
نشرت صحيفة “الغارديان” تقريرا أعدته إيما غراهام- هاريسون ويوفال أفراهام قالا فيه إن البيانات الإسرائيلية تكشف عن وفاة 98 فلسطينيا في الأسر الإسرائيلي منذ هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر والحرب على غزة.
وكشفت الصحيفة أن عدد القتلى في السجون الإسرائيلية هو أعلى من الأرقام المنشورة.
وأشارت إلى أرقام جمعتها منظمة “أطباء من أجل حقوق الإنسان- إسرائيل”، مع أن الأرقام الحقيقية قد تكون أعلى لأن هناك منات المعتقلين لا يزالون في عداد المفقودين. وقامت المنظمة بمتابعة الوفيات التي حدثت بسبب العنف الجسدي والإهمال الطبي وسوء التغذية وضمّنت نتائجها في تقرير جديد. كما استخدمت قانون حرية المعلومات وتقارير الطب الشرعي ومقابلات مع محامين وناشطين وأقارب القتلى والمفقودين وشهود عيان.
ولم تقدم الأرقام الإسرائيلية إلا حصيلة شاملة للأشهر الأولى من الحرب. وتظهر الأرقام الرسمية خلال هذه الفترة معدلات غير مسبوقة من الضحايا بين المعتقلين الفلسطينيين، وبمعدل وفاة في كل أربعة أيام. وكانت آخر مرة قام بها الجيش الإسرائيلي بتحديث بيانات الوفيات في أيار/مايو، فيما حدّثت مصلحة السجون الإسرائيلية أرقامها في أيلول/ سبتمبر 2024.
واستطاع الباحثون في منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان- إسرائيل، الكشف عن 35 وفاة بعد هذين التاريخين وتثبتوا من صحتها مع السلطات الإسرائيلية.
وقال ناجي عباس، مدير دائرة المساجين والمعتقلين في المنظمة، إن بيانات الموتى في السجون قد تكون أعلى من تقديرات أخرى، إلا أنها لا تعطي صورة شاملة عن الخسائر الفلسطينية.
وقال: “مع أننا نقدم أدلة عن أعداد كبيرة من الوفيات أكثر، ولكنها ليست الصورة الشاملة” و”نحن متأكدون من استمرار وفاة أشخاص في المعتقل ولا نعرف عنهم”. وتظهر البيانات السرية الإسرائيلية أن غالبية الأسرى الفلسطينيين الذين ماتوا وهم في الأسر الإسرائيلي كانوا من المدنيين.
وهو ما توصل إليه تحقيق مواز لمجلة “لوكال كول” ومجلة “+972” وصحيفة “الغارديان”.
وكشفت قاعدة بيانات تعود للجيش الإسرائيلي وتتابع مقاتلي حماس والجهاد الإسلامي، وهي قائمة من 47,000 اسم، أن الوفيات في السجون كانت 21 وفاة، مع أن 65 فلسطينيا من غزة ماتوا في تلك الفترة. وتشمل بيانات الوفاة في المعتقلات فئة “المعتقلون الأمنيون” والتي تضم مدنيين احتجزهم الجيش بدون توجيه اتهامات لهم أو تقديمهم للمحاكمة وسجناء الرأي والضمير من الضفة الغربية.
ومن بين الوفيات ثلاثة يحملون المواطنة الإسرائيلية أو يقيمون في إسرائيل.
وتضيف الصحيفة أن العنف الجسدي والتعذيب وغيره من سوء المعاملة الممارسة ضد الفلسطينيين أصبحت، وخلال عامين من الحرب أمرا طبيعيا وعاديا في نظام السجون الإسرائيلي، حيث تفاخر وزير الأمن القومي اليميني المتطرف، إيتمار بن غفير، بنظام التجويع وسجن تحت الأرض يحتجز فيه فلسطينيون لا يرون ضوء الشمس.
وقد زعم جميع المعتقلين الحاليين والسابقين والمبلغين عن المخالفات من الجيش الإسرائيلي، وقوع انتهاكات منهجية للقانون الدولي.
وتقول الصحيفة إن العنف المدعوم من المؤسسة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين تزامن مع زيادة مقلقة لحالات الوفيات في 12 سجنا مدنيا وعسكريا إسرائيليا. مقارنة مع معدل وفاتين أو ثلاث وفيات في السجون الإسرائيلية، وذلك في العقد الذي سبق الحرب.
ويعلق عباس: “هذه ليست حالة فردية تحصل هنا أو هناك، إنها ممنهجة وستستمر”. ورد عباس الأمر لوجود ثقافة شاملة للإفلات من العقاب لقتل الفلسطينيين وسوء معاملتهم.
