
في خطوة علمية غير مسبوقة، طوّر فريق دولي من الباحثين مضاد سموم جديدًا قائمًا على الأجسام النانوية، قادرًا على تحييد سموم 17 نوعًا من أخطر الثعابين الأفريقية، من بينها الكوبرا، المامبا، والرينخال. يُمثّل هذا الابتكار نقلة نوعية في مجال علاج لدغات الثعابين، التي تودي بحياة ما لا يقل عن 7,000 شخص سنويًا في أفريقيا، إضافة إلى عشرات الآلاف من الإصابات الدائمة، بحسب الرجل.
ابتكار مضاد سموم نانوي ضد الكوبرا والمامبا والرينخال
على مدى عقود، كانت مضادات السموم تُستخلص من دم الخيول بعد تعريضها لجرعات صغيرة من السموم، وهي طريقة فعالة لكنها محفوفة بالمخاطر، إذ قد تُسبب حساسية شديدة للمريض، كما أنها فعالة ضد نوع أو نوعين فقط من الثعابين.
أما المصل الجديد، الذي نُشرت تفاصيله في مجلة نيتشر (Nature)، فابتُكر باستخدام ثمانية أجسام نانوية مُهندَسة وراثيًا، وهي أجزاء دقيقة من الأجسام المضادة تستخلص عادة من الألبكة واللاما. تتميز هذه الأجسام النانوية بقدرتها على الانتشار السريع في أنسجة الجسم والوصول إلى السموم في المناطق العميقة التي يصعب على العلاجات التقليدية بلوغها.
كشف الباحثون أن الفئران التي عُولجت بهذا المصل الجديد نجت من سموم 17 من أصل 18 نوعًا مستهدفًا، بينما فشل فقط في تحييد سم المامبا الخضراء الشرقية بالكامل. كما أظهرت التحليلات أن المصل قلّل من تلف الأنسجة والشلل والمضاعفات العصبية التي عادةً ما تسببها لدغات الثعابين السامة.
تفوق المصل النانوي على مضادات السموم التقليدية متعددة الأهداف المستخدمة حاليًا، إذ قدّم حماية أوسع وأسرع بأعراض جانبية أقل.
يقول أندرياس هوجارد لاوستسن-كيل، الباحث الرئيسي في الدراسة من الجامعة التقنية في الدنمارك: "يُظهر عملنا أنه يمكن تصنيع مضاد سموم فعّال باستخدام عدد صغير من الأجسام النانوية فقط، دون الحاجة إلى الثعابين أو الخيول. ويمكن إنتاجه على نطاق صناعي في المفاعلات الحيوية."
ويُضيف أن النظام الجديد يتميز بإمكانية تصنيعه بشكل مستقل تمامًا عن مصادر حيوانية، مما يجعله أكثر أمانًا واستدامة.
رغم النتائج الواعدة، يُحذر الخبراء من أن تكلفة الإنتاج قد تُعيق استخدامه في المناطق الفقيرة التي تُسجل أعلى معدلات لدغات الثعابين. ويقول خوان كالفيت من معهد فالنسيا للطب الحيوي: "إنه تقدم كبير في تطوير مضادات السموم الاصطناعية، لكن الجرعات المطلوبة للبشر قد تكون مرتفعة، مما قد يزيد تكلفة العلاج."
ويُخطط الفريق حاليًا لاختبار المصل على حيوانات أكبر لتقدير الجرعات البشرية المثالية، إلى جانب تطوير نسخ جديدة تستهدف أنواع الثعابين الآسيوية مثل الكوبرا الهندية.
يمثل هذا الابتكار خطوة نحو تطوير مضاد سموم عالمي، قادر على تحييد لدغات الثعابين المختلفة عبر القارات. ففي عام 2025، أظهرت دراسة أخرى نُشرت في مجلة Cell إمكانية استخدام أجسام مضادة بشرية من ناجين من لدغات الثعابين لإنتاج علاج موحد.
ورغم التحديات التقنية والاقتصادية، يُعتبر مضاد السموم النانوي الجديد أحد أكثر التطورات أملًا في إنقاذ الأرواح في المناطق الريفية الأفريقية والآسيوية، حيث ما تزال لدغات الثعابين من أكثر الأزمات الصحية إهمالًا في العالم.