الشاعر الفلسطيني محمود درويش يحضر إلى الصين بعد غياب 8 سنوات

خدمة الأمة برس
2019-08-29

  نعمة عز الدين

 
 
     
اللغة الصينية هي المحطة الأخيرة التي حضر إليها الشاعر الفلسطيني محمود درويش، إلى العاصمة بكين، ليحتفل مع حوارييه بصدور الترجمة الأولى لمائة قصيدة من قصائده إلى الصينية، عن اللغة العربية، قام بها الشاعر الصيني الشهير وصديق درويش، ”بيي داو“، بين دفتي ديوان تحت عنوان ”عاشق من فلسطين“، بعد أن كانت مجموعة قصائد متفرقة تمت ترجمتها على يد الشاعر الصيني الكبير ”شيو تساي“، من الفرنسية إلى الصينية.
 
فعلى الرغم من فراق الشاعر درويش لمحبوبته فلسطين، والحياة عام 2008 بعد عملية قلبٍ ثالثة، أجريت له في الولايات المتحدة الأمريكية، ليواري جثمانه الثرى بمدينة ”رام الله“ الفلسطينية، إلا أن روحه مازالت هائمة تواقة للحرية والعدل، وحضوره الشعري لازال طاغيًا، وكلماته تحمل بعدًا إنسانيًا وكونيًا، يجعل مرور سنوات الغياب أشبه بالوجود الأبدي لمسيرته الشعرية الطويلة، التي تنقل فيها بين عدد من العواصم والبلدان العربية والأجنبية، وألقيت قصائده بنحو 22 لغة.
 
”الأدب الإنساني هو ما يندرج تحت إبداع الشاعر الكبير محمود درويش“، هكذا وصف المسئولون عن جامعة الدراسات الأجنبية في بكين، الأسباب التي جعلتهم يترجمون قصائد ”درويش“ المائة إلى الصينية.
 
يبدو هذا السبب الجوهري في ترجمة أعمال ”درويش“ الشعرية، صحيحًا إلى حد كبير، فمنذ صدور ديوانه الشعري الموسوم ”أوراق الزيتون“ في عام 1964، والذي كان البداية الحقيقية للشهرة الواسعة التي نالها، طرأت تحولات على نتاجه الأدبي، فهو تحول من شاعر ناشط سياسيًا إلى صوفي، ومن ثائر إلى غزلي.
 
إلا أن هذه التحولات لا يجوز أن تحجب عنا أن موضوعه الأصلي، ”مصير الفلسطينيين“، قد ظل دائم الحضور في إنتاجه الشعري، فمحمود درويش مكن آمال الفلسطينيين وآلامهم من أن تتسلل إلى الأدب العالمي، وحالفه النجاح في هذا المسعى، وذلك لأن قصائده ما كانت تتحدث عن الفلسطينيين فقط، بل كانت تتحدث عن الإنسانية جمعاء.
 
ولأن درويش كان يترجم آمال وآلام الفلسطينيين خاصة، والإنسانية عامة، لأنه كان شاعر الفلسطينيين وعالمي المنظور، فتراه يُقرأ في كل أنحاء المعمورة، حسبما يقول ”شتيفان فايدنر“ المترجم الألماني للشاعر الكبير محمود درويش.
 
كما ظهر من خلال قلم المستشرقة الألمانية المشهورة ”آنا ماري شمل“، أول ترجمة ألمانية لأربعة قصائد لـ“محمود درويش“ في كتابها ”شعر وجداني عربي معاصر“، يضم أجمل القصائد العربية الحديثة المعبرة عن عدة مدارس شعرية.
 
وبالنسبة للغة الإسبانية، فقد تُرجمت له دواوين كاملة، أبرزها «اثنا عشر كوكباً» الذي تُرجم بعد 6 أشهر من صدوره.
 
 
Image result for ‫الشاعر الفلسطيني محمود درويش‬‎
 
الشاعر الفلسطيني الكبير، الذي كان يملأ ملاعب كرة القدم في العالم العربي بالجمهور، في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، الذي غدا باضطراد ضمير فلسطين وناقدها الذاتي، أصبحت قصائده أكثر إنسانية، معبرة بكثافة عن ألم الشتات والمنفى والبعد عن الأرض، والتنقل بالروح والجسد جبرًا، وليس اختيارًا، هي حالة يمكن أن تعاش في كل زمان ومكان ووطن.
 
فعندما تُرجمت أعماله إلى لغات عالمية عدة، كان وقعها على أصحاب هذه اللغات وكأنها من إبداع شعرائهم، لأن الحس الإنساني هو الذي يعلو على وجعه بفقدان وطنه.
 
فعندما كان طفلًا صغيرًا في السادسة من عمره، أيقظته أمه ليلًا، لكي يرحل بعيدًا برفقة الأسرة عن قريته الصغيرة ”البروة“، بمدينة عكا العتيقة إلى لبنان، ثم يعود إليها بعد حرب 1948، ليجد قريته الفلسطينية قد تهدمت كليًا، وحلت محلها مستوطنتان يهوديتان – يسكنهما مهاجرون من أوروبا.
 
عرف المعنى الكامن في الإحساس بالاغتراب النفسي، فقرر أن ينتمي إلى الإنسانية، بدون إدانة مريضة وتحيز جاهل لمعنى قضيته واسترداده لوطنه، لذلك، ومن هذا المنطلق لم يرفض العبرية، وإنما استخدم لغة المحتل كمجاز في إطار ثابت، وحول وظيفتها كنافذة للنظر من خلالها إلى جيله من كلا الجانبين.
 
وتبرز التوراة كواحدة من هذه الجوانب، ”كتاب مهم رغم كل ذلك“، حتى أنها ”مادة لا يستطيع أي مثقف الاستغناء عنها“، كما يقول محمود درويش.
 
ويضيف أيضًا: ”ربما ستستغرب إن عرفت أنني قرأت التراجيديا اليونانية لأول مرة باللغة العبرية، لايمكنني إلا أن أقول إنني مدين للعبرية في التعرف على الأدب الأجنبي“.
 
في قصيدته الكونية ”مقعد في قطار“، يعبر محمود درويش بشكل لافت عن مشاعر الناس، وهم في طريقهم إلى مستقبل مجهول، في كثير من الأحيان في قطارات غريبة، بوضوح ودون ريب، يصف كل محطة قطار على أنها مكان آخر للجوء، وأن كل لوحة محطة تعطي شعورًا آخر بالمجهول، حيث يقول: ”نسافر بحثًا عن الصِّفْر، كُلّ أهلِ القطارِ يعودون للأهلِ، لكننا لا نعودُ إلى أي بيتٍ“.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 






كاريكاتير

إستطلاعات الرأي