وفي هذا السياق من العنف الذي لا يخشى من العقاب، لم تعرض على المحاكم سوى قضية واحدة تتعلق بالاعتداء على المعتقلين، وحكم على الجندي بالسجن سبعة أشهر. وأدت محاولة محاكمة آخرين على خلفية اعتداء وحشي، بما في ذلك العنف الجنسي، إلى احتجاجات يمينية واعتقال كبيرة المحامين العسكريين الإسرائيليين، حيث يطالب المشتبه بهم الآن بإسقاط التهم الموجهة إليهم. وقال عباس: “على الرغم من هذا العدد الهائل من الوفيات، لم يعتقل أحد على مدار عامين. لم توجه أي تهم تتعلق بأي جريمة قتل”، وأضاف: “بينما تطبق هذه السياسات، فكل فلسطيني رهن الاحتجاز في خطر، حتى الأصحاء منهم، وحتى الشباب الذين لا يعانون من مشاكل طبية مزمنة”.
وكانت بعض الوفيات أثناء الاحتجاز بارزة، بما في ذلك الدكتور عدنان البرش (50 عاما) الذي كان رئيس قسم جراحة العظام في مستشفى الشفاء، وتوفي في سجن عوفر بعد أربعة أشهر من الاحتجاز.
وشهد سجين آخر اعتقل مع البرش أن الحرس أحضروه إلى الساحة قبل فترة قصيرة من وفاته، وكانت الجراح بادية عليه، وعاريا من وسطه للأسفل، ولم تعد جثته بعد إلى غزة.
وتقول منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان- إسرائيل، إن هوية سجناء ماتوا في المعتقلات الإسرائيلية لا تزال مجهولة. وقدمت المنظمة لمصلحة السجون الإسرائيلية أرقام الوفيات والسجون التي ماتوا فيها، لكنها رفضت تقديم أسماء. وفي 21 حالة، معظمها من غزة، لم تكن المنظمة قادرة على مناسبة التفاصيل القليلة التي قدمتها المصلحة وربطها بالموت الذي سجلته منظمات حقوق الإنسان، سواء من خلال شهادات معتقلين أفرج عنهم أو تقارير إعلامية.
كما لا تعرف عائلات المعتقلين مصيرهم، إذا جعلت إسرائيل الأمر صعبا عليهم. وقالت منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان إنه على مدار سبعة أشهر في بداية الحرب، رفض الجيش الإسرائيلي تقديم معلومات أساسية عن وضع آلاف المعتقلين في غزة، منفذا بذلك سياسة الإخفاء القسري.
واعتبارا من أيار/ مايو 2024، وفرت عنوان بريد إلكتروني للاستفسارات عن الفلسطينيين من غزة، لكن هذا لم يحدث سوى تحسن جزئي ومحدود. وأشارت منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان إلى “استمرار الإخفاقات وانعدام الشفافية”.
وعندما يسأل المحامون عن موكيلهم يقال لهم إنه لا يوجد سجل لاعتقالهم، حتى عندما يكون موثقا جيدا.
وقالت منظمة “هاموكيد” الحقوقية إنه على مدار ستة أشهر من العام الماضي، قدمت السلطات الإسرائيلية هذا الرد على استفسارات حول وضع حوالي 400 شخص. ومن بين أبرز السجناء الدكتور حسام أبو صفية، مدير مستشفى كمال عدوان في غزة، الذي اعتقل خلال مداهمة المستشفى في كانون الأول/ ديسمبر 2024. ونفى الجيش الإسرائيلي احتجازه لمدة أسبوع، على الرغم من ظهور لقطات فيديو تظهر جنودا إسرائيليين وهم يقتادونه إلى سيارة.
وتقول المنظمة في تقريرها إن الكشف الإعلامي المكثف والذي أدى في النهاية إلى الاعتراف باعتقاله أمر نادر، لكن رفض إسرائيل تقديم معلومات واضحة وفي الوقت المناسب عن وضع السجناء “يعطينا أسبابا وجيهة للخوف من أن الكثيرين منهم لم يعودوا على قيد الحياة”. وجاء فيه أيضا: “لقد جعلت هذه الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي أي جهد لتحديد النطاق الكامل لسياسة إسرائيل في قتل الفلسطينيين المعتقلين، أو تتبع مصير العديد من الفلسطينيين المحتجزين، أمرًا صعبًا للغاية، إن لم يكن مستحيلًا”.
فقد اضطرت عائلة الفقعاوي إلى تقديم التماس إلى المحكمة العليا الإسرائيلية لمعرفة أن منير الفقعاوي (41 عاما) وابنه ياسين (18 عاما) قد توفيا أثناء الاحتجاز. وصلت القوات الإسرائيلية إلى منزلهم في خان يونس في آذار/ مارس 2024، واستجوبت الرجلين أمام أقاربهما ثم اقتادتهما بعيدا.
وعندما حاولت “هاموكيد” تتبعهما نيابة عن العائلة، ادعى الجيش بعدم وجود سجل احتجاز لأي من الرجلين. وفي تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، نجح استئناف قانوني امام المحكمة، تضمن الاعتراف بأن الرجال “لم يعودوا على قيد الحياة”، وادعاء بأن الشرطة العسكرية تحقق في وفاتهم.
وقال معتقل سابق آخر بأنه أُجبر على العمل كدرع بشري للجنود الإسرائيليين مع الأب والابن من عائلة الفقعاوي. ومن المرجح أن تكون هناك عائلات أخرى تعتقد بوفاة أعزائها، لكنها لا تزال تأمل في عودتهم من السجون الإسرائيلية.