند الدعاء، ولا يوقن بإجابة دعائه. وقوله: «فإن الله لا يستجيب لعبد..» كناية عن كون إجابة الدعاء لها شروط قلبية، وأخرى لفظية، ولا تتأتى الاستجابة إلا بتحقق الشروط الباطنية والظاهرية.