
كشف موقع إنترسبت الأميركي عن وثائق داخلية تُظهر أن شركة أمازون كانت تقدم خدمات حوسبة سحابية لعدد من شركات الأسلحة الإسرائيلية والهيئات الحكومية، استخدمت أسلحتها لتدمير غزة، وارتكاب الجرائم خلال حرب إسرائيل على القطاع.
وأوضح الموقع في تقرير مطول له أن هذه الوثائق تبيّن أن العلاقة بين الشركة وإسرائيل تتجاوز حدود التزويد التقني العادي، لتشمل أيضا جهودا منسقة للتأثير على الجهات التنظيمية الإسرائيلية من أجل السماح لأمازون بالتعامل مع مواد ومعلومات "سرية" تخص الجيش والاستخبارات.
وأضاف أن هذه الوثائق توضح أن أمازون ضغطت بهدوء على السلطات الإسرائيلية لإقناعها بالسماح لها بمعالجة بيانات مصنّفة تابعة لوزارة الدفاع وأجهزة المخابرات.
ففي حين كانت الجهات العسكرية مترددة في نقل بياناتها الحساسة إلى خوادم الشركة، سعت أمازون لإقناع المنظمين الحكوميين بتغيير هذه السياسة. وتشير إحدى الوثائق إلى أن الشركة بدأت بالفعل بالعمل مع مؤسسة حكومية كبيرة لم يُكشف اسمها، لنقل بعض المواد السرية إلى خدمتها السحابية.
مجموعة واسعة من الخدمات
وتكشف الوثائق المالية، كما ذكر تقرير إنترسبت، أن وزارة الدفاع الإسرائيلية وشركات الأسلحة المملوكة للدولة، مثل "رافائيل" و"هيئة الصناعات الجوية الإسرائيلية"، تستخدم مجموعة واسعة من خدمات أمازون، تشمل أدوات التخزين والشبكات، والأمن، إضافة إلى خدمة "أمازون ريكوغنيشن" للتعرف على الوجوه، والتي استخدمها الجيش الإسرائيلي ضمن مشروع "أوسينت" (OSINT) الاستخباري مفتوح المصدر، والتابع لقيادة المنطقة الوسطى الإسرائيلية.
وكانت هذه التقنية قد أثارت جدلا سابقا في الولايات المتحدة بسبب ضعف دقتها مع النساء وأصحاب البشرة الملونة، مما دفع الشركة عام 2020 إلى تعليق استخدامها من قبل الشرطة مؤقتا.
وتشير الوثائق، وفقا لتقرير الموقع، إلى أن الجيش الإسرائيلي استخدم أيضا تقنيات أمازون لاختبار نماذج لغوية ضخمة، ويرجح أن ذلك تم عبر وحدة 9900، المختصة بالاستخبارات الجغرافية والمشاركة في تخطيط الضربات الجوية في غزة باستخدام الأقمار الصناعية.
وتذكر تقارير سابقة أن هذه الوحدة اشترت كذلك خدمات سحابية من مايكروسوفت.
زبائن إسرائيليون آخرون
ومن بين الزبائن الذين حصلوا على خدمات أمازون السحابية مركز سوريك للأبحاث النووية، وهو منشأة حكومية تعمل في إطار برنامج الطاقة الذرية الإسرائيلي بُنيت في الخمسينيات بالتعاون مع الولايات المتحدة، بحسب إنترسبت.
ورغم أن إسرائيل لا تعترف رسميا بامتلاكها أسلحة نووية، فقد وصف تقرير لوزارة الحرب الأميركية عام 1987 مركز سوريك بأنه يضم جميع القدرات اللازمة لتصميم وتصنيع الأسلحة النووية، كما يقول تقرير الموقع.
ونقلت إنترسبت عن تقرير لمعهد ستوكهولم لأبحاث السلام إشارته عام 2002 إلى أن مركز سوريك يقع في منطقة أمنية مشتركة مع قاعدة جوية يتم فيها تجميع الصواريخ واختبارها.
خدمات في الضفة الغربية
وتطرقت إحدى الوثائق أيضا إلى مكاتب حكومية في الضفة الغربية تستخدم الخدمات السحابية لأمازون، مما يثير إشكالات قانونية تتعلق بالتعامل مع سلطة الاحتلال في الأراضي الفلسطينية.
ونسب إنترسبت إلى البروفيسور إيوانيس كالبوزوس، من كلية الحقوق بجامعة هارفارد، تعليقه بأن علاقة أمازون بشركات الأسلحة الإسرائيلية يمكن أن تضعها في دائرة المساءلة القانونية الدولية إذا ثبت أن خدماتها أسهمت، ولو بشكل غير مباشر، في ارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية.
وأضاف كالبوزوس أن "المسؤولية القانونية لا تتطلب وجود نية إبادة، بل يكفي أن يكون من المتوقع أن يؤدي الدعم إلى ارتكاب الجرائم".
المسؤولية القانونية والأخلاقية
ورغم أن أمازون قد تدّعي عدم معرفتها بكيفية استخدام تقنياتها على الأرض، يرى مسؤول سابق في وزارة الدفاع الأميركية -يُدعى براينت- أن هذا الادعاء غير مقنع، لأن طبيعة عمل الشركات التي تتعامل معها الشركة واضحة "إنها شركات تصنع الأسلحة، ولا يمكن لأمازون الادعاء بأنها غير متواطئة في القتل، حتى لو لم تعرف كل التفاصيل".
تشير هذه الوثائق، كما يؤكد تقرير إنترسبت، إلى أن الدور الذي تلعبه أمازون في إسرائيل يتجاوز حدود الخدمات التكنولوجية إلى مساهمة غير مباشرة في البنية العسكرية والأمنية التي تدعم العمليات في غزة.
ويقول موقع إنترسبت إن تقريره هذا يعيد فتح النقاش حول المسؤولية الأخلاقية والقانونية لشركات التكنولوجيا الكبرى التي تقدم خدماتها لحكومات متورطة في نزاعات مسلحة وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وسط تساؤلات متزايدة عن مدى التزام هذه الشركات بمعايير حقوق الإنسان والشفافية في العقود الدفاعية.