
عندما يُسأل أحزاب الوسط – اليسار، كيف سيتدبر الشعبان أمرهما في النهاية للعيش في بلاد إسرائيل، وهم المتساويان في عددهما، يخشون من تلفظ كلمتي “حل الدولتين”. رجال العلاقات العامة والاستطلاعات يشرحون لهم بأن الشعب يخاف من دولة فلسطينية بعد 7 أكتوبر، ولا يهم بأي شروط. بقدر غير قليل، هذا هو نجاح نتنياهو في شيطنة السلطة الفلسطينية، كي يبرر مساعدته في بناء قوة حماس الإجرامية، عدو السلطة. في أحاديث مغلقة، يقول قادة الأحزاب إياهم إنه لا سبيل للعيش هنا في بلاد إسرائيل دون السماح لخمسة ملايين ونصف فلسطيني بالعيش في دولة خاصة بهم على نحو خُمس مساحة بلاد إسرائيل، تبعاً لشروط أمنية.
لكن المطلوب قرار كيف نريد أن نعيش هنا، بأمان. وعليه، فمن المهم استيضاح وقائع الحقيقة.
الأهم هو أن إسرائيل هي الدولة الأقوى بين بحر قزوين والمحيط الأطلسي. وقد ثبت هذا في السنة الأخيرة. فأي تهديد يمكن لدولة فلسطينية أن تشكله على إسرائيل القوية كهذه؟ هناك وضعان كهذا: الأول، إذا ما انتشر جيش معاد في أراضيها، والثاني إذا ما سيطرت على الدولة ذاتها منظمة إرهاب ترفض وجود إسرائيل. الوضع الأول يمكن منعه من خلال القول إن الدولة الفلسطينية ستكون مجردة من السلاح، وإن جيشاً أجنبياً لم ينتشر فيها. هذا شرط أساس للاتفاق ويمكن لإسرائيل فرضه.
الأعقد هو منع الوضع الثاني. لقد سبق أن كنا في هذا الفيلم، لكارثتنا. كنا هناك لأن حكومة إسرائيل ارتكبت كل الأخطاء الممكنة، وانطلاقاً من نية بأن تحكم حماس في غزة. الخوف من أن ما حصل في غلاف غزة سيقع في “كفار سابا” وفي “غلبوع” بات له أساس. باستثناء أنه ليس قدراً، وإسرائيل قد تمنعه تماماً دون أن تفقد طابعها اليهودي ودون أن تحكم خمسة ونصف مليون فلسطيني بالقوة.
40 سنة منذ أن عينني إسحق رابين رئيساً للإدارة المدنية في “يهودا والسامرة” وأنا أنشغل في مسألة كيف تكون الضمانة لحكم المناطق المأهولة بالفلسطينيين، قيادة تريد أن تعيش إلى جانبنا بسلام. أجريت محادثات عميقة، ومفاوضات، مع كل زعيم فلسطيني في “المناطق”. كل ما أكتبه يقوم على أساس معرفة عميقة لهم. ليس فيهم محبو صهيون. لكنهم كلهم، بمن فيهم الذين يتطلعون ليحلوا محل أبو مازن، ملتزمون بسياسته التي ترفض الإرهاب وتؤمن بأن الدولة الفلسطينية ستقوم إلى جانب إسرائيل وستعيش معها بسلام. هناك عاملان موضوعيان يؤكدان هذا الالتزام.
الأول، هو الخصومة العميقة مع حماس. ليس صدفة أن فشلت كل محاولات المصالح بين فتح ومنظمة الإرهاب. حماس، جذورها في حركة الإخوان المسلمين، وهي لا توافق على أي شراكة في الحكم. حلمها ليس دولة وطنية فلسطينية، بل خلافة إسلامية، تعيش حسب الشريعة الإسلامية. حلمها هو دولة دينية. الحركة الفلسطينية العلمانية التي تعد “فتح” أبرز منظماتها، معنية بدولة وطنية علمانية وحديثة. لا حل وسطاً بين الأحلام، ولا يوجد حل وسط على الحكم. وبالتالي، لا مصالحة سياسية بين المنظمتين، بل في أقصى الأحوال توافقات تكتيكية قصيرة المدى. للقيادة الوطنية العلمانية الفلسطينية ولإسرائيل عدو مرير مشترك، هو حماس. وعليه، فقد نجح التنسيق الأمني وصمد رغم كل الخصومة الإسرائيلية – الفلسطينية. هدف حماس هو السيطرة على الضفة الغربية، والتخلص من رجال السلطة الفلسطينية، والشروع في حملة إرهاب ضد أراضي دولة إسرائيل، على نمط 7 أكتوبر. تدور الآن معارك حقيقية بين منظمات الإرهاب والسلطة التي تحاول تصفيتهم. يجدر الإشارة بأسى إلى أن الأموال التي نقلت لحماس بمباركة الحكومة، استخدمت أيضاً لبناء بنية تحتية للإرهاب في الضفة.
العامل الثاني الذي يؤكد التعايش والتنسيق بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، هو العامل الاقتصادي. الناتج للفرد في الضفة يبلغ 3.000 دولار والناتج للفرد في إسرائيل هو نحو 52.000 دولار – 17 ضعفاً. لا يوجد أي احتمال لوجود مجتمع فلسطيني حديث ومزدهر بدون تعاون اقتصادي وثيق مع إسرائيل. لا يمكن لأي دولة عربية أن تعرض على الدولة الفلسطينية الفرص الاقتصادية التي يستطيع الاقتصاد الإسرائيلي المجاور أن يعرضها. القيادة الفلسطينية تعرف هذا. إذا أرادوا دولة مزدهرة فعليهم العيش بسلام مع إسرائيل. نظراً للصلة الأمنية والاقتصادية يمكن أن نفهم لماذا إذا كنا حكماء، وليس فقط أقوياء، لا ينبغي لنا الخوف من دولة فلسطينية إلى جانبنا.
د. أفرايم سنيه
يديعوت أحرونوت 26/12/2024