
المحادثات المباشرة بين آدم بوهلر، المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي لشؤون المخطوفين، ورئيس حماس في غزة خليل الحية، أزعجت متخذي القرارات في “القدس” [تل أبيب]، لا سيما نتنياهو ورون ديرمر.. اعتبر بوهلر المحادثات “ناجعة جداً”، ورغم إظهاره تفهماً لموقف إسرائيل التي تعارض المحادثات، فقد أكد في مقابلة مع الـ “سي.إن.إن” بأن “الولايات المتحدة ليست وكيلة لإسرائيل”. نعرف من أقواله أن شيئاً ما لن يحدث خلال بضعة أسابيع”، والمعنى، تحرير جميع المخطوفين وليس من يحملون الجنسية الأمريكية فحسب. يمكن الافتراض بمزيد من المحادثات إذا احتاج الأمر.
سواء أثمرت هذه المحادثات نتائج أم لا، فقد رأت فيها إسرائيل انحرافاً كبيراً عن السياسة الأمريكية التقليدية التي تفيد بعدم إجراء مفاوضات مباشرة مع منظمات إرهابية. ولكن هذا الانحراف ليس موجوداً. في السابق، تحدثت الولايات المتحدة مع م.ت.ف عندما اعتبرت الأخيرة منظمة إرهابية، قبل فترة طويلة من اتفاقات أوسلو، وأجرى مبعوثو ترامب مفاوضات مباشرة مع زعماء طالبان، وحتى إنهم وقعوا اتفاقاً في شباط 2020 حول انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، الذي احترمه الرئيس بايدن. والتقى ممثلون أمريكيون أيضاً مع الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، حتى قبل أن يتوقفوا عن تصنيفه شخصاً إرهابياً، وقبل إزالة جائزة بمبلغ 10 مليون دولار مقابل رأسه. الولايات المتحدة في الحقيقة امتنعت طوال عقود عن إجراء محادثات مباشرة مع حزب الله، ولكن جهات أوروبية رفيعة، من بينها رئيس المخابرات الفرنسية، تحدثت مباشرة مع قادة الحزب للمضي إلى وقف لإطلاق النار. لم ترفع لا واشنطن ولا إسرائيل صوت احتجاج على ذلك.
السذاجة والتوارع وطرقعة اللسان، وأيضاً الخوف من “الشرعية” التي ستحصل عليها حماس بسبب المحادثات المباشرة مع ممثلين أمريكيين، أمور زائدة. المفاوضات غير المباشرة مع حماس، بواسطة “دول وساطة” مثل قطر ومصر، هي بالفعل مفاوضات مباشرة. والالتفاف هو مظهر لا يمكنه إخفاء جوهر التحرك الدبلوماسي. إضافة إلى ذلك، تتحدث إسرائيل مباشرة مع قطر، التي رغم أنها لا تعتبر دولة معادية، فإن إسرائيل تراها دولة تدعم الإرهاب، وتعمل أيضاً بالتنسيق المدني والأمني مع السلطة الفلسطينية، التي حصلت إسرائيلياً، على لقب “سلطة إرهابية لا تختلف عن حماس”.
السؤال الوحيد هو: هل المفاوضات المباشرة مع منظمة إرهابية تدفع قدماً بصفقة المخطوفين وتؤدي إلى اتفاق في غزة؟ هذا هو السؤال الذي وقف أمام ناظري ترامب عندما أوقف الوساطة مع طالبان وتحدث معها مباشرة. هكذا أيضاً شرح بوهلر سبب لقائه مع كبار شخصيات حماس. في مقابلة مع “فوكس نيوز”، قال: “الحوار يعني أن تسمع ما يريده أحد ما، وبعد ذلك تشخص إذا كان هذا مناسباً لما نريده. وبعد ذلك، فحص كيفية تحقيق شيء ما في الوسط بدون إشعال حرب”. الأمر بسيط جداً؛ ففي “الحوار” المباشر لا يتم تجاوز دول الوساطة أو التنازل عن دورها الحيوي في استخدام الضغط على حماس، لأن عليها أن تكون الضامن لكل اتفاق يتوصل إليه، إذا حدث، والمساعدة في تطبيق الخطة العملياتية التي ستخرج من الحوار.
التخوف من أن يزيد مثل هذا الحوار من قوة حماس ويعطيها اعترافاً أمريكياً ودولياً، يبدو من الأفضل أن نذكر بأن إسرائيل هي التي خرقت الاتفاق الذي وقعت عليه، والذي تم التوصل إليه في مفاوضات غير مباشرة. وبهذا، وضعت الولايات المتحدة في وضع لا تساوي فيه ضماناتها الورق الذي كتب عليه الاتفاق. والنتيجة أن الولايات المتحدة تفضل أن تكون طرفاً في المفاوضات، وليس مجرد وسيط يستخدم الضغط. إضافة إلى ذلك، لا يعتبر هذا الحوار بديلاً عن التصريح الذي أصدره ترامب لإسرائيل، “فعل كل ما تريد” لإنهاء “القضية” أو استئناف الحرب في قطاع غزة.
