القلوب أوعية‮ ‬اليقين

خدمة الأمة برس
2019-08-30

القلوب أوعية‮ ‬اليقين ‬قلب المؤمن وعاء نقي حاضر مستعد لاستقبال الخير على مدى أربع وعشرين ساعة،‮ ‬لا‮ ‬يعرف الغفلة،‮ ‬وإنما‮ ‬يستغرق في الذكر،‮ ‬ويستحضر عظمة ذي الجلال‮.‬ ‮يقول‮: ‬المنذري في كتابه‮ (‬الترغيب والترهيب‮)‬: ‮ ‬هناك أحوال‮ ‬يجب على المسلم أن‮ ‬يتحراها عند ذكر الله، ودعائه،‮ ‬تقرّب بين العبد وربه،‮ ‬وتجعل الدعوات سهاماً‮ ‬نافذة لا تُرد،‮ ‬فإن الله فضّل بعض خلقه على بعض،‮ ‬وفضل بعض الأماكن على بعض،‮ ‬وكذلك فضل بعض الأوقات على بعض،‮ ‬فكلما كان المكان أطيب وأطهر، والوقت أفضل، كان الدعاء أسرع إجابة،‮ ‬وكلما كان العبد متذللاً‮ ‬خاضعاً‮ ‬كانت أبواب الرحمات أوسع‮.‬

الأوقات الشريفة

‮والأوقات الشريفة المحبوبة مثل‮ ‬يوم عرفة من أيام السنة،‮ ‬ويوم الجمعة من أيام الأسبوع،‮ ‬ووقت السحر‮ - ‬الثلث الأخير‮ - ‬من الليل،‮ ‬وشهر رمضان من بين شهور السنة،‮ ‬وليلة القدر من بين الليالي‮. ‬وكذلك الأحوال الشريفة، ومنها عند التقاء الجيوش،‮ ‬وأثناء السجود،‮ ‬ونزول الغيث،‮ ‬وبين الأذان والإقامة،‮ ‬وعند الوجل ورقة القلب‮. ‬ ‮ وعن أبي‮ ‬أمامة، رضي‮ ‬الله عنه، قال‮: ‬قال رسول الله‮ صلى الله عليه وسلم: «‬إن لله مَلَكَاً‮ ‬مُوَكّلاً‮ ‬بمن‮ ‬يقول‮: ‬يا أرحم الراحمين،‮ ‬فمن قالها ثلاثاً،‮ ‬قال الملك‮: ‬إن أرحم الراحمين قد أقبل إليك فاسأل‮ تعط».‬ ‮

‬وهناك الاسم الأعظم،‮ ‬الذي‮ ‬اختلف العلماء في‮ ‬تعيينه وتحديده،‮ ‬ولكن من أرجح ما‮ ‬ذكر‮: ‬عن عبد الله بن بُرَيْدَةَ‮ ‬عن أبيه رضي‮ ‬الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ‬سمع رجلاً‮ ‬يقول‮: «‬اللهم إني‮ ‬أسألك بأني‮ ‬أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي‮ ‬لم‮ ‬يلد ولم‮ ‬يولد ولم‮ ‬يكن له كفواً‮ ‬أحد‮». ‬فقال‮:‬ ‮«‬لقد سألت الله تعالى بالاسم الأعظم الذي‮ ‬إذا سُئِلَ‮ ‬به أعطى،‮ ‬وإذا دُعِي‮ ‬به أجاب»‮.‬

آداب الدعاء

ومن آداب الدعاء خفض الصوت،‮ ‬وعدم الصخب‮،‮ ‬فقد كان المسلمون‮ ‬يجتهدون في‮ ‬الدعاء فلا‮ ‬يسمع لهم صوت،‮ ‬إن هو إلا الهمس بينهم وبين ربهم‮.

‬وقد أثنى الله تعالى على نبيه زكريا عليه السلام فقال مخبراً‮ ‬عنه: «إذ نادى ربه نداءً‮ ‬خفياً‮»، (‬مريم‮: ٣). ولخفض الصوت بالدعاء فوائد عدة أشار إليها ابن القيم ‮«‬إنه أبلغ‮ ‬في‮ ‬الإخلاص وأبعد عن الرياء‮. ‬فالإخلاص دليل على قرب صاحبه من الله وشدة حضوره،‮ ‬ومناجاة القريب للقريب‮».‬ ‮

‬وعلى المسلم اختيار الأدعية المأثورة من جوامع الكلم‮، ‬أي‮ ‬الدعوات الجامعات للخير،‮ ‬فقد كان النبي‮ ‬يستحب ذلك،‮ ‬فعن عائشة،‮ ‬رضي‮ ‬الله عنها،‮ ‬قالت‮: كان رسول الله،‮ ‬يستحب الجوامع من الدعاء،‮ ‬ويدع ما سوى ذلك مثل‮: «‬ربنا آتنا في‮ ‬الدنيا حسنة وفي‮ ‬الآخرة حسنة وقنا عذاب النار‮»، (‬البقرة‮:102). ‬

