دمشق - خلال سنوات النزاع الأولى في سوريا وبعد معاناة طويلة مع التهميش، بنى الأكراد إدارتهم الذاتية في شمال وشمال شرق سوريا، وأعادوا إحياء لغتهم وتراثهم، كما قاتلوا تنظيم الدولة الإسلامية بشراسة على جبهات عدة.
لكن اليوم، ومع هجمات الفصائل الموالية لأنقرة على مناطقهم، وتغيير الحكم في سوريا، يجد الأكراد أنفسهم أمام تهديد لإدارتهم الذاتية.
- السيطرة على تل رفعت ومنبج-
بالتوازي مع شنّ هيئة تحرير الشام وفصائل موالية لها هجوما في مباغتا في 27 تشرين الثاني/نوفمبر من معقلها في شمال غرب سوريا مكّنها في نهاية المطاف من السيطرة على الحكم في دمشق، شنّت فصائل موالية لأنقرة هجوما ضدّ القوات الكردية. وسيطرت هذه القوات على منطقة تل رفعت ومدينة منبج من الأكراد.
ولا تزال قوات سوريا الديموقراطية التي يهيمن عليها الأكراد تسيطر على مناطق واسعة من شمال شرق سوريا وجزء من محافظة دير الزور (شرق)، وخصوصا الضفة الشرقية لنهر الفرات. تخضع هذه المناطق للإدارة الذاتية التي أنشأها الأكراد في بداية النزاع في سوريا بعد انسحاب القوات الحكومية من جزء كبير منها.
وبدعم من واشنطن، وسعت قوات سوريا الديموقراطية مناطق سيطرتها تدريجا، مع تحقيقها سلسلة انتصارات على تنظيم الدولة الإسلامية.
وتتمركز قوات أميركية، منتشرة ضمن التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية، في قواعد عدة في مناطق سيطرة الأكراد، لا سيما في محافظة دير الزور التي تضم حقولا نفطية.
وتشكّل كل من منبج وتل رفعت جزءا من "منطقة آمنة" بطول 30 كيلومترا تريد أنقرة إنشاءها على طول حدودها مع سوريا لإبعاد المقاتلين الاكراد.
وبعد أيام من القتال، أسفرت وساطة أميركية عن هدنة بين القوات الكردية والفصائل الموالية لأنقرة، لكن الأكراد يتهمون الطرف الآخر بخرقها.
واتهمت قوات سوريا الديموقراطية أنقرة بالاستعداد لشنّ هجوم على مدينة كوباني الحدودية مع تركيا، والتي كانت رمزا لقتال تنظيم الدولة الاسلامية.
وأعرب قائد قوات سوريا الديموقراطية مظلوم عبدي الثلاثاء عن استعداد قواته لتقديم مقترح إنشاء "منطقة منزوعة السلاح" في كوباني. وأضاف أن هذه المبادرة تهدف إلى "معالجة المخاوف الأمنية التركية".
-تهديد تركي-
تمتلك تركيا، إلى جانب الفصائل الموالية لها، قوة قوامها بين 16 ألف عنصر و18 ألفا على الأراضي السورية، وفقا لمسؤول تركي. وتؤكد أنقرة أن جيشها سيبقى جاهزا لتنفيذ عملية محتملة في شرق الفرات ما لم يقم المقاتلون الأكراد في شمال سوريا "بإلقاء" أسلحتهم.
من جانبه، صرّح وزير الخارجية التركي أن الجيش التركي لن يكون لديه أي سبب للتدخل إذا قامت السلطات الجديدة في دمشق "بمعالجة هذا الملف بشكل صحيح".
بحسب مراقبين، تحاول تركيا استغلال التغيير في سوريا لإضعاف المقاتلين الأكراد الذين تصفهم بـ"الإرهابيين" وإبعادهم عن حدودها الطويلة.
ما بين عامي 2016 و2019، نفّذت تركيا ثلاث عمليات عسكرية في شمال سوريا ضد وحدات حماية الشعب الكردية التي تشكل العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية، ونجحت بفرض سيطرتها على منطقتين حدوديتين واسعتين داخل الأراضي السورية.
تعتبر أنقرة وحدات حماية الشعب امتدادا لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض تمردا ضد الدولة التركية منذ ثمانينيات القرن الماضي.
-الإدارة الذاتية والسلطات الجديدة-
أبدت سلطات الإدارة الذاتية الكردية الانفتاح تجاه السلطات الجديدة في دمشق.
ودعت الاثنين إلى "وقف العمليات العسكرية" على "كامل" الأراضي السورية. وفي بادرة حسن نية، أعلنت الخميس قرارها بأن ترفع على كل مقارها ومؤسساتها علم الاستقلال الذي رفعه السوريون منذ خروجهم في تظاهرات سلمية مناهضة لنظام دمشق عام 2011.
وجاء قرار الإدارة الذاتية بعد تأكيد مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديموقراطية، جناحها العسكري، أن "التغيير فرصة لبناء سوريا جديدة.. تضمن حقوق جميع السوريين".
وقال القائد العسكري لهيئة تحرير الشام مرهف أبو قصرة، المعروف باسمه الحربي أبو حسن الحموي، في مقابلة مع فرانس برس الثلاثاء إن مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد في شمال شرق البلاد "ستُضّم" الى الإدارة الجديدة للبلاد، مؤكدا رفض وجود اي فدرالية.