الحوار مع حماس لا يعتبر الإشارة الوحيدة بأن ترامب مستعد لإجراء تغيير في التكتيك الدبلوماسي التقليدي. الرسالة التي أرسلها إلى المرشد الأعلى علي خامنئي، التي طلب فيها الجلوس على طاولة المفاوضات، جاءت مع تهديد غير مخفي، حذر فيه من أن “شيئاً ما سيحدث قريباً”. ولكن مثلما أمام حماس أيضاً في قضية إيران، فإن ترامب الذي يطمح إلى إجراء مفاوضات مباشرة، لا يتنازل عن دول الوساطة: السعودية، قطر، والإمارات، وسلطنة عُمان، وربما روسيا أيضاً. هذه الدول أصبحت جزءاً لا يتجزأ من العمليات السياسية التي تجريها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وخارجه. يكفي التذكير بأن المفاوضات حول الاتفاق النووي الأصلي بدأت بوساطة عُمان، وكانت الكويت الدولة التي توسطت بناء على طلب من أمريكا في عملية المصالحة بين السعودية ومصر والإمارات وبين قطر، وقطر توسطت بين الولايات المتحدة وإيران في المفاوضات التي أدت إلى تحرير أسرى أمريكيين من السجن الإيراني، وكذلك في الاتفاق مع طالبان، والإمارات شريكة أيضاً في جهود الوساطة بين أمريكا وإيران.
بعض هذه الدول شريكة الآن في العملية السياسية التي قد تؤدي إلى المصالحة بين الولايات المتحدة وروسيا، وهي أيضاً مشاركة في الجهود لإنهاء الحرب في أوكرانيا. في هذا الأسبوع، يتوقع أن يصل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى الرياض، وسيلتقي كبار رجاله مع مبعوثي الرئيس ترامب، من بينهم وزير الخارجية ماركو روبيو. ليس صدفة اختيار السعودية لاستضافة هذه المباحثات بين البعثة الروسية والبعثة الأمريكية في شباط الماضي. ويتوقع أن تستأنف في هذا الشهر. شبكة العلاقات المزدوجة التي بنتها المملكة في السنوات الأخيرة مع روسيا ومع الولايات المتحدة، حيث تجاهلت العقوبات الأمريكية المفروضة على موسكو، ومن جهة أخرى تنوي استثمار 600 مليار دولار في الولايات المتحدة، والسيطرة على “أوبك”، وعلى أسعار النفط في السوق العالمية، والاعتماد عليها كصراف آلي سيمول إعادة الإعمار في لبنان وسوريا وربما قطاع غزة، والعلاقات العائلية القديمة بين عائلة ترامب ومحمد بن سلمان – كل ذلك حول السعودية، إلى جزء لا يتجزأ من الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، حتى لو لم تنفذ حلم التطبيع مع إسرائيل من أجل ترامب.
الإمارات هي الشريكة التجارية الأهم لروسيا في الشرق الأوسط. وهي أيضاً مثل السعودية، تتجاهل العقوبات المفروضة على روسيا. في موازاة ذلك، يوجد للحاكم محمد بن زايد علاقات ودية مع الرئيس الأوكراني زيلينسكي. الأخير وقع على اتفاق تعاون تجاري كبير مع أبو ظبي. الذي يمكن أيضاً أن يساعده في جسر فجوة التمويل بعد أن قرر ترامب وقف المساعدات لكييف.
إسرائيل غير موجودة في نسيج العلاقات هذا. والأخطر أنها قد تعد عبئاً يزعج ترامب في استكمال رسم خارطة العالم الجديد، التي يبدو أنه يخطط لها. في هذه الخارطة، ستكون روسيا حليفة ضد الصين، وستوقع إيران على اتفاق نووي جديد، وستشكل دول الخليج حزام أمان يضمن تحييد الصين وتهديد النووي الإيراني مقابل استثمارات ضخمة. لا يوجد في الواقع يقين من إمكانية تحقق هذه الخارطة، ولكن التوق إلى تحقيقها والخطوات السياسية التي سترافقها تلزم الآن إسرائيل ببناء مكانها في المنطقة. عليها التقرير حول استراتيجية أوسع بكثير من السيطرة على محور فيلادلفيا أو المماطلة في عقد صفقة التبادل.
تسفي برئيل
هآرتس 10/3/2025