ويستحب للداعي‮ ‬أن‮ ‬يلح على الله ‬تعالى، ‬في‮ ‬الدعاء ويكرره ثلاثاً،‮ ‬لقوله صلى الله عليه وسلم‮: «إن الله‮ ‬يحب الملحين في‮ ‬الدعاء‮»، ‮ ‬والأهم من ذلك كله حسن الظن بالله، فادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة‮. ‬ ومن أهم أسباب الإجابة أن‮ ‬يكون العبد صادق النية،‮ ‬حاضر القلب، مخلصاً في الدعاء،‮ ‬موقناً بالإجابة، فإن الله سبحانه لا‮ ‬يستجيب لدعاء من قلب‮ ‬غافل‮.‬

و‬عَنْ‮ ‬عَبْدِ‮ ‬اللَّهِ‮ ‬بْنِ‮ ‬عَمْرٍو‮،‮ ‬أَنّ‮ ‬رَسُولَ‮ ‬اللَّهِ‮ ‬صَلَّى اللَّهُ‮ ‬عَلَيْهِ‮ ‬وَسَلَّمَ،‮ ‬قَالَ‮: «الْقُلُوبُ‮ ‬أَوْعِيَةٌ،‮ ‬وَبَعْضُهَا أَوْعَى مِنْ‮ ‬بَعْضٍ،‮ ‬فَإِذَا سَأَلْتُم‮ ‬اللَّهَ‮ ‬عَزَّ‮ ‬وَجَلَّ،‮ ‬أَيُّهَا النَّاسُ،‮ ‬فَاسْأَلُوهُ‮ ‬وَأَنْتُمْ‮ ‬مُوقِنُونَ‮ ‬بِالْإِجَابَةِ،‮ ‬فَإِنَّ‮ ‬اللَّهَ‮ ‬لَا‮ ‬يَسْتَجِيبُ‮ ‬لِعَبْدٍ‮ ‬دَعَاهُ‮ ‬عَنْ‮ ‬ظَهْرِ‮ ‬قَلْبٍ‮ ‬غَافِلٍ‮». شروط قلبية ولفظية وعن البلاغة النبوية في هذا الحديث الشريف يقول الدكتور أحمد عوض في كتابه «موسوعة بلاغة الرسول»: «بدأ النبي صلى الله عليه وسلم ‬بالجملة الاسمية القاطعة في الدلالة على تفاوت القلوب في قوتها وإيمانها‮ (‬القلوب أوعية‮) ‬وهي كناية عن أن قلب المسلم‮ ‬ مرآة لعمله، وعلاقته بربه،‮ ‬والوعاء هو محل الامتلاء،‮ ‬وكذلك القلب هو محل الاهتداء،‮ ‬وفيه مؤشر على أن القلب‮ ‬هو مكان‮ ‬التفقه والتأمل‮ (‬لهم قلوب لا‮ ‬يفقهون بها‮)‬. ‮

‬وجاءت بعدها جملة أخرى تتصل بصلاح هذه القلوب فقال‮: (فإذا سألتم الله عز وجل أيها الناس فاسألوه وأنتم موقنون بالإجابة‮)، وهذه الجملة الشرطية الفعلية تخللها النداء لتجديد العهد وتأكيد الأمر‮ بالوفاء مع الله في الإخلاص له في الدعاء، فقال في صيغة الأمر‮: «فاسألوه وانتم موقنون بالإجابة‮» ‬كناية عن الثقة، والجزم، والالتجاء إلى كريم‮.‬ ‮ ‬وعلّل ذلك بقوله‮: ‬«فإن الله لا‮ ‬يستجيب لعبد دعاه عن ظهر قلب‮ ‬غافل‮».‬

والتعليل والربط بقوله‮ «‬فإن‮» ‬فيه تأكيد من باب دفع الشك،‮ ‬وانتزاعه من قلوب الذين‮ ‬يتعجلون في الدعاء، أو‮ ‬يدعون بلا قلب‮، ‬وقوله‮: «‬عن ظهر قلب‮ ‬غافل‮» ‬كناية عن كون القلب‮ ‬يذكر،‮ ‬فالقلب الغافل هو‮ ‬غير الذاكر لربه الذي‮ ‬ينشغل بغير الله، ولا‮ ‬يستشعر الذل والخضوع عند الدعاء،‮ ‬ولا‮ ‬يوقن بإجابة دعائه‮.‬ ‮‬وقوله‮: «‬فإن الله لا‮ ‬يستجيب لعبد‮..» ‬كناية عن كون إجابة الدعاء لها شروط قلبية، وأخرى لفظية،‮ ‬ولا تتأتى الاستجابة إلا بتحقق الشروط الباطنية والظاهرية‮.‬







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي