
في قلب الجنوب الأميركي، سجلت مدينة جاكسون عاصمة ولاية مسيسيبي، للعام الرابع على التوالي، أعلى معدل لجرائم القتل بين جميع المدن، مما ساهم في ترسيخ سمعتها "عاصمة جرائم القتل" في الولايات المتحدة، بحسب صحيفة تايمز البريطانية.
ويقول مراسل الصحيفة جورج غريلز نقلا عن بيانات مكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي) إن مدينة جاكسون سجلت العام الماضي 77.8 جريمة قتل لكل 100 ألف شخص، أي ما يعادل 15 ضعف المعدل الوطني.
ففي جنوب جاكسون -المنطقة المعروفة بعنف العصابات- أصبحت المطاعم التي كانت تعلن عن وجبات سمك السلور (القرموط) في حالة متردية، كما تفيد الصحيفة.
مياه غير نظيفة
كما لاحظ مراسل الصحيفة جورج غريلز أن عاصمة ولاية مسيسيبي تعاني من بنية تحتية متهالكة تجبر السكان على غلي المياه قبل شربها.
وأضاف أنه حتى الضواحي التي تبدو ميسورة الحال لا تخلو من المباني المحترقة والنفايات، في مشهد يعكس معاناة المجتمعات الفقيرة في الجنوب الأميركي.
وقارنت تايمز، في تقريرها، بين مدينتي جاكسون وشيكاغو بولاية إيلينوي، حيث سجلت الأخيرة 17.5 جريمة قتل لكل 100 ألف نسمة. ورغم ذلك يتوعدها الرئيس دونالد ترامب بإرسال قوات الحرس الوطني إليها، واصفا إياها بأنها "عاصمة القتل في العالم" مع أنها لم تُدرج ضمن قائمة الـ100 مدينة الأكثر دموية العام الماضي.
عنف وفقر وتهميش
وفي جولة ميدانية رافق فيها مراسل صحيفة تايمز شرطة جاكسون، ظهرت صورة قاتمة لمدينة تعاني من العنف المسلح والفقر والتهميش.
وذكر المراسل أن الرقيب شرطة كوينسي راسل يتعامل يوميا مع حوادث مأساوية أثناء محاولاته إنقاذ مدمني المخدرات على الأرصفة أو الانطلاق إلى مسارح جرائم تورط فيها مراهقون بإطلاق النار على أفراد أسرهم.
وعلى الرغم من مظهر بعض أحياء جاكسون الهادئة بمنازلها المتباعدة وأشجارها الكثيفة، فإن مشاهد المباني المحترقة والنفايات المنتشرة تكشف عن واقع اقتصادي واجتماعي مأزوم في ولاية كانت الأغنى قبل الحرب الأهلية الأميركية، وأصبحت اليوم الأفقر.
حتى الأطفال
ووفقا للصحيفة، فإن ظاهرة الجريمة في جاكسون لا تقتصر على البالغين؛ فالأطفال -بعضهم في الثانية عشرة من العمر- يحوّلون المسدسات والبنادق إلى أسلحة آلية باستخدام أجهزة "سويتش"، مقلدين ما يشاهدونه في فيديوهات العصابات على منصتي تيك توك وإنستغرام.
وبسبب عدم قدرتهم على التحكم في ارتداد السلاح، تقول تايمز إن الأمر كثيرا ما ينتهي بهم بإطلاق نار عشوائي يصيب المنازل والسيارات، بل وأحيانا أرواحا بريئة.
ونقلت الصحيفة عن نائبة رئيس شرطة جاكسون، سيكورنا بانكس (56 عاما)، التي تشرف على تحقيقات القتل، القول إن معظم جرائم القتل في المدينة تحدث في سياق مشاكل عائلية يعرف فيها الضحية والجاني بعضهما، "فهي ليست حوادث إطلاق نار عشوائية".
جدل حزبي
هذا الواقع دفع المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت، إلى وصف مدينة جاكسون بأنها "ملاذ للمجرمين والمهاجرين غير النظاميين"، ملقية باللوم على القيادة الديمقراطية، مما أثار جدلا سياسيا بين الجمهوريين والديمقراطيين حول أسباب تفشي الجريمة.
وقد تحوّلت ظاهرة الجريمة المرتفعة إلى ساحة صراع حزبي، فبينما يتهم الجمهوريون القيادة المحلية الديمقراطية بالفشل، يشير الديمقراطيون إلى تجاهل الإدارة الفدرالية للمدن الجنوبية التي تعاني من ارتفاع معدلات الجريمة رغم تركيزها على مدن ديمقراطية مثل واشنطن ولوس أنجلوس، طبقا للصحيفة.
ورغم تراجع معدلات الجريمة على المستوى الوطني بنسبة 17% في النصف الأول من 2025، صعّد ترامب خطابه وأرسل الحرس الوطني إلى ممفيس أكبر مدن ولاية تينيسي، و"رابع أكثر المدن الأميركية دموية".
مخاوف من التوترات العرقية
غير أن نشر القوات في الجنوب يثير -برأي الصحيفة البريطانية- مخاوف من تصاعد التوترات العرقية في منطقة مثقلة بتاريخ الإعدامات العنصرية، خاصة بعد العثور مؤخرا على طالب أسود مشنوقا في حرم جامعي في حادثة أثارت شكوكا واستعادت أحداثا من الماضي.
وفي مواجهة هذا الواقع، يحاول نشطاء محليون -مثل جون نايت، وهو زعيم عصابة سابق- إنقاذ أطفال جاكسون من دوامة العنف عبر مبادرات مجتمعية وأنشطة ثقافية.
لكن المراسل غريلز يحذر من أن خلافا تافها بسبب دَين بقيمة 5 دولارات، أو منشور مهين على منصة إنستغرام قد يتحول إلى جريمة قتل في مدينة ينهشها الفقر وتتفشى فيها الجريمة ويعاني شبابها من قلة الفرص.