كيف يبدو طلب نزع سلاح حماس ذريعة إسرائيلية لحرب أبدية؟

الامة برس-متابعات:
2025-08-06

لبنان غير مطلوب منه تفكيك حزب الله كمنظمة أو كحركة سياسية، أو إبعاد ممثليه من الحكومة والبرلمان. فحزب الله، مثل حماس، يرفض حتى مناقشة نزع سلاحه (ا ف ب)طلب نزع سلاح حماس وتجريد القطاع من السلاح ليس طلباً مشروعاً فقط، بل هو طلب حيوي. ولكنه طلب لا يمكن أن يبقى شرطاً منفصلاً عن خطة شاملة للسيطرة في القطاع وإنهاء الحرب. ربما ترى إسرائيل امام ناظريها نموذج حرب لبنان الأولى. ففي حينه، في إطار اتفاق الإجلاء الذي وقعت عليه م.ت.ف والتخلي عن معظم سلاحها الثقيل، انتقلت قيادتها إلى تونس وتفرق مقاتلوها في الدول العربية. حتى الآن، نتذكر آلاف الشاحنات الإسرائيلية التي شقت الطريق من لبنان إلى اسرائيل وهي محملة بالسلاح والذخيرة والمواد المتفجرة التي خلفتها م.ت.ف وراءها.

لكنه نموذج مضلل قد يورط إسرائيل في حرب خالدة. عرفت إسرائيل في حينه العملية بـ “النصر المطلق” رغم أن الكثير من السلاح الفلسطيني (جزء منه استخدم ضد التنظيمات اللبنانية، وجزء منه ما زال يخدم التنظيمات الفلسطينية في المخيمات، وجزء آخر تم استخدامه ضد إسرائيل) بقي في لبنان حتى بعد خروج قوات م.ت.ف.

بعد انتهاء الحرب الأهلية في 1989 تشكلت حكومة بدأت في وضع أسس الدستور التي استهدفت إعطاء صلاحية حصرية للحكومة من أجل حيازة السلاح. وهي الأسس التي استند إليها قرار مجلس الأمن 1559 في 2004 وقرار 1701 في 2006، اللذين يشكلان أساس طلب نزع سلاح حزب الله. هذه القرارات وحدها لم تكن كافية لبدء الحكومة اللبنانية في جمع سلاح حزب الله، وكانت هناك حاجة إلى حرب أخرى وضغط أمريكي كبير حتى يفي لبنان بتعهده الذي لم يستكمله بعد.

لكن خلافاً لغزة، في لبنان حكومة لها جيش، وحتى إسرائيل بمجرد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، تعتبر الحكومة اللبنانية سلطة مع عنوان مسؤول عن تنفيذ القرار. لذلك، نموذج لبنان لا يسري على الوضع في غزة، حيث تحتفل إسرائيل بإعلان مشترك غير مسبوق للدول العربية، الذي تطلب فيه من حماس نزع سلاحها، وتتجاهل البنود الأخرى في الإعلان. الخطة نفسها تنص على وجوب تسليم حماس سلاحها للسلطة الفلسطينية، وليس لإسرائيل، وأن “الحكم، وتطبيق القانون والأمن في كل المناطق الفلسطينية هي من مسؤولية السلطة الفلسطينية وحدها، بدعم دولي مناسب”.

رفضت حماس طلب نزع السلاح، إلا “في إطار إقامة دولة فلسطينية مستقلة”، وهو شرط يظهر الآن غير منطقي. عن “نزع قدراتها الحكومية” حماس ردت عدة مرات في الأشهر الأخيرة بالقول إنها مستعدة للموافقة على “الاقتراح المصري”. وهو الاقتراح الذي يشير إلى إدارة القطاع لنصف سنة من قبل لجنة “خبراء”، تعمل برعاية السلطة الفلسطينية وبمساعدة قوات دولية وعربية وحتى أمريكية. ولكنه اقتراح رفضته إسرائيل بسبب اشتراط مشاركة السلطة الفلسطينية. في الوقت نفسه، لا تعرض إسرائيل أي بديل لحكم حماس عدا عن الاحتلال الإسرائيلي المباشر، الذي لا مخرج منه.

النزع الطوعي لسلاح التنظيمات والمليشيات المارقة التي تدير كفاحاً مسلحاً ضد أنظمة، هو الآن في مركز النضال السيادي في أربع دول في المنطقة على الأقل. تواجه لبنان تطبيق القرار 1701 الذي يشمل نزع سلاح حزب الله، وكل القوات المسلحة غير الحكومية، ليس فقط في جنوب الليطاني، بل في كل أرجاء الدولة. والنظام السوري الجديد يعمل على دمج المليشيات المسلحة، بما في ذلك القوات الكردية والدرزية، في جيش الدولة. والعراق نجح بشكل محدود في نزع سلاح بعض المليشيات الشيعية، لكنه ما زال بعيداً عن تسجيل انتصار كامل في هذه الساحة. في حين أن تركيا، التي تدير حرباً ضروساً ضد التنظيم السري الكردي (بي.كي.كي) منذ الثمانينيات، سجلت إنجازاً تاريخياً عندما دعا زعيمه، عبد الله أوجلان، قادة التنظيم الى تفكيكه ونزع سلاحه.

في الشهر الماضي، قامت مجموعة أولى تشمل 30 مقاتلاً كردياً، بحرق السلاح في احتفال رمزي لإظهار استعداد التنظيم لتبني دعوة القائد. ولكن يتوقع في هذه الساحة المزيد من الصراع إلى حين استكمال العملية، هذا إذا تم استكمالها. الفرق الأساسي بين اتفاقات نزع سلاح هذه التنظيمات وبين الوضع في غزة، هو أن كل دولة من هذه الدول فيها حكومة معترف بها، حتى لو كان أداؤها بعيداً عن أن يكون كاملاً أو حتى لو لم يتم انتخابها بشكل ديمقراطي، إلا أنها تستند إلى الاعتراف الدولي ولديها جسم عسكري، هو الجيش الوطني. بسبب الصلاحية المعطاة لهذه الحكومات، تلقى المسؤولية المباشرة عليها، سواء على صعيد الجمهور والسياسة الداخلية، أو بفضل الاعتراف بها، للعمل على نزع سلاح التنظيمات.

لكن السلطة وضع مرن، والصعوبة في التعامل مع نزع سلاح التنظيمات غير الحكومية يتطلب ملاءمة نماذج العمل مع ظروف سياسية في كل دولة. وعندما تطلب الإدارة الأمريكية من الرئيس السوري أحمد الشرع، التحرك ضد المليشيات غير الحكومية – بعضها تنظيمات إرهابية بكل معنى الكلمة – فهي تتيح له “تبييض صورتها من خلال دمجها في الجيش الوطني”.

لبنان غير مطلوب منه تفكيك حزب الله كمنظمة أو كحركة سياسية، أو إبعاد ممثليه من الحكومة والبرلمان. فحزب الله، مثل حماس، يرفض حتى مناقشة نزع سلاحه، ويقترح في الوقت نفسه صيغة تقول إنه غير مستعد لمناقشة نزع سلاحه إلا “في إطار استراتيجية دفاعية – وطنية”. هذه الصيغة تعني، على الأقل نظرياً، بأن حزب الله سيكون على استعداد، في ظروف مناسبة، أن يكون جزءاً من منظومة الدفاع الوطنية الرسمية التي تخضع لسلطة الدولة. هذا تغير مبدئي في موقفه التقليدي الذي يقول بأن الجيش اللبناني لا يمكنه الدفاع عن الدولة، ولذلك فإن حزب الله مجبر على ان يأخذ دوره.

تركيا، التي تحارب ضد القوات الكردية في سوريا منذ أصبحت قوة منظمة عقب الحرب الأهلية في سوريا، لا تعارض بأن تكون هذه القوات جزءاً من الجيش السوري “الجديد”. وبالنسبة لأعضاء حزب العمل الكردي، فهي طلبت وحصلت على تعهد بتفكيك الحزب، وهي مستعدة للتفاوض مع أعضاء التنظيم حول مكانتهم ومكانة الأكراد في تركيا بشكل عام، في إطار عملية المصالحة التي تعد أساس الموافقة على نزع السلاح.

نموذج العراق مختلف في جوهره؛ لأن معظم المليشيات الشيعية، سواء المؤيدة لإيران أو المخلصة لزعماء سياسيين ورجال ديني محليين، موحدة في جسم يسمى “الحشد الشعبي”، الذي تشكل في 2014 بتوجيه من المفتي الشيعي الأكبر في العراق آية الله علي السيستاني، من أجل مساعدة الدولة في محاربة “داعش”. هذا الجسم يخضع في الحقيقة لوزارة الدفاع العراقية، ويحصل على معظم التمويل من ميزانية الدولة، ولكنه ليس “جيشاً عراقياً”، حيث يحتفظ أعضاء “الحشد” بسلاحهم، وهم غير خاضعين للجيش العراقي.

أما في غزة فقد أوجدت اسرائيل حالة شاذة غير مسبوقة في أي دولة من هذه الدولة؛ فهي التي رعت حماس كمنظمة تنافس السلطة الفلسطينية، وتفشل قدرتها على فرض سيادتها وسلطتها في أرجاء فلسطين كما تم تحديدها في اتفاق أوسلو. إسرائيل لم تشجع فقط تمويل حماس، بالأساس على يد قطر، بل اعتبرتها “سلطة حكومية” وعنواناً مسؤولاً، عسكرياً ومدنياً. مثلاً، طلبت من حماس العمل ضد “التنظيمات المارقة” مثل “الجهاد الإسلامي” أو الجبهة الشعبية، واعترفت بـ “التصاريح” التي منحتها حماس للمواطنين من أجل الخروج والدخول إلى القطاع، وصادقت على خطط الإعمار في غزة مثلما حدث بعد عملية “الجرف الصامد”، في الوقت الذي كان واضحاً فيه أن حماس ستحصل منها على مكاسب أساسية.

برعاية إسرائيل ودعمها، أقامت حماس في غزة حكماً ذاتياً، عسكرياً ومدنياً، بشكل يسمح بمقارنة سياسة إسرائيل تجاه حماس مع سياسة إيران تجاه حزب الله. الامتداد العسكري استهدف تقويض سلطة الدولة في حالة لبنان، والسلطة الفلسطينية في حالة غزة. والآن، عندما ترفض إسرائيل أي حكم فلسطيني بديل في غزة، فهي تطمح إلى تدمير الامتداد الذي أنشأته. في ظل غيابه، هي نفسها ستضطر إلى أن تحل مكان حماس، وتصبح محتلة مباشرة وحصرية للقطاع. وستلقى عليها أيضاً المسؤولية عن الإدارة المدنية لمليوني وربع فلسطيني.

 

تسفي برئيل

 هآرتس 5/8/2025









